مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولا يجمع بالتيمم صلاتي فرض بل يجدد لكل فريضة طلبا للماء وتيمما بعد الطلب الأول لقوله جل وعز : إذا قمتم إلى الصلاة وقول ابن عباس : " لا تصلى المكتوبة إلا بتيمم " .
قال الماوردي : وهذا كما قال : لا يجوز أن وقال يصلي فرضين بتيمم واحد أبو حنيفة : يجوز أن يصلي بالتيمم الواحد ما شاء من فرض ونفل ما لم يحدث كالوضوء ، وقال [ ص: 258 ] أبو ثور : يجوز أن ، ولا يجوز أن يجمع به بين الفوائت واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم يجمع بين المؤقتات لأبي ذر : " فجعله طهورا مستداما ، ولأنها طهارة يجوز أن يؤدى بها النفل ، فجاز أن يؤدى بها الفرض كالوضوء ولأن ما جاز أن يؤدى بالوضوء جاز أن يؤدى بالتيمم كالنوافل ، ولأنها طهارة ضرورة فلم تختص بفرض واحد كالمسح على الخفين ، ولأنه لو أعاد التيمم لكل فرض للزمه أن يتطهر للحدث الواحد مرارا ، وذلك خلاف الأصول في الطهارات . " الصعيد الطيب طهور من لم يجد الماء إلى عشر سنين
ودليلنا قوله تعالى : إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم [ المائدة : 6 ] إلى قوله : فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا [ المائدة : 6 ] فكان الظاهر موجبا أن يتوضأ لكل صلاة فإن لم يجد الماء تيمم لها ، فلما جاء النص بالوضوء بجواز الجمع بين الصلوات نفى حكم التيمم على موجب الظاهر ، ولأنها طهارة ضرورة فلم تتسع لأداء فرضين كالمستحاضة في وقتين ، ولا يدخل عليه المسح على الخفين ، لأنها طهارة رخصة ولأنها صلاة فريضة لم يحدث لها وضوءا ، فوجب أن يحدث لها بعد الطلب تيمما كالفرض الأول ، ولأنه شرط من شرائط الصلاة في حال الضرورة ، فوجب أن يلزم إعادته في كل فريضة كالمجتهد في القبلة ، ولأنها طهارة بدل قصرت عن أصلها فعلا ، فوجب أن يقصر عنه وقتا ، كالمسح على الخفين ، ولأن الطهارات على ثلاثة أضرب :
، وهو الوضوء الكامل ، فيؤدي به ما شاء من الفرائض والنوافل . طهارة ترفع الحدث من جميع الأعضاء
، وهو المسح على الخفين ، فيقصر بتجديد الوقت عن الوضوء الكامل . وطهارة ترفع الحدث عن بعض الأعضاء
وهو التيمم فوجب أن يكون أخص منها حكما ، وأن لا يؤدى بها إلا فرضا . وطهارة لا ترفع الحدث عن شيء من الأعضاء
وأما الجواب عن الخبر فهو أن ترك الأخذ بظاهره يوجب حمله على ابتداء التيمم دون استدامته ، وأما الجواب عن قياسهم على الوضوء فهو أن الوضوء لما كان طهارة رفاهية ترفع الحدث كان حكمها عاما ، والتيمم لما كان طهارة ضرورية لا ترفع الحدث كان حكمها خاصا ، وأما الجواب عن قياسهم على النوافل فمن وجهين :
[ ص: 259 ] أحدهما : أن النوافل لما كانت تبعا للفرائض جاز أن تؤدى بتيمم الفرض ، ولما لم يكن الفرض تبعا لفرض غيره لم يجزه أن يؤدى فرض بتيمم فرض .
والثاني : أن النوافل لما كثرت وترادفت ، وكانت المشقة لاحقة في إعادة التيمم لكل صلاة منها سقط اعتباره سقوط إعادة قضاء الصلوات عن الحائض ، والمفروضات لما انحصرت ولم تشق إعادة التيمم لكل فرض منها وجب اعتباره ، كوجوب قضاء الصيام على الحائض .
وأما الجواب عن استدلالهم بأن الحدث الواحد لا يتطهر له مرارا فهو أنه لا يمتنع ذلك في الأصول كالحدث في آخر زمان المسح على الخفين يلزم إعادة الطهارة له بعد تقضي زمان المسح وواجد الماء في تضاعيف الصلاة إذا عدمه عند الخروج منها أعاد التيمم ثانية لحدثه الأول ، على أن التيمم لم يكن طهرا للحدث فيمتنع من إحداث طهر ثان ، وإنما كان لأداء الفرض فلم يمتنع أن يتيمم لفرض ثان ، وأما الجواب عن قياسهم على المسح على الخفين فقد جعلنا المسح على الخفين لنا دليلا ثم ما ذكرناه من تقسيم الطهارات لنا كاف .