[ ص: 1015 ] . . . [ ص: 1016 ] 182 - فصل
[ اختلاف العلماء في ] . معنى الفطرة
قال أبو عمر : وقد اختلف العلماء في الفطرة المذكورة في هذا الحديث اختلافا كثيرا ، وكذلك اختلفوا في الأطفال ، وحكمهم في الدنيا ، والآخرة .
فقال : تفسيره آخر الحديث " ابن المبارك " ، هكذا ذكر الله أعلم بما كانوا عاملين أبو عبيد ، عن لم يزد شيئا . ابن المبارك
وذكر عن محمد بن الحسن أنه سأله عن تأويل هذا الحديث فقال : كان هذا القول من النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يؤمر الناس بالجهاد .
قال أبو عمر : أما ما ذكره عن فقد روي عن ابن المبارك مالك نحوه ، وليس فيه مقنع من التأويل ، ولا شرح موعب في أمر الأطفال ، ولكنها [ ص: 1017 ] جملة تؤدي إلى الوقوف عن القطع فيهم بكفر ، أو إيمان ، أو جنة أو نار ، ما لم يبلغوا العمل .
قال : وأما ما ذكره عن محمد بن الحسن فأظن محمد بن الحسن حاد عن الجواب فيه : إما لإشكاله عليه ، وإما لجهله به ، أو لما شاء الله .
وأما قوله : " إن ذلك كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يؤمر الناس بالجهاد " ، فلا أدري ما هذا ! فإن كان أراد أن ذلك منسوخ فغير جائز عند العلماء دخول النسخ في أخبار الله وأخبار رسوله ؛ لأن المخبر بشيء كان أو يكون إذا رجع عن ذلك لم يخل رجوعه عن تكذيبه لنفسه ، أو غلطه فيما أخبر به ، أو نسيانه ، وقد عصم الله ورسوله في الشريعة ، والرسالة منه ، وهذا لا يخالف فيه أحد له أدنى فهم ، فقف عليه ، فإنه أمر حتم في أصول الدين .
وقول محمد : " إن ذلك كان قبل أن يؤمر الناس بالجهاد " ، ليس كما قال ؛ لأن في حديث الأسود بن سريع ما يبين أن ذلك كان منه بعد الأمر بالجهاد .
وروى بإسناده عن الحسن ، عن الأسود بن سريع قال : " . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما بال أقوام بالغوا في القتل حتى قتلوا الولدان " ؟ [ ص: 1018 ] فقال رجل : أوليس آباؤهم أولاد المشركين ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أوليس خياركم أولاد المشركين ؟ إنه ليس من مولود يولد إلا على الفطرة حتى يبلغ فيعبر عنه لسانه ، ويهوده أبواه ، أو ينصرانه
قال : وروى هذا الحديث عن الحسن جماعة ، منهم :
[ ] ، بكر المزني والعلاء بن زياد والسري بن يحيى .
وقد روي عن ، عن الأحنف الأسود بن سريع ، وهو حديث بصري صحيح .
[ ص: 1019 ] وروى ، عن عوف الأعرابي
[ ] ، عن أبي رجاء العطاري ، سمرة بن جندب " انتهى . عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " كل مولود يولد على الفطرة " ، فناداه الناس : يا رسول الله ، وأولاد المشركين ؟ قال : " وأولاد المشركين
قال شيخنا : أما ما ذكره عن ، ابن المبارك ومالك فيمكن أن يقال : إن المقصود أن آخر الحديث يبين أن الأولاد قد سبق في علم الله ما يعملون إذا بلغوا ، وأن منهم من يؤمن فيدخل الجنة ، ومنهم من يكفر فيدخل النار ، فلا يحتج بقوله : " " على نفي القدر كما احتجت كل مولود يولد على الفطرة القدرية به ، ولا على أن أطفال الكفار كلهم في الجنة لكونهم ولدوا على [ ص: 1020 ] الفطرة ، فيكون مقصود الأئمة أن الأطفال على ما في آخر الحديث .
وأما قول محمد فإنه رأى الشريعة قد استقرت على أن ولد الكافر يتبع أبويه في الدين في أحكام الدنيا ، فيحكم له بحكم الكفر في أنه لا يصلى عليه ، ولا يدفن في مقابر المسلمين ، ولا يرثه المسلمون ، ويجوز استرقاقه ، وغير ذلك ، فلم يجز لأحد أن يحتج بهذا الحديث على أن حكم الأطفال في الدنيا حكم المؤمنين ، وهذا حق ولكنه ظن أن الحديث اقتضى الحكم لهم في الدنيا بأحكام أطفال المؤمنين ، فقال : هذا منسوخ ، كان قبل الجهاد لأنه بالجهاد أبيح استرقاق النساء ، والأطفال ، والمؤمن لا يسترق ، ولكن كون أمر ما زال مشروعا ، وما زال الأطفال تبعا لآبائهم في الأمور الدنيوية ، فالحديث لم يقصد بيان هذه الأحكام ، وإنما قصد ما ولدوا عليه من الفطرة . الطفل يتبع أباه في الدين في الأحكام الدنيوية
وإذا قيل : إنه ولد على فطرة الإسلام ، أو خلق حنيفا ، ونحو ذلك ، فليس المراد به أنه حين خرج من بطن أمه يعلم هذا الدين ، ويريده ، ، ولكن فطرته سبحانه موجبة مقتضية لمعرفة دين الإسلام ، ومحبته ، ففطروا على فطرة مستلزمة للإقرار بالخالق ، ومحبته ، وإخلاص الدين له ، وموجبات الفطرة ومقتضياتها تحصل شيئا بعد شيء بحسب كمال الفطرة إذا سلمت عن المعارض ، كما أن فالله أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئا ما يلائم بدنه من الأغذية ، والأشربة ، فيشتهي اللبن الذي يناسبه ، وهذا من قوله تعالى : ( كل مولود يولد فإنه يولد على محبة قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ) ، وقوله : ( الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى ) [ ص: 1021 ] فهو سبحانه خلق الحيوان مهتديا إلى طلب ما ينفعه ودفع ما يضره ، ثم هذا الحب والبغض يحصل فيه شيئا بعد شيء ، ثم قد يعرض لكثير من الأبدان ما يفسد ما ولد عليه من الطبيعة السليمة .