خلافة سليمان بن عبد الملك
بويع له بالخلافة بعد موت أخيه الوليد يوم مات ، وكان يوم السبت للنصف من جمادى الآخرة سنة ست وتسعين ، وكان سليمان بالرملة ، وكان ولي العهد من بعد أخيه عن وصية أبيهما عبد الملك .
وقد كان الوليد قد عزم قبل موته على خلع أخيه سليمان ، وأن يجعل ولاية العهد من بعده لولده عبد العزيز بن الوليد ، وقد كان الحجاج طاوعه على ذلك ، وكذلك ، وجماعة من قتيبة بن مسلم أهل الشام وقد أنشد في ذلك جرير وغيره من الشعراء قصائد فلم ينتظم ذلك له حتى مات ، وانعقدت البيعة إلى سليمان ، فخافه وعزم على أن لا يبايعه ، فعزله قتيبة بن مسلم سليمان ، وولى على إمرة العراق ثم خراسان يزيد بن المهلب; فأعاده إلى إمرتها بعد عشر سنين ، وأمره بمعاقبة آل الحجاج بن يوسف ، وكان الحجاج هو الذي عزل يزيد عن خراسان .
[ ص: 614 ] ولسبع بقين من رمضان من هذه السنة عزل سليمان عن إمرة المدينة عثمان بن حيان ، وولى عليها أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، وكان أحد العلماء .
وقد كان حين بلغه ولاية قتيبة بن مسلم سليمان الخلافة كتب إليه كتابا يعزيه في أخيه ، ويهنئه بولايته ، ويذكر فيه بلاءه وعناءه وقتاله وهيبته في صدور الأعداء ، وما فتح الله من البلاد والمدن والأقاليم الكبار على يديه ، وأنه له على مثل ما كان للوليد من قبله من الطاعة والنصيحة ، إن لم يعزله عن خراسان ونال في هذا الكتاب من يزيد بن المهلب ، ثم كتب كتابا ثانيا يذكر فيه ما فعل من القتال والفتوحات وهيبته في صدور الملوك والأعاجم ، ويذم يزيد بن المهلب أيضا ، ويقسم فيه لئن عزله وولى يزيد ليخلعن سليمان عن الخلافة ، وكتب كتابا ثالثا فيه خلع سليمان بالكلية ، وبعث بها مع البريد ، وقال له : ادفع إليه الكتاب الأول فإن قرأه ودفعه إلى يزيد بن المهلب فادفع إليه الثاني ، فإن قرأه ودفعه إلى يزيد ، فادفع إليه الثالث ، فلما قرأ سليمان الكتاب الأول واتفق حضور يزيد عند سليمان دفعه إلى يزيد ، فقرأه ، فناوله البريد الكتاب الثاني ، فقرأه ودفعه إلى يزيد ، فناوله البريد الكتاب الثالث فقرأه فإذا فيه التصريح بعزله وخلعه ، فتغير وجهه ثم ختمه وأمسكه بيده ولم يدفعه إلى يزيد ، وأمر بإنزال البريد في دار الضيافة ، فلما كان من الليل بعث إلى البريد فأحضره ، ودفع إليه ذهبا وكتابا فيه ولاية قتيبة على خراسان ، وأرسل مع ذلك البريد بريدا آخر من جهته ليقرره عليها ، فلما وصلا بلاد خراسان بلغهما أن قتيبة قد خلع الخليفة ، [ ص: 615 ] فدفع بريد سليمان الكتاب الذي معه إلى بريد قتيبة ، ثم بلغهما مقتل قتيبة قبل أن يرجع بريد سليمان .