المسألة السادسة  
الأحكام الخمسة إنما تتعلق بالأفعال ، والتروك بالمقاصد   ، فإذا عريت عن المقاصد ; لم تتعلق بها ، والدليل على ذلك أمور :  
أحدها : ما ثبت من أن الأعمال بالنيات ، وهو أصل متفق عليه في      [ ص: 235 ] الجملة ، والأدلة عليه لا تقصر عن مبلغ القطع ، ومعناه أن مجرد الأعمال من حيث هي محسوسة فقط غير معتبرة شرعا على حال ; إلا ما قام الدليل على اعتباره في باب خطاب الوضع خاصة ، أما في غير ذلك ; فالقاعدة مستمرة ، وإذا لم تكن معتبرة حتى تقترن بها المقاصد ; كان مجردها في الشرع بمثابة حركات العجماوات ، والجمادات ، والأحكام الخمسة لا تتعلق بها عقلا ، ولا سمعا ، فكذلك ما كان مثلها .  
والثاني : ما ثبت من عدم اعتبار الأفعال الصادرة من المجنون ، والنائم ، والصبي ، والمغمى عليه ، وأنها لا حكم لها في الشرع بأن يقال فيها : جائز أو ممنوع أو واجب أو غير ذلك ; كما لا اعتبار بها من البهائم .  
وفي القرآن  وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم      [ الأحزاب : 5 ] .  
وقال :  ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا      [ البقرة : 286 ] .  
قال : قد فعلت .  
 [ ص: 236 ] وفي معناه روي الحديث :  رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه  ، وإن لم يصح سندا ; فمعناه متفق على صحته .  
 [ ص: 237 ] وفي الحديث أيضا :  رفع القلم عن ثلاث  فذكر  الصبي حتى يحتلم ، والمغمى عليه حتى يفيق     ; فجميع هؤلاء لا قصد لهم ، وهي العلة في رفع أحكام التكليف عنهم .  
والثالث : الإجماع على أن تكليف ما لا يطاق غير واقع في الشريعة ، وتكليف من لا قصد له تكليف ما لا يطاق .  
فإن قيل : هذا في الطلب ، وأما المباح فلا تكليف فيه ، قيل : متى صح تعلق التخيير ، صح تعلق الطلب ، وذلك يستلزم قصد المخير ، وقد فرضناه غير قاصد ، هذا خلف .  
ولا يعترض هذا بتعلق الغرامات والزكاة بالأطفال ، والمجانين ، وغير ذلك ; لأن هذا من قبيل خطاب الوضع ، وكلامنا في خطاب التكليف ، ولا      [ ص: 238 ] بالسكران ; لقوله تعالى :  لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى      [ النساء : 43 ] ; فإنه قد أجيب عنه في أصول الفقه ، ولأنه في عقوده وبيوعه محجور عليه لحق نفسه كما حجر على الصبي والمجنون ، وفي سواهما ، لما أدخل السكر على نفسه ; كان كالقاصد لرفع الأحكام التكليفية ; فعومل بنقيض المقصود ، أو لأن الشرب سبب لمفاسد كثيرة ، فصار استعماله له تسببا في تلك المفاسد ، فيؤاخذه الشرع بها ، وإن لم يقصدها كما وقعت مؤاخذة أحد ابني  آدم   بكل نفس تقتل ظلما ، وكما يؤاخذ الزاني بمقتضى المفسدة في اختلاط الأنساب ، وإن لم يقع منه غير الإيلاج المحرم ، ونظائر ذلك كثيرة ، فالأصل صحيح ، والاعتراض عليه غير وارد .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					