قال أصحاب الحولين : قال الله تعالى : ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ) [ البقرة : 233 ] ، قالوا : فجعل تمام الرضاعة حولين ، فدل على أنه لا حكم لما بعدهما ، فلا يتعلق به التحريم . قالوا : وهذه المدة هي مدة المجاعة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقصر الرضاعة المحرمة عليها . قالوا : وهذه مدة الثدي الذي قال فيها : لا رضاع إلا ما كان في الثدي ، أي في زمن الثدي ، وهذه لغة معروفة عند العرب ، فإن العرب يقولون : فلان مات في الثدي ، أي في زمن الرضاع قبل الفطام ، ومنه الحديث المشهور : إبراهيم مات في الثدي وإن له مرضعا في الجنة تتم رضاعه . يعني إن إبراهيم ابنه صلوات الله وسلامه عليه . قالوا : وأكد ذلك بقوله : وكان في الثدي قبل الفطام ، فهذه ثلاثة أوصاف للرضاع المحرم ، ومعلوم أن رضاع الشيخ الكبير عار من الثلاثة . لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء
[ ص: 516 ] قالوا : وأصرح من هذا حديث : ابن عباس . لا رضاع إلا ما كان في الحولين
قالوا : وأكده أيضا حديث : ابن مسعود ، ورضاع الكبير لا ينبت لحما ، ولا ينشز عظما . لا يحرم من الرضاعة إلا ما أنبت اللحم وأنشز العظم
قالوا : ولو كان محرما لما قال النبي صلى الله عليه وسلم رضاع الكبير - وقد تغير وجهه ، وكره دخول أخيها من الرضاعة عليها لما رآه كبيرا : - " انظرن من إخوانكن " فلو حرم رضاع الكبير لم يكن فرق بينه وبين الصغير ، ولما كره ذلك وقال : لعائشة ثم قال : انظرن من إخوانكن وتحت هذا من المعنى خشية أن يكون قد ارتضع في غير زمن الرضاع وهو زمن المجاعة ، فلا ينشر الحرمة ، فلا يكون أخا . فإنما الرضاعة من المجاعة
قالوا : وأما حديث سهلة في رضاع سالم ، فهذا كان في أول الهجرة ؛ لأن قصته كانت عقيب نزول قوله تعالى : ( ادعوهم لآبائهم ) [ الأحزاب : 5 ] ، وهي نزلت في أول الهجرة .
وأما أحاديث اشتراط الصغر ، وأن يكون في الثدي قبل الفطام ، فهي من رواية ، ابن عباس ، وأبي هريرة إنما قدم وابن عباس المدينة قبل الفتح ، إنما أسلم عام فتح وأبو هريرة خيبر بلا شك ، كلاهما قدم المدينة بعد قصة سالم في رضاعه من امرأة أبي حذيفة .