"سيهدين" طريق النجاة من إدراكهم وإضرارهم . وقرئ : "فلما تراءت الفئتان " . "إنا لمدركون " : بتشديد الدال وكسر الراء ، من ادرك الشيء إذا تتابع ففني . ومنه قوله تعالى : بل ادارك علمهم في الآخرة [النمل : 66 ] ، قال : جهلوا علم الآخرة . وفي معناه بيت الحماسة [من الطويل ] : الحسن
أبعد بني أمي الذين تتابعوا أرجي الحياة أم من الموت أجزع ؟
والمعنى : إنا لمتتابعون في الهلاك على أيديهم ، حتى لا يبقى منا أحد . الفرق : الجزء المتفرق منه . وقرئ : "كل فلق " . والمعنى واحد . والطود : الجبل العظيم المنطاد في السماء "وأزلفنا ثم" حيث انفلق البحر "الآخرين" قوم فرعون ، أي : قربناهم من بني إسرائيل : أو أدنينا بعضهم من بعض ، وجمعناهم حتى لا ينجو منهم أحد ، أو قدمناهم إلى البحر ، وقرئ : "وأزلقنا " ، بالقاف ، أي : أزللنا أقدامهم ، والمعنى : أذهبنا عزهم ؛ كقوله [من الطويل ] :
تداركتما عبسا وقد ثل عرشها وذبيان إذ زلت بأقدامها النعل
[ ص: 396 ] ويحتمل أن يجعل الله طريقهم في البحر على خلاف ما جعله لبني إسرائيل يبسا فيزلقهم فيه . عن أن عطاء بن السائب جبريل عليه السلام كان بين بني إسرائيل وبين آل فرعون ، فكان يقول لبني إسرائيل : ليلحق آخركم بأولكم . ويستقبل القبط فيقول : رويدكم يلحق آخركم . فلما انتهى موسى إلى البحر قال له مؤمن آل فرعون وكان بين يدي موسى : أين أمرت فهذا البحر أمامك وقد غشيك آل فرعون ؟ قال : أمرت بالبحر ولا يدري موسى ما يصنع ، فأوحى الله تعالى إليه : أن اضرب بعصاك البحر . فضربه فصار فيه اثنا عشر طريقا : لكل سبط طريق . وروي أن يوشع قال : يا كليم الله ، أين أمرت فقد غشينا فرعون والبحر أمامنا ؟ قال موسى : ها هنا . فخاض يوشع الماء وضرب موسى بعصاه البحر فدخلوا . وروي أن موسى قال عند ذلك : يا من كان قبل كل شيء ، والمكون لكل شيء . والكائن بعد كل شيء . ويقال : هذا البحر هو بحرالقلزم . وقيل : هو بحر من وراء مصر ، يقال له : أساف إن في ذلك لآية أية آية ، وآية لا توصف ، وقد عاينها الناس وشاع أمرها فيهم ، وما تنبه عليها أكثرهم ، ولا آمن بالله . وبنو إسرائيل : الذين كانوا أصحاب موسى المخصوصين بالإنجاء قد سألوه بقرة يعبدونها ، واتخذوا العجل ، وطلبوا رؤية الله جهرة وإن ربك لهو العزيز المنتقم من أعدائه "الرحيم" بأوليائه .