[ ص: 82 ] المسألة الثانية
وقت العصر .
اختلفوا من صلاة العصر في موضعين : أحدهما : في اشتراك أول وقتها مع آخر وقت صلاة الظهر . والثاني : في آخر وقتها ، فأما اختلافهم في الاشتراك فإنه اتفق مالك والشافعي وداود ، وجماعة على أن أول وقت العصر هو بعينه آخر وقت الظهر ، وذلك إذا صار ظل كل شيء مثله ، إلا أن مالكا يرى أن آخر وقت الظهر وأول وقت العصر هو وقت مشترك للصلاتين معا : ( أعني : بقدر ما يصلي فيه أربع ركعات ) وأما الشافعي ، وأبو ثور ، وداود فآخر وقت الظهر عندهم هو الآن الذي هو أول وقت العصر هو زمان غير منقسم .
وقال أبو حنيفة كما قلنا أول وقت العصر إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه ، وقد تقدم سبب اختلاف أبي حنيفة معهم في ذلك .
وأما سبب اختلاف مالك مع الشافعي ، ومن قال بقوله في هذه ، فمعارضة حديث جبريل في هذا المعنى لحديث عبد الله بن عمر ، وذلك أنه جاء في إمامة جبريل أنه صلى بالنبي - عليه الصلاة والسلام - الظهر في اليوم الثاني في الوقت الذي صلى فيه العصر في اليوم الأول .
وفي حديث ابن عمر أنه قال - عليه الصلاة والسلام - : " وقت الظهر ما لم يحضر وقت العصر " خرجه مسلم .
فمن رجح حديث جبريل جعل الوقت مشتركا ، ومن رجح حديث عبد الله لم يجعل بينهما اشتراكا ، وحديث جبريل أمكن أن يصرف إلى حديث عبد الله ، من حديث عبد الله إلى حديث جبريل ; لأنه يحتمل أن يكون الراوي تجوز في ذلك لقرب ما بين الوقتين ، وحديث إمامة جبريل صححه الترمذي ، وحديث ابن عمر خرجه مسلم .
وأما اختلافهم في آخر وقت العصر : فعن مالك في ذلك روايتان : إحداهما : أن آخر وقتها أن يصير ظل كل شيء مثليه ، وبه قال الشافعي ، والثانية أن آخر وقتها ما لم تصفر الشمس ، وهذا قول أحمد بن حنبل ، وقال أهل الظاهر : آخر وقتها قبل غروب الشمس بركعة .
والسبب في اختلافهم أن في ذلك ثلاثة أحاديث متعارضة الظاهر أحدها : حديث عبد الله بن عمر خرجه مسلم وفيه : " فإذا صليتم العصر فإنه وقت إلى أن تصفر الشمس " وفي بعض رواياته : " وقت العصر ما لم تصفر الشمس " . والثاني : حديث ابن عباس في إمامة جبريل ، وفيه " أنه صلى به العصر في اليوم الثاني حين كان ظل كل شيء مثليه " .
والثالث : حديث أبي هريرة المشهور " من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس ، فقد أدرك العصر ، ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح " فمن صار إلى ترجيح حديث إمامة جبريل جعل آخر وقتها المختار المثلين .
[ ص: 83 ] ومن صار إلى ترجيح حديث ابن عمر جعل آخر وقتها اصفرار الشمس .
ومن صار إلى ترجيح حديث أبي هريرة قال : وقت العصر إلى أن يبقى منها ركعة قبل غروب الشمس ، وهم أهل الظاهر كما قلنا .
وأما الجمهور فسلكوا في حديث أبي هريرة وحديث ابن عمر مع حديث ابن عباس إذ كان معارضا لهما كل التعارض ، مسلك الجمع لأن حديثي ابن عباس وابن عمر تتقارب الحدود المذكورة فيهما ، ولذلك قال مالك مرة بهذا ومرة بذلك .
وأما الذي في حديث أبي هريرة ، فبعيد منهما ومتفاوت فقالوا : حديث أبي هريرة إنما خرج مخرج أهل الأعذار .


