وأما النوع الخامس
( وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم )
فهو قوله تعالى حكاية عنه : ( من المعجزات إخباره عن الغيوب وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : في هذه الآية قولان : أحدهما : أنه عليه الصلاة والسلام كان من أول مرة يخبر عن الغيوب ، روى السدي : أنه كان يلعب مع الصبيان ، ثم يخبرهم بأفعال آبائهم وأمهاتهم ، وكان يخبر الصبي بأن أمك قد خبأت لك كذا فيرجع الصبي إلى أهله ويبكي إلى أن يأخذ ذلك الشيء ثم قالوا لصبيانهم : لا تلعبوا مع هذا الساحر ، وجمعوهم في بيت ، فجاء عيسى - عليه السلام - يطلبهم ، فقالوا له : ليسوا في البيت ، فقال : فمن في هذا البيت ، قالوا : خنازير قال عيسى - عليه السلام - كذلك يكونون فإذا هم خنازير .
والقول الثاني : إن الإخبار عن الغيوب إنما ظهر وقت نزول المائدة ، وذلك لأن القوم نهوا عن الادخار ، فكانوا يخزنون ويدخرون ، فكان عيسى - عليه السلام - يخبرهم بذلك .
المسألة الثانية : الإخبار عن الغيوب على هذا الوجه معجزة ، وذلك لأن المنجمين الذين يدعون استخراج الخبر لا يمكنهم ذلك إلا عن سؤال يتقدم ثم يستعينون عند ذلك بآلة ويتوصلون بها إلى معرفة أحوال الكواكب ، ثم يعترفون بأنهم يغلطون كثيرا ، فأما الإخبار عن الغيب من غير استعانة بآلة ، ولا تقدم مسألة لا يكون إلا بالوحي من الله تعالى .