مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ومن فعليه القضاء من الميقات الذي ابتدأها منه ، فإن قيل فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أفسد العمرة عائشة أن تقضي العمرة من التنعيم ، فليس كما قال إنما كانت قارنا ، وكان عمرتها شيئا استحسنته ، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بها لا أن عمرتها كانت قضاء ؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لها . طوافك يكفيك لحجك وعمرتك
قال الماوردي : قد ذكرنا أن المحرم ممنوع من الوطء ، سواء كان حاجا أو معتمرا أو قارنا ومضى الكلام في الحج ، فأما وقبل الطواف والسعي ، أو بعد الطواف وقبل السعي ، أو قبل كمال جميع السعي ، فقد أفسد عمرته ، وإن وطئ بعد السعي وقبل الحلاق فعلى قولين مبنيين على اختلاف قوليه في الحلق ، فإن قيل : إنه نسك يتحلل به أفسد عمرته ، وإن قيل : إنه إباحة بعد حظر لم يفسد ، فإن العمرة فإن وطئ فيها بعد الإحرام بها لزمه [ ص: 233 ] القضاء والكفارة ، وهي بدنة كالوطء في الحج سواء ، وقال بعض العلماء : يلزمه القضاء دون الكفارة . أفسد عمرته
ودليلنا : هو أن العمرة كالحج فيما يحل فيه ويحرم ، فوجب أن تكون كالحج في فساده بالوطء ووجوب البدنة .
وتحرير ذلك قياسا أنها عبادة تفتقر إلى الطواف ، فوجب أن يكون الوطء فيها موجبا للقضاء والبدنة كالحج ، فإذا ثبت هذا فعليه أن يمضي في فاسدها ثم يقضيها من حيث أحرم بها ، وكذا الحج إذا أفسده يقضيه من حيث أحرم به ، فإن كان قد أحرم به من بلده لزمه أن يحرم بالقضاء من بلده ، وإن كان قد أحرم به من ميقاته أحرم بالقضاء من ميقاته ، وإن كان قد أحرم بالعمرة من أدنى الحل ، وبالحج من الحرم ، أحرم في القضاء كذلك .
وقال أبو حنيفة : عليه قضاء الحج من ميقاته والعمرة من أدنى الحل ، وإن أحرم بهما من بلده تعلقا بما روي أن عائشة رضي الله عنها أحرمت بالعمرة من الحديبية ثم رفضتها وخرجت منها ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أخاها أن يعمرها من التنعيم ، ورفض العمرة كالإفساد .
ودليلنا هو أن القضاء إنما هو الإتيان بفعل ما لزم ، فلما لزمه في الأداء الإحرام من بلده بالدخول فيه ، وجب أن لا يلزمه القضاء الإحرام من بلده بالإفساد له ، ليصير قاضيا لما كان له مؤديا ، فأما حديث عائشة رضي الله عنها فلم ترفض عمرتها ، ولم تخرج منها ، بل كانت قارنة : لقول النبي صلى الله عليه وسلم : وإنما قالت : يا رسول الله كل نسائك ينصرفن بنسكين ، وأنا بنسك واحد ، يعني : بنسكين منفردين ، وأنا قد ضممتها في القران ، حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم أخاها أن يحرم بها من طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة يجزيك لحجك وعمرتك التنعيم ، فإن قيل فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لها : وقيل إنما أراد بقوله : ارفضي عمرتك وقوله : وأهلي بالحج ، أي أدخلي الحج على العمرة حتى صارت قارنة . ارفضي عمرتك وأهلي بالحج