بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما .
كتاب الاستحقاق
وجل النظر في هذا الكتاب هو في أحكام الاستحقاق ، وتحصيل أصول هذا الكتاب : أن الشيء المستحق من يد إنسان بما تثبت به الأشياء في الشرع لمستحقها إذا صار إلى ذلك الإنسان الذي استحق من يده الشيء المستحق بشراء ، أنه لا يخلو من أن يستحق من ذلك الشيء أقله أو كله أو جله ، ثم إذا استحق منه كله أو جله فلا يخلو أن يكون قد تغير عند الذي هو بيده بزيادة أو نقصان أو يكون لم يتغير ، ثم لا يخلو أيضا أن يكون المستحق منه قد اشتراه بثمن أو مثمون .
فأما إن كان استحق منه أقله ، فإنه إنما يرجع عند مالك على الذي اشتراه منه بقيمة ما استحق من يده ، وليس له أن يرجع بالجميع .
وأما إن كان استحق كله أو جله ، فإن كان لم يتغير أخذه المستحق ورجع المستحق من يده على الذي اشتراه منه بثمن ما اشتراه منه إن كان اشتراه بثمن ، وإن كان اشتراه بالمثمون رجع بالمثمون بعينه إن كان لم يتغير ، فإن تغير تغيرا يوجب اختلاف قيمته رجع بقيمته يوم الشراء ، وإن كان المال المستحق قد بيع ; فإن للمستحق أن يمضي البيع ويأخذ الثمن أو يأخذه بعينه ، فهذا هو حكم المستحق والمستحق من يده ما لم يتغير الشيء المستحق .
فإن تغير الشيء المستحق فلا يخلو أن يتغير بزيادة أو نقصان .
فأما إن كان تغير بزيادة ، فلا يخلو أن يتغير بزيادة من قبل الذي استحق من يده الشيء ، أو بزيادة من ذات الشيء .
فأما الزيادة من ذات الشيء فيأخذها المستحق ، مثل أن تسمن الجارية أو يكبر الغلام .
وأما الزيادة من قبل المستحق منه ، فمثل أن يشتري الدار فبنى فيها فتستحق من يده ، فإنه مخير بين أن يدفع قيمة الزيادة ويأخذ ما استحقه وبين أن يدفع إليه المستحق من يده قيمة ما استحق أو يكونا شريكين ، هذا بقدر قيمة ما استحق من يده ، وهذا بقدر قيمة ما بنى أو غرس ، وهو قضاء عمر بن الخطاب .
وأما إن كانت الزيادة ولادة من قبل المستحق منه ، مثل أن يشتري أمة فيولدها ثم تستحق منه أو يزوجها على أنها حرة فتخرج أمة ، فإنهم اتفقوا على أن المستحق ليس له أن يأخذ أعيان الولد ، واختلفوا [ ص: 661 ] في أخذ قيمتهم . وأما الأم فقيل يأخذها بعينها ، وقيل يأخذ قيمتها . وأما إن كان الولد بنكاح فاستحقت بعبودية فلا خلاف أن لسيدها أن يأخذها ويرجع الزوج بالصداق على من غره ، وإذا ألزمناه قيمة الولد لم يرجع بذلك على من غره ; لأن الغرر لم يتعلق بالولد .
وأما ، فإنه إذا كان ضامنا بشبهة ملك فلا خلاف أن الغلة للمستحق منه ( وأعني بالضمان : أنها تكون من خسارته إذا هلكت عنده ) ، وأما إذا كان غير ضامن ، مثل أن يكون وارثا فيطرأ عليه وارث آخر فيستحق بعض ما في يده ; فإنه يرد الغلة . وأما إن كان غير ضامن إلا أنه ادعى في ذلك ثمنا مثل العبد يستحق بحرية ، فإنه وإن هلك عنده يرجع بالثمن ففيه قولان : أنه لا يضمن إذا لم يجد على من يرجع ، ويضمن إذا وجد على من يرجع . غلة الشيء المستحق
وأما ؟ فقيل يوم الحكم ، وقيل من يوم ثبوت الحق ، وقيل من يوم توقيفه . من أي وقت تصح الغلة للمستحق
وإذا قلنا إن الغلة تجب للمستحق في أحد هذه الأوقات الثلاثة فإذا كانت أصولا فيها ثمرة فأدرك هذا الوقت الثمر ولم يقطف بعده ، فقيل إنها للمستحق ما لم تقطف ، وقيل ما لم تيبس ، وقيل ما لم يطب ، ويرجع عليه بما سقى وعالج المستحق من يديه ، وهذا إن كان اشترى الأصول قبل الإبار . وأما إن كان اشتراها بعد الإبار فالثمرة للمستحق عند ابن القاسم إن جذت ويرجع بالسقي والعلاج ، وقال أشهب : هي للمستحق ما لم تجذ . والأرض إذا استحقت ، فالكراء إنما هو للمستحق إن وقع الاستحقاق في إبان زريعة الأرض . وأما إذا خرج الإبان فقد وجب كراء الأرض للمستحق منه .
وأما إن كان تغير بنقصان ، فإن كان من غير سبب المستحق من يديه فلا شيء على المستحق من يديه . وأما إن كان أخذ له ثمنا مثل أن يهدم الدار فيبيع نقضها ثم يستحقها من يده رجل آخر ، فإنه يرجع عليه بثمن ما باع من النقض .
قال القاضي : ولم أجد في هذا الباب خلافا يعتمد عليه فيما نقلته فيه من مذهب مالك وأصحابه ، وهي أصولهم في هذا الباب ، ولكن يجيء على أصول الغير أنه إذا كان المستحق مشترى بعرض ، وكان العرض قد ذهب أن يرجع المستحق من يده بعرض مثله لا بقيمته ، وهم الذين يرون في جميع المتلفات المثل ، وكذلك يجيء على أصول الغير أن يرجع على المشتري إذا استحق منه قليل أو كثير ; لأنه لم يدخل على الباقي ولا انعقد عليه بيع ولا وقع به تراض . كمل كتاب الاستحقاق بحمد الله .