[ 2 - القول في المكاتب ]  
وأما المكاتب ففيه مسائل :  
إحداها : هل تجوز كتابة المراهق ؟ وهل يجمع في الكتابة الواحدة أكثر من عبد واحد ؟ وهل تجوز كتابة من يملك في العبد بعضه بغير إذن شريكه ؟ وهل تجوز كتابة من لا يقدر على السعي ؟ وهل تجوز كتابة من فيه بقية رق ؟  
فأما  كتابة المراهق القوي على السعي الذي لم يبلغ الحلم   ، فأجازها  أبو حنيفة  ، ومنعها   الشافعي  إلا للبالغ ، وعن  مالك  القولان جميعا .  
فعمدة من اشترط البلوغ تشبيهها بسائر العقود . وعمدة من لم يشترطه أنه لا يجوز بين السيد وعبده ما لا يجوز بين الأجانب ، وأن المقصود من ذلك هو القوة على السعي ، وذلك موجود في غير البالغ .  
وأما هل يجمع في الكتابة الواحدة أكثر من عبد واحد ؟ فإن العلماء اختلفوا في ذلك ، ثم إذا قلنا بالجمع فهل يكون بعضهم حملاء عن بعض بنفس الكتابة حتى لا يعتق واحد منهم إلا بعتق جميعهم ؟ فيه أيضا خلاف .  
فأما هل يجوز الجمع ؟ فإن الجمهور على جواز ذلك ، ومنعه قوم ، وهو أحد قولي   الشافعي     .  
وأما هل يكون بعضهم حملاء عن بعض ؟ فإن فيه لمن أجاز الجمع ثلاثة أقوال :  
فقالت طائفة : ذلك واجب بمطلق عقد الكتابة ، أعني حمالة بعضهم عن بعض ، وبه قال :  مالك  وسفيان     .  
 [ ص: 702 ] وقال آخرون : لا يلزمه ذلك بمطلق العقد ويلزم بالشرط ، وبه قال :  أبو حنيفة  وأصحابه ، وقال   الشافعي     : لا يجوز ذلك لا بالشرط ولا بمطلق العقد ، ويعتق كل واحد منهم إذا أدى قدر حصته . فعمدة من منع الشركة ما في ذلك من الغرر ; لأن قدر ما يلزم واحدا واحدا من ذلك مجهول .  
وعمدة من أجازه أن الغرر اليسير يستخف في الكتابة ; لأنه بين السيد وعبده ، والعبد وماله لسيده .  
وأما  مالك  فحجته أنه لما كانت الكتابة واحدة وجب أن يكون حكمهم كحكم الشخص الواحد .  
وعمدة الشافعية أن حمالة بعضهم عن بعض لا فرق بينها وبين حمالة الأجنبيين ، فمن رأى أن حمالة الأجنبيين في الكتابة لا تجوز قال : لا تجوز في هذا الموضع . وإنما منعوا حمالة الكتابة ; لأنه إذا عجز المكاتب لم يكن للحميل شيء يرجع عليه ، وهذا كأنه ليس يظهر في حمالة العبيد بعضهم عن بعض ، وإنما الذي يظهر في ذلك أن هذا الشرط هو سبب لأن يعجز من يقدر على السعي بعجز من لا يقدر عليه ، فهو غرر خاص بالكتابة ، إلا أن يقال : أيضا إن الجمع يكون سببا لأن يخرج حرا من لا يقدر من نفسه أن يسعى حتى يخرج حرا فهو كما يعود برق من يقدر على السعي ، كذلك يعود بحرية من لا يقدر على السعي .  
وأما  أبو حنيفة  فشبهها بحمالة الأجنبي مع الأجنبي في الحقوق التي تجوز فيها الحمالة فألزمها بالشرط ولم يلزمها بغير شرط ، وهو مع هذا أيضا لا يجيز حمالة الكتابة .  
وأما  العبد بين الشريكين فإن العلماء اختلفوا هل لأحدهما أن يكاتب نصيبه دون إذن صاحبه   ؟ فقال بعضهم : ليس له ذلك والكتابة مفسوخة ، وما قبض منها هي بينهم على قدر حصصهم ، وقالت طائفة : لا يجوز أن يكاتب الرجل نصيبه من عبده دون نصيب شريكه ، وفرقت فرقة ، فقالت : يجوز بإذن شريكه ولا يجوز بغير إذن شريكه ، وبالقول الأول قال  مالك  ، وبالثاني قال   ابن أبي ليلى  وأحمد  ، وبالثالث قال  أبو حنيفة   والشافعي  في أحد قوليه ، وله قول آخر مثل قول  مالك     .  
وعمدة  مالك  أنه لو جاز ذلك لأدى إلى أن يعتق العبد كله بالتقويم على الذي كاتب حظه منه ، وذلك لا يجوز إلا في تبعيض العتق .  
ومن رأى أن له أن يكاتبه رأى أن عليه أن يتم عتقه إذا أدى الكتابة إذا كان موسرا .  
فاحتجاج  مالك  هنا هو احتجاج بأصل لا يوافقه عليه الخصم ، لكن ليس يمنع من صحة الأصل أن لا يوافقه عليه الخصم . وأما اشتراط الإذن فضعيف ،  وأبو حنيفة  يرى في كيفية أداء المال للمكاتب إذا كانت الكتابة عن إذن شريكه أن كل ما أدى للشريك الذي كاتبه يأخذ منه الشريك الثاني نصيبه ، ويرجع بالباقي على العبد فيسعى له فيه حتى يتم له ما كان كاتبه عليه ، وهذا فيه بعد عن الأصول .  
وأما هل تجوز مكاتبة من لا يقدر على السعي فلا خلاف فيما أعلم بينهم أن شرط المكاتب أن يكون قويا على السعي لقوله تعالى : (  إن علمتم فيهم خيرا      ) ، وقد اختلف العلماء ما الخير الذي اشترطه الله في المكاتبين في قوله (  إن علمتم فيهم خيرا      ) ، فقال   الشافعي     : الاكتساب والأمانة ، وقال بعضهم : المال والأمانة ، وقال آخرون : الصلاح والدين . وأنكر بعض العلماء أن يكاتب من لا حرفة له مخافة السؤال ، وأجاز ذلك بعضهم لحديث   بريرة     : "  أنها كوتبت أن تسأل الناس     " وكره أن تكاتب الأمة التي لا اكتساب لها      [ ص: 703 ] بصناعة مخافة أن يكون ذلك ذريعة إلى الزنا .  
[ كتابة من به بقية رق ] وأجاز  مالك  كتابة المدبرة وكل من فيه بقية رق إلا أم الولد إذ ليس له عند  مالك  أن يستخدمها .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					