بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا
محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
كتاب الغصب
وفيه بابان :
الأول : في الضمان ، وفيه ثلاثة أركان :
الأول : الموجب للضمان .
والثاني : ما فيه الضمان .
والثالث : الواجب . وأما الباب الثاني : فهو في الطوارئ على المغصوب .
الباب الأول
في الضمان
الركن الأول
[ موجب الضمان ]
وأما الموجب للضمان ، فهو إما المباشرة لأخذ المال المغصوب أو إتلافه ، وإما المباشرة للسبب المتلف ، وإما إثبات اليد عليه .
[ ص: 653 ] واختلفوا في
nindex.php?page=treesubj&link=16763_16760السبب الذي يحصل بمباشرته الضمان إذا تناول التلف بواسطة سبب آخر ، هل يحصل به ضمان أم لا ؟ وذلك مثل أن يفتح قفصا فيه طائر فيطير بعد الفتح ، فقال
مالك : يضمنه ، هاجه على الطيران أو لم يهجه . وقال
أبو حنيفة : لا يضمن على حال . وفرق
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بين أن يهيجه على الطيران أو لا يهيجه ، فقال : يضمن إن هاجه ، ولا يضمن إن لم يهجه .
ومن هذا من
nindex.php?page=treesubj&link=16763_27427_16755حفر بئرا فسقط فيه شيء فهلك ،
فمالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي يقولان : إن حفره بحيث أن يكون حفره تعديا ضمن ما تلف فيه وإلا لم يضمن ، ويجيء على أصل
أبي حنيفة أنه لا يضمن في مسألة الطائر .
وهل يشترط في المباشرة العمد أو لا يشترط ؟ فالأشهر أن الأموال تضمن عمدا وخطأ ، وإن كانوا قد اختلفوا في مسائل جزئية من هذا الباب .
وهل يشترط فيه أن يكون مختارا ؟ فالمعلوم عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه يشترط أن يكون مختارا ، ولذلك رأى على المكره الضمان ( أعني : المكره على الإتلاف ) .
الركن الثاني
[
nindex.php?page=treesubj&link=16769_16766ما يجب فيه الضمان ]
وأما ما يجب فيه الضمان فهو كل مال أتلفت عينه أو تلفت عند الغاصب عينه بأمر من السماء ، أو سلطت اليد عليه وتملك ، وذلك فيما ينقل ويحول باتفاق . واختلفوا فيما لا ينقل ولا يحول مثل العقار ، فقال الجمهور : إنها تضمن بالغصب - أعني أنها إن انهدمت الدار ضمن قيمتها - ، وقال
أبو حنيفة : لا يضمن .
وسبب اختلافهم هل كون يد الغاصب على العقار مثل كون يده على ما ينقل ويحول ؟ فمن جعل حكم ذلك واحدا ، قال بالضمان ، ومن لم يجعل حكم ذلك واحدا ، قال : لا ضمان .
الركن الثالث
[ وهو الواجب في الغصب ]
nindex.php?page=treesubj&link=10726_10721والواجب على الغاصب إن كان المال قائما عنده بعينه لم تدخله زيادة ولا نقصان أن يرده بعينه ، وهذا لا خلاف فيه ، فإذا ذهبت عينه فإنهم اتفقوا على أنه إذا كان مكيلا أو موزونا أن على الغاصب المثل ( أعني : مثل ما استهلك صفة ووزنا ) ، واختلفوا في العروض فقال
مالك : لا يقضى في العروض من الحيوان وغيره إلا بالقيمة يوم استهلك ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
وأبو حنيفة ،
وداود : الواجب في ذلك مثل ولا تلزم القيمة إلا عند عدم المثل .
وعمدة
مالك حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة المشهور عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006733من أعتق شقصا له في عبد قوم عليه الباقي قيمة العدل " الحديث . ووجه الدليل منه أنه لم يلزمه المثل وألزمه القيمة .
وعمدة الطائفة الثانية قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95فجزاء مثل ما قتل من النعم ) ; ولأن منفعة الشيء قد تكون هي المقصودة عند المتعدى عليه .
ومن الحجة لهم ما خرجه
أبو داود من حديث
أنس وغيره "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006734أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان عند بعض نسائه ، [ ص: 654 ] فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين جارية بقصعة لها فيها طعام ، قال : فضربت بيدها فكسرت القصعة ، فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - الكسرتين فضم إحداهما إلى الأخرى وجعل فيها جميع الطعام ويقول : غارت أمكم كلوا كلوا ، حتى جاءت قصعتها التي في بيتها ، وحبس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القصعة حتى فرغوا ، فدفع الصحفة الصحيحة إلى الرسول ، وحبس المكسورة في بيته " وفي حديث آخر "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006735أن عائشة كانت هي التي غارت وكسرت الإناء ، وأنها قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما كفارة ما صنعت ؟ قال : إناء مثل إناء ، وطعام مثل طعام " .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا
مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا
كِتَابُ الْغَصْبِ
وَفِيهِ بَابَانِ :
الْأَوَّلُ : فِي الضَّمَانِ ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ :
الْأَوَّلُ : الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ .
وَالثَّانِي : مَا فِيهِ الضَّمَانُ .
وَالثَّالِثُ : الْوَاجِبُ . وَأَمَّا الْبَابُ الثَّانِي : فَهُوَ فِي الطَّوَارِئِ عَلَى الْمَغْصُوبِ .
الْبَابُ الْأَوَّلُ
فِي الضَّمَانِ
الرُّكْنُ الْأَوَّلُ
[ مُوجِبُ الضَّمَانِ ]
وَأَمَّا الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ ، فَهُوَ إِمَّا الْمُبَاشَرَةُ لِأَخْذِ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ أَوْ إِتْلَافُهُ ، وَإِمَّا الْمُبَاشَرَةُ لِلسَّبَبِ الْمُتْلِفِ ، وَإِمَّا إِثْبَاتُ الْيَدِ عَلَيْهِ .
[ ص: 653 ] وَاخْتَلَفُوا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=16763_16760السَّبَبِ الَّذِي يَحْصُلُ بِمُبَاشَرَتِهِ الضَّمَانُ إِذَا تَنَاوَلَ التَّلَفَ بِوَاسِطَةِ سَبَبٍ آخَرَ ، هَلْ يَحْصُلُ بِهِ ضَمَانٌ أَمْ لَا ؟ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَفْتَحَ قَفَصًا فِيهِ طَائِرٌ فَيَطِيرُ بَعْدَ الْفَتْحِ ، فَقَالَ
مَالِكٌ : يُضَمَّنُهُ ، هَاجَهُ عَلَى الطَّيَرَانِ أَوْ لَمْ يَهِجْهُ . وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يُضَمَّنُ عَلَى حَالٍ . وَفَرَّقَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ بَيْنَ أَنْ يَهِيجَهُ عَلَى الطَّيَرَانِ أَوْ لَا يَهِيجُهُ ، فَقَالَ : يُضَمَّنُ إِنْ هَاجَهُ ، وَلَا يُضَمَّنُ إِنْ لَمْ يَهِجْهُ .
وَمِنْ هَذَا مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=16763_27427_16755حَفَرَ بِئْرًا فَسَقَطَ فِيهِ شَيْءٌ فَهَلَكَ ،
فَمَالِكٌ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ يَقُولَانِ : إِنْ حَفَرَهُ بِحَيْثُ أَنْ يَكُونَ حَفْرُهُ تَعَدِّيًا ضُمِّنَ مَا تَلِفَ فِيهِ وَإِلَّا لَمْ يُضَمَّنْ ، وَيَجِيءُ عَلَى أَصْلِ
أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُضَمَّنُ فِي مَسْأَلَةِ الطَّائِرِ .
وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْمُبَاشَرَةِ الْعَمْدُ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ ؟ فَالْأَشْهُرُ أَنَّ الْأَمْوَالَ تُضَمَّنُ عَمْدًا وَخَطَأً ، وَإِنْ كَانُوا قَدِ اخْتَلَفُوا فِي مَسَائِلَ جُزْئِيَّةٍ مِنْ هَذَا الْبَابِ .
وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا ؟ فَالْمَعْلُومُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا ، وَلِذَلِكَ رَأَى عَلَى الْمُكْرَهِ الضَّمَانَ ( أَعْنِي : الْمُكْرَهُ عَلَى الْإِتْلَافِ ) .
الرُّكْنُ الثَّانِي
[
nindex.php?page=treesubj&link=16769_16766مَا يَجِبُ فِيهِ الضَّمَانُ ]
وَأَمَّا مَا يَجِبُ فِيهِ الضَّمَانُ فَهُوَ كُلُّ مَالٍ أُتْلِفَتْ عَيْنُهُ أَوْ تَلِفَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ عَيْنُهُ بِأَمْرٍ مِنَ السَّمَاءِ ، أَوْ سُلِّطَتِ الْيَدُ عَلَيْهِ وَتُمُلِّكَ ، وَذَلِكَ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ بِاتِّفَاقٍ . وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَا يُنْقَلُ وَلَا يُحَوَّلُ مِثْلِ الْعَقَارِ ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ : إِنَّهَا تُضَمَّنُ بِالْغَصْبِ - أَعْنِي أَنَّهَا إِنِ انْهَدَمَتِ الدَّارُ ضُمِّنَ قِيمَتَهَا - ، وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يُضَمَّنُ .
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ هَلْ كَوْنُ يَدِ الْغَاصِبِ عَلَى الْعَقَارِ مِثْلَ كَوْنِ يَدِهِ عَلَى مَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ ؟ فَمَنْ جَعَلَ حُكْمَ ذَلِكَ وَاحِدًا ، قَالَ بِالضَّمَانِ ، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ حُكْمَ ذَلِكَ وَاحِدًا ، قَالَ : لَا ضَمَانَ .
الرُّكْنُ الثَّالِثُ
[ وَهُوَ الْوَاجِبُ فِي الْغَصْبِ ]
nindex.php?page=treesubj&link=10726_10721وَالْوَاجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ إِنْ كَانَ الْمَالُ قَائِمًا عِنْدَهُ بِعَيْنِهِ لَمْ تَدْخُلْهُ زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ أَنْ يَرُدَّهُ بِعَيْنِهِ ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ ، فَإِذَا ذَهَبَتْ عَيْنُهُ فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَنَّ عَلَى الْغَاصِبِ الْمِثْلَ ( أَعْنِي : مِثْلَ مَا اسْتَهْلَكَ صِفَةً وَوَزْنًا ) ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْعُرُوضِ فَقَالَ
مَالِكٌ : لَا يُقْضَى فِي الْعُرُوضِ مِنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ إِلَّا بِالْقِيمَةِ يَوْمَ اسْتُهْلِكَ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ ،
وَأَبُو حَنِيفَةَ ،
وَدَاوُدُ : الْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ مِثْلٌ وَلَا تَلْزَمُ الْقِيمَةُ إِلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْمِثْلِ .
وَعُمْدَةُ
مَالِكٍ حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَشْهُورُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006733مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ الْبَاقِي قِيمَةَ الْعَدْلِ " الْحَدِيثَ . وَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يُلْزِمْهُ الْمِثْلَ وَأَلْزَمَهُ الْقِيمَةَ .
وَعُمْدَةُ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) ; وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ الشَّيْءِ قَدْ تَكُونُ هِيَ الْمَقْصُودَةَ عِنْدَ الْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ .
وَمِنَ الْحُجَّةِ لَهُمْ مَا خَرَّجَهُ
أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ
أَنَسٍ وَغَيْرِهِ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006734أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ ، [ ص: 654 ] فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ جَارِيَةً بِقَصْعَةٍ لَهَا فِيهَا طَعَامٌ ، قَالَ : فَضَرَبَتْ بِيَدِهَا فَكَسَرَتِ الْقَصْعَةَ ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكَسْرَتَيْنِ فَضَمَّ إِحْدَاهُمَا إِلَى الْأُخْرَى وَجَعَلَ فِيهَا جَمِيعَ الطَّعَامِ وَيَقُولُ : غَارَتْ أُمُّكُمْ كُلُوا كُلُوا ، حَتَّى جَاءَتْ قَصْعَتُهَا الَّتِي فِي بَيْتِهَا ، وَحَبَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَصْعَةَ حَتَّى فَرَغُوا ، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الرَّسُولِ ، وَحَبَسَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِهِ " وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006735أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ هِيَ الَّتِي غَارَتْ وَكَسَرَتِ الْإِنَاءَ ، وَأَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : مَا كَفَّارَةُ مَا صَنَعْتُ ؟ قَالَ : إِنَاءٌ مِثْلُ إِنَاءٍ ، وَطَعَامٌ مِثْلُ طَعَامٍ " .