قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين فأصبح في المدينة خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوي مبين
ثم إن ندمة موسى عليه السلام حملته على الخضوع لربه تعالى، والاستغفار عن [ ص: 579 ] ذنبه، فغفر له خطأه ذلك، قال : عرف - والله- المخرج فاستغفر. قتادة
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
ولم يزل عليه السلام يعيد ذلك على نفسه مع علمه بأنه قد غفر له، حتى أنه في القيامة يقول: " حسب ما صح في حديث الشفاعة. وقتلت نفسا لم أؤمر بقتله
ثم قال عليه السلام معاهدا لربه عز وجل: "رب بنعمتك علي وبسبب إحسانك وغفرانك فأنا ملتزم ألا أكون معينا للمجرمين"، هذا أحسن ما تؤول، وقال : "إنه قسم، أقسم بنعمة الله تبارك وتعالى"، ويضعفه صورة جواب القسم; فإنه غير متمكن في قوله: الطبري فلن أكون ; لأن القسم لا يتلقى بـ "لن"، والفاء تمنع أن تنزل "لن" منزلة "لا" أو "ما" فتأمله، واحتج بأن في قراءة الطبري : "فلا تجعلني ظهيرا". عبد الله
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
واحتج أهل الفضل والعلم بهذه الآية في [منع] خدمة أهل الجور ومعونتهم في شيء من أمرهم، ورأوا أنها تتناول ذلك، نص عليه . عطاء بن أبي رباح
وقوله تعالى: فأصبح في المدينة خائفا عبارة عن كونه دائم الخوف في كل أوقاته، كما تقول: أصبح زيد عالما. و "يترقب" معناه: عليه رقيب من فعله في القتل فهو يتحسس، قال رضي الله عنهما: فمر وهو بحالة الترقب وإذا ذلك الإسرائيلي الذي قاتل القبطي بالأمس يقاتل آخر من ابن عباس القبط ، وكان قتل القبطي قد خفي عن الناس واكتتم، فلما رأى الإسرائيلي استصرخه الإسرائيلي، بمعنى صاح به مستغيثا، ومنه قول الشاعر :
كنا إذا ما أتانا صارخ فزع كان الصراخ له قرع الظنابيب
[ ص: 580 ] فلما رأى موسى عليه السلام قتاله لذلك الآخر، أعظم ذلك، وقال له معاتبا ومؤنبا: إنك لغوي مبين ، وكانت إرادة موسى -مع ذلك- أن ينصر الإسرائيلي، فلما دنا منهما وجس الإسرائيلي وفزع منه، وظن أنه ربما ضربه، وفزع من قوته التي رأى بالأمس، وشهد أمر القتيل.