، أحمد بن محمد بن أحمد أبو بكر بن أبي الفتح الدينوري الحنبلي سمع الحديث وتفقه على أبي الخطاب الكلوذاني ، وأفتى ودرس وناظر وكان أسعد الميهني يقول : ما اعترض أبو بكر الدينوري على دليل أحد [ ص: 317 ] إلا ثلمه ، وقد تخرج به الشيخ وأنشد عنه قوله : أبو الفرج بن الجوزي
تمنيت أن تمسي فقيها مناظرا بغير عناء فالجنون فنون وليس اكتساب المال دون مشقة
تلقيتها فالعلم كيف يكون
محمد بن عبد الملك بن محمد بن عمر أبو الحسن الكرجي ، سمع الكثير في بلاد شتى ، وكان فقيها مفتيا ، تفقه بأبي إسحاق وغيره من أئمة الشافعية وكان أديبا شاعرا فصيحا ، وله مصنفات كثيرة ; منها الفصول في اعتقاد الأئمة الفحول ، يذكر فيه مذاهب السلف في باب الاعتقاد ، ويحكي فيه أشياء غريبة حسنة ، وله تفسير وكتاب في الفقه وكان لا يقنت في الفجر ، ويقول : لم يصح ذلك في حديث ، وقد كان إمامنا يقول : إذا صح الحديث فاضربوا بقولي هذا الحائط ، وقد كان حسن الصورة جميل المعاشرة ومن شعره : الشافعي
[ ص: 318 ]
تناءت داره عني ولكن خيال جماله في القلب ساكن
إذا امتلأ الفؤاد به فماذا يضر إذا خلت منه الأماكن
الخليفة الراشد منصور بن المسترشد
ولي الخلافة بعد أبيه ثم خلع ، فذهب مع العماد زنكي إلى أرض الموصل ، ثم جمع جموعا فاقتتل مع الملك مسعود في هذه السنة فهزمهم ، فذهب إلى أصبهان فقتل بعد مرض أصابه ، فقيل : إنه سم ، وقيل : قتلته الباطنية وقيل : قتله الفراشون الذين كانوا يلون أمره ، فالله أعلم .
وقد حكى عن ابن الجوزي أبي بكر الصولي أنه قال : الناس يقولون : كل سادس يقوم بأمر الناس من أول الإسلام لا بد أن يخلع قال : فتأملت ذلك فرأيته عجبا ; قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ابن الجوزي أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم الحسن فخلع ، ثم معاوية ويزيد ومعاوية بن يزيد ومروان وعبد الملك ثم عبد الله بن الزبير فخلع وقتل ، ثم الوليد وسليمان ثم عمر بن عبد العزيز ويزيد وهشام ثم الوليد بن يزيد فخلع وقتل ، ولم ينتظم لبني أمية بعده أمر حتى قام السفاح العباسي ثم أخوه المنصور ثم المهدي ثم الهادي ثم الرشيد ثم الأمين فخلع وقتل ، ثم المأمون والمعتصم [ ص: 319 ] والواثق والمتوكل والمنتصر ثم المستعين فخلع وقتل ، ثم المعتز والمهتدي والمعتمد والمعتضد والمكتفي ثم المقتدر فخلع ثم أعيد فقتل ، ثم القاهر والراضي والمتقي والمكتفي والمطيع ثم الطائع فخلع ، ثم القادر والقائم والمقتدي والمستظهر والمسترشد ثم الراشد فخلع وقتل .
أنوشروان بن خالد بن محمد القاشاني الفيني
من قرية فين من قاشان الوزير أبو نصر وزر للسلطان محمود وللخليفة المسترشد ، وكان عاقلا مهيبا عظيم الخلقة ، وهو الذي ألزم أبا محمد الحريري بتكميل المقامات ، وكان سبب ذلك أن أبا محمد الحريري كان جالسا ذات يوم في مسجد بني حرام من محال البصرة فدخل عليه شيخ ذو طمرين ، فقالوا : من أنت ؟ قال : أنا رجل من سروج يقال لي أبو زيد ، فعمل المقامة الحرامية واشتهرت في الناس ، فلما طالعها الوزير الحريري أعجب بها ، وكلف أنوشروان أبا محمد الحريري أن يزيد عليها غيرها فعمل معها تمام خمسين مقامة ، فهي هذه المشهورة المتداولة بين الناس ، وقد كان الوزير كريما محمدا غير أنه كان ينسب إلى التشيع وقد مدحه فقال : الحريري
ألا ليت شعري والتمني تعلة وإن كان فيه راحة لأخي الكرب
أتدرون أني مذ تناءت دياركم وشط اقترابي من جنابكم الرحب
أكابد شوقا ما يزال أواره يقلبني في الليل جنبا على جنب
[ ص: 320 ] وأذكر أيام التلاقي فأنثني لتذكارها بادي الأسى طائر اللب
ولي حنة في كل وقت إليكم ولا حنة الصادي إلى البارد العذب
فوالله لو أني كتمت هواكم لما كان مكتوما بشرق ولا غرب
ومما شجا قلبي المعنى وشفه رضاكم بإهمال الإجابة عن كتبي
وقد كنت لا أخشى مع الذنب جفوة فقد صرت أخشاها وما لي من ذنب
ولما سرى الوفد العراقي نحوكم وأعوزني المسرى إليكم مع الركب
جعلت كتابي نائبي عن ضرورة ومن لم يجد ماء تيمم بالترب
ونفذت أيضا بضعة من جوارحي لتنبئكم عن شرح حالي وتستنبي
ولست أرى إذ كاركم بعد خبركم بمكرمة حسبي اهتزازكم حسبي