[ ص: 221 ] فصل  
إذا تقرر تصوير الكلية والجزئية في الأحكام الخمسة فقد يطلب الدليل على صحتها ، والأمر فيها واضح مع تأمل ما تقدم في أثناء التقرير ، بل هي في اعتبار الشريعة بالغة مبلغ القطع لمن استقرأ الشريعة في مواردها ومصادرها ، ولكن إن طلب مزيدا في طمأنينة القلب ، وانشراح الصدر ، فيدل على ذلك جمل ، منها : ما تقدمت الإشارة إليه في التجريح بما داوم عليه الإنسان مما لا يجرح به لو لم يداوم عليه ، وهو أصل متفق عليه بين العلماء في الجملة ، ولولا أن للمداومة تأثيرا ، لم يصح لهم التفرقة بين المداوم عليه ، وما لم يداوم عليه من الأفعال ، لكنهم اعتبروا ذلك فدل على التفرقة ، وأن المداوم عليه أشد ، وأحرى منه إذا لم يداوم عليه ، وهو معنى ما تقدم تقريره في الكلية والجزئية ، وهذا المسلك لمن اعتبره كاف .  
- ومنها : أن  الشارع وضع الشريعة على اعتبار المصالح   باتفاق ، وتقرر في هذه المسائل أن المصالح المعتبرة هي الكليات دون الجزئيات ; إذ مجاري العادات كذلك جرت الأحكام فيها ، ولولا أن الجزئيات أضعف شأنا في الاعتبار لما صح ذلك ، بل لولا ذلك لم تجر الكليات على حكم الاطراد كالحكم بالشهادة ، وقبول خبر الواحد مع وقوع الغلط والنسيان في الآحاد ، لكن الغالب الصدق ، فأجريت الأحكام الكلية على ما هو الغالب حفظا على الكليات ، ولو اعتبرت الجزئيات لم يكن بينهما فرق ، ولامتنع الحكم إلا بما هو معلوم ، ولاطرح الظن بإطلاق ، وليس كذلك ; ، بل حكم بمقتضى ظن الصدق ؛ وإن برز      [ ص: 222 ] بعد في بعض الوقائع الغلط في ذلك الظن ، وما ذاك إلا اطراح لحكم الجزئية في حكم الكلية ، وهو دليل على صحة اختلاف الفعل الواحد بحسب الكلية والجزئية ، وأن شأن الجزئية أخف .  
- ومنها : ما جاء في الحذر من زلة العالم ، [ فإن زلة العالم ] في علمه أو عمله ، - إذا لم تتعد لغيره - في حكم زلة غير العالم ، فلم يزد فيها على غيره ; فإن تعدت إلى غيره اختلف حكمها ، وما ذلك إلا لكونها جزئية إذا اختصت به ، ولم تتعد إلى غيره ; فإن تعدت صارت كلية بسبب الاقتداء والاتباع على ذلك الفعل أو على مقتضى القول ; فصارت عند الاتباع عظيمة جدا ، ولم تكن كذلك على فرض اختصاصها به ، ويجري مجراه كل من علم عملا فاقتدى به فيه ; إن صالحا فصالح ، وإن طالحا فطالح ، وفيه جاء :  من سن سنة حسنة أو سيئة  ، و  إن نفسا لا تقتل ظلما ; إلا كان على ابن  آدم   الأول كفل منها ; لأنه      [ ص: 223 ] أول من سن القتل  ، وقد عدت سيئة العالم كبيرة لهذا السبب ، وإن كانت في نفسها صغيرة ، والأدلة على هذا الأصل تبلغ القطع على كثرتها ، وهي توضح ما دللنا عليه من كون الأفعال تعتبر بحسب الجزئية والكلية ، وهو المطلوب .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					