المسألة الرابعة  
[  وقت العشاء      ]  
اختلفوا من وقت العشاء الآخرة في موضعين : أحدهما : في أوله ، والثاني : في آخره .  
أما أوله ، فذهب  مالك  ،   والشافعي  ، وجماعة إلى أنه مغيب الحمرة ، وذهب  أبو حنيفة  إلى أنه مغيب البياض الذي يكون بعد الحمرة .  
وسبب اختلافهم في هذه المسألة اشتراك اسم الشفق في لسان العرب فإنه كما أن الفجر في لسانهم فجران كذلك الشفق شفقان : أحمر ، وأبيض ، ومغيب الشفق الأبيض يلزم أن يكون بعده من أول الليل إما بعد الفجر المستدق من آخر الليل : ( أعني الفجر الكاذب ) وإما بعد الفجر الأبيض المستطير ، وتكون الحمرة نظير الحمرة ، فالطوالع إذا أربعة : الفجر الكاذب ، والفجر الصادق ، والأحمر والشمس ، وكذلك      [ ص: 84 ] يجب أن تكون الغوارب ، ولذلك ما ذكر عن  الخليل  من أنه رصد الشفق الأبيض ، فوجده يبقى إلى ثلث الليل - كذب بالقياس والتجربة ، وذلك أنه لا خلاف بينهم أنه قد ثبت في حديث  بريدة  ، وحديث إمامة  جبريل   أنه صلى العشاء في اليوم الأول حين غاب الشفق ، وقد رجح الجمهور مذهبهم بما ثبت " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  كان يصلي العشاء عند مغيب القمر في الليلة الثالثة     " ورجح  أبو حنيفة  مذهبه بما ورد في  تأخير العشاء   واستحباب تأخيره وقوله : "  لولا أن أشق على أمتي لأخرت هذه الصلاة إلى نصف الليل     " وأما آخر وقتها فاختلفوا فيه على ثلاثة أقوال : قول : إنه ثلث الليل . وقول : إنه نصف الليل . وقول : إنه إلى طلوع الفجر ، وبالأول ( أعني ثلث الليل ) قال   الشافعي  وأبو حنيفة  ، وهو المشهور من مذهب  مالك  ، وروي عن  مالك  القول الثاني : ( أعني نصف الليل ) وأما الثالث فقول  داود     .  
وسبب الخلاف في ذلك تعارض الآثار ، ففي حديث إمامة  جبريل   أنه صلاها بالنبي - عليه الصلاة والسلام - في اليوم الثاني ثلث الليل .  
وفي حديث  أنس  أنه قال : "  أخر النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة العشاء إلى نصف الليل "  خرجه   البخاري     .  
وروي أيضا من حديث   أبي سعيد الخدري  ،   وأبي هريرة  عن النبي - عليه الصلاة والسلام - أنه قال : "  لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى نصف الليل     " وفي حديث  أبي قتادة  ليس التفريط في النوم إنما التفريط أن تؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى ، فمن ذهب مذهب الترجيح لحديث إمامة  جبريل   قال : ثلث الليل ، ومن ذهب مذهب الترجيح لحديث  أنس  قال : شطر الليل .  
وأما أهل الظاهر فاعتمدوا حديث  أبي قتادة  ، وقالوا : هو عام وهو متأخر عن حديث إمامة  جبريل   ، فهو ناسخ ولو لم يكن ناسخا لكان تعارض الآثار يسقط حكمها ، فيجب أن يصار إلى استصحاب حال الإجماع ، وقد اتفقوا على أن الوقت يخرج لما بعد طلوع الفجر ، واختلفوا فيما قبل ، فإنا روينا عن   ابن عباس  أن الوقت عنده إلى طلوع الفجر ، فوجب أن يستصحب حكم الوقت ، إلا حيث وقع الاتفاق على خروجه ، وأحسب أنه به قال  أبو حنيفة     .  
				
						
						
