أرغون بن أبغا ملك التتر
كان شهما شجاعا سفاكا للدماء ، قتل عمه السلطان أحمد بن هولاكو ، فعظم في أعين المغول ، فلما كان في هذه السنة مات من شراب شربه فيه سم ، فاتهمت المغول اليهود به - وكان وزيره سعد الدولة بن الصيفي يهوديا - فقتلوا من اليهود خلقا كثيرا ، ونهبوا منهم أموالا عظيمة جدا في جميع مدائن العراق ، ثم اختلفوا فيمن يقيمونه بعده ، فمالت طائفة إلى كيختو ، فأجلسوه على سرير المملكة ، فبقي مدة ، قيل : سنة . وقيل : أقل من ذلك . ثم قتلوه وملكوا بعده بيدرا ، وجاء الخبر بوفاة أرغون إلى الملك الأشرف وهو محاصر عكا ، ففرح بذلك كثيرا ، وكانت مدة ملك أرغون ثمان سنين ، وقد وصفه بعض مؤرخي العراق بالعدل والسياسة الجيدة .
فخر الدين بن البخاري المسند المعمر الرحلة
وهو أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي المعروف بابن البخاري ، ولد في سلخ سنة خمس أو مستهل سنة ست وتسعين وخمسمائة ، وسمع الكثير ، ورحل مع أهله ، وكان رجلا صالحا عابدا زاهدا ورعا ناسكا ، تفرد [ ص: 641 ] بروايات كثيرة لطول عمره ، وخرجت له مشيخات وسمع منه الخلق الكثير والجم الغفير ، وكان منصوبا لذلك حتى كبر وأسن وضعف عن الحركة ، وله شعر حسن منه قوله :
تكررت السنون علي حتى بليت وصرت من سقط المتاع وقل النفع عندي غير أني
أعلل بالرواية والسماع فإن يك خالصا فله جزاء
وإن يك مالقا فإلى ضياع
إليك اعتذاري من صلاتي قاعدا وعجزي عن سعيي إلى الجمعات
وتركي صلاة الفرض في كل مسجد تجمع فيه الناس للصلوات
فيا رب لا تمقت صلاتي ونجني من النار واصفح لي عن الهفوات
الشيخ تاج الدين الفزاري ، بن ضياء تاج الدين أبو محمد الفزاري عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع
الإمام العلامة العلم شيخ الشافعية في زمانه ، حاز قصب السبق دون أقرانه ، وهو والد شيخنا العلامة برهان الدين . كان مولد [ ص: 642 ] الشيخ تاج الدين في سنة ثلاثين وستمائة ، وتوفي ضحى يوم الاثنين خامس جمادى الآخرة بالمدرسة الباذرائية ، وصلي عليه بعد الظهر بالأموي ، تقدم للصلاة عليه قاضي القضاة شهاب الدين بن الخويي ، ثم صلى عليه عند جامع جراح الشيخ زين الدين الفارقي ، ودفن عند والده بباب الصغير ، وكان يوما شديد الزحام ، وقد كان ممن اجتمعت فيه فنون كثيرة من العلوم النافعة ، والأخلاق اللطيفة ، وفصاحة المنطق ، وحسن التصنيف ، وعلو الهمة ، وفقه النفس ، وكتابه " الإقليد " الذي جمعه على أبواب " التنبيه " وصل فيه إلى باب الغصب ، دليل على فقه نفسه ، وعلو قدره ، وقوة همته ، ونفوذ نظره ، واتصافه بالاجتهاد الصحيح في غالب ما سطره ، وقد انتفع به الناس ، وهو شيخ أكابر مشايخنا هو والشيخ محيي الدين النووي ، وله " اختصار الموضوعات " وهو عندي بخطه ، وقد سمع الحديث الكثير ، وحضر عند لابن الجوزي ، ابن الزبيدي " صحيح " ، وسمع من البخاري ابن اللتي واشتغل عليه وعلى وابن الصلاح ، ابن عبد السلام ، وانتفع بهما ، وخرج له الحافظ علم الدين البرزالي أحد تلاميذه مشيخة في عشرة أجزاء عن مائة شيخ ، فسمعها عليه الأعيان ، وله شعر جيد ، فمنه قوله :
لله أيام جمع الشمل ما برحت بها الحوادث حتى أصبحت سمرا
ومبتدا الحزن من تاريخ مسألتي عنكم فلم ألق لا عينا ولا أثرا
يا راحلين قدرتم فالنجاة لكم ونحن للعجز لا نستعجز القدرا
وفي ثالث شعبان توفي :
الطبيب الماهر الأنصاري عز الدين إبراهيم بن محمد بن طرخان السويدي
ودفن بالسفح عن تسعين سنة ، وروى شيئا من الحديث ، وفاق أهل زمانه في صناعة الطب ، وصنف كتبا في ذلك ، وكان يرمى بقلة الدين ، وترك الصلوات ، وانحلال في العقيدة ، وإنكار أمور كثيرة مما يتعلق باليوم الآخر ، والله يحكم فيه وفي أمثاله بأمره العدل الذي لا يجور ولا يظلم . وفي شعره ما يدل على قلة عقله ودينه وعدم إيمانه ، واعتراضه على تحريم الخمر ، وأنه قد طال رمضان عليه في تركها ، وغير ذلك .
الشيخ الإمام العلامة علاء الدين أبو الحسن علي بن الإمام العلامة الزملكاني كمال الدين عبد الواحد بن عبد الكريم بن خلف الأنصاري
مدرس الأمينية ، وهو والد شيخنا الإمام العلامة كمال الدين بن أبي المعالي محمد بن علي الزملكاني ، وقد درس بعد أبيه المذكور بالأمينية ، وكانت وفاة والده هذا ليلة الثلاثاء التاسع والعشرين من ربيع الآخر بالأمينية ، ودفن بمقابر الصوفية عند والده .
[ ص: 644 ] بدر الدين يمك بن عبد الله الناصري الأمير الكبير
ناظر الرباط بالصالحية عن وصية أستاذه ، وهو الذي ولى الشيخ شرف الدين الفزاري مشيخة الرباط بعد ابن الشريشي جمال الدين ، وقد دفن بالتربة الكبيرة داخل الرباط المذكور .
أبو حفص عمر بن يحيى بن عمر الكرجي الشيخ الإمام
صهر الشيخ وأحد تلاميذه ، ولد سنة تسع وتسعين وخمسمائة ، ومات يوم الأربعاء ثاني ربيع الآخر من هذه السنة ، ودفن إلى جانب تقي الدين بن الصلاح ابن الصلاح
الملك العادل بدر الدين سلامش بن الظاهر
الذي كان قد بويع بالملك بعد أخيه الملك السعيد ، وجعل الملك المنصور قلاوون أتابكه ، ثم استقل قلاوون بالملك وأرسلهم إلى الكرك ، ثم أعادهم إلى القاهرة ، ثم سفرهم الأشرف خليل في أول دولته إلى بلاد الأشكري من ناحية إصطنبول ، فمات سلامش هناك ، وبقي أخوه نجم الدين خضر وأهلوهم بتلك الناحية ، وقد كان سلامش من أحسن الناس شكلا وأبهاهم منظرا ، وقد افتتن به خلق كثير من الناس ، وشبب به الشعراء ، وكان عاقلا رئيسا مهيبا وقورا .
[ ص: 645 ] ، أبو الربيع سليمان بن علي بن عبد الله بن علي بن ياسين العابدي الكوفي العفيف التلمساني
ثم التلمساني ، الشاعر المتقن في علوم ; منها النحو والأدب والفقه والأصول ، وله في ذلك مصنفات ، وله شرح " مواقف النفري " ، وشرح أسماء الله الحسنى " ، وله ديوان مشهور ، ولولده محمد ديوان آخر ، وقد نسب هذا الرجل إلى عظائم في الأقوال والاعتقاد في الحلول والاتحاد والزندقة والكفر المحض ، وشهرته تغني عن الإطناب في ترجمته ، توفي يوم الأربعاء خامس رجب ، ودفن بالصوفية ، ويذكر عنه أنه عمل أربعين خلوة ، كل خلوة أربعون يوما متتابعة . فالله أعلم .