1498 مسألة :
ومن الحلال المحض كل ذلك سواء وكل ذلك جائز . بيع مدين من تمر أحدهما جيد غاية ، والآخر رديء غاية : بمدين من تمر أجود منهما ، أو أدنى منهما ، أو دون الجيد منهما ، وفوق الرديء منهما ، أو مثل أحدهما ، أو بعضهما جيد والبعض رديء
وكذلك القول في دنانير بدنانير ، وفي دراهم بدراهم ، وقمح بقمح ، وفي شعير بشعير ، وفي ملح بملح ولا فرق ، لإباحة النبي صلى الله عليه وسلم كل صنف مما ذكرنا بصنفه ، مثلا بمثل ، في المكايلة ، في القمح ، والشعير ، والتمر والملح والموازنة في الذهب والفضة .
وقد روينا من طريق أنا مسلم القعنبي أنا عن سليمان بن بلال عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف : أنه سمع يحدث : أن سعيد بن المسيب ، أبا هريرة حدثاه { وأبا سعيد الخدري بني عدي الأنصاري فاستعمله على خيبر فقدم بتمر جنيب ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكل تمر خيبر هكذا ؟ قال : لا ، والله يا [ ص: 463 ] رسول الله إنا لنشتري الصاع بالصاعين من الجمع ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تفعلوا ، ولكن مثلا بمثل ، أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا وكذلك الميزان } أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أخا
فأباح عليه السلام نصا : بيع الجنيب من التمر وهو المتخير كله بالجمع من التمر وهو الذي جمع جيدا ورديئا ووسطا .
منع بعض الناس من مدين من تمر أحدهما جيد والآخر رديء بمدين من تمر متوسطين أدنى من الجيد وأجود من الرديء .
واحتجوا في ذلك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب المماثلة في التمر بالتمر .
قال لا حجة لهم في هذا ; لأنهم موافقون لنا في جواز صاع بصاع تمر رديء بصاع تمر جيد وليس مثله فصح أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد المماثلة في الكيل أو في الوزن فقط وهذا ما لا خلاف فيه من أحد . أبو محمد
واحتجوا بأحاديث صحاح في الجنيب بالجمع فيها : { } وهذا لا حجة لهم فيه ; لأن الخبر الذي ذكرنا زائد على تلك الأخبار حكما ، ولا يحل ترك زيادة العدل . بيعوا الجمع واشتروا بثمنه من الجنيب
وعمدة حجتهم أنهم قالوا : إنما رضي البائع ههنا للمدين : اللذين أحدهما جيد والآخر رديء ، بأن يعطي الجيد أكثر من مد من المتوسط ، وأن يعطي الأردأ بأقل من مد من المتوسط : فحصل التفاضل .
قال : وهذا في غاية الفساد ; لأنه ليس كما قالوا ، وحتى لو أنه أراد ذلك لكان عمله مخالفا لإرادته ، فحصلوا على التكهن ، والظن الكاذب وإنما يراعى في الدين الكلام والعمل ، فإذا جاء كما أمر الله تعالى ورسوله عليه السلام فما نبالي بما في قلوبهما ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أبو محمد لم أبعث لأشق عن قلوب الناس }
فإن قالوا : فقد قال عليه السلام : { } الأعمال بالنيات .
قلنا : نعم ، ولكن من لكم بأن هذين نويا ما ذكرتم ، وهذا منكم ظن سوء بمسلم [ ص: 464 ] لم يخبركم بذلك عن نفسه ، وليس في الظلم أكثر من أن تفسدوا صفقة مسلم بتوهمكم : أنه أراد الباطل ، وهو لم يخبركم ذلك فقط عن نفسه ، ولا ظهر من فعله إلا الحلال المطلق .
ويلزمكم على هذا إذا رأيتم من يشتري تمرا أو تينا أو عنبا أن تفسخوا صفقته وتقولوا له : إنما تنوي فيه عمل الخمر منه ، ومن اشترى ثوبا أن تفسخوه وتقولوا : إنما تريد تلبسه في المعاصي .
ومن اشترى سيفا أن تفسخوا وتقولوا : إنما تريد به قتل المسلمين ، وهذا هوس لا نظير له ، ولا فرق بين شيء من هذا وبين ما أفسدتم به المسألة المتقدمة .
روينا من طريق الحجاج بن المنهال أنا أنا حماد بن زيد قال : كان أيوب السختياني يأتي بالدراهم السود الجياد ، وبالنفاية : يأخذ بوزنها غلة . محمد بن سيرين
قال : السود أجود من الغلة ، والنفاية أدنى من الغلة وهذا نفس مسألتنا . علي