ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين
ويوم ينفخ في الصور إما معطوف على "يوم نحشر" منصوب بناصبه ، أو بمضمر معطوف عليه . والصور : هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام . عن رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أبي هريرة لما فرغ الله تعالى من خلق السموات والأرض خلق الصور فأعطاه إسرافيل ، فهو واضعه على فيه شاخص بصره إلى العرش متى يؤمر ؟ قال : قلت : يا رسول الله ما الصور ؟ قال القرن ، قال : قلت : كيف هو ؟ قال : عظيم ، والذي نفسي بيده إن عظم دارة فيه كعرض السماء والأرض ، فيؤمر بالنفخ فيه فينفخ نفخة لا يبقى عندها في الحياة أحد غير من شاء الله تعالى ، وذلك قوله تعالى : ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم يؤمر بأخرى فينفخ نفخة لا يبقى معها ميت إلا بعث وقام ، وذلك قوله تعالى : ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون والذي يستدعيه سباق النظم الكريم وسياقه أن المراد بالنفخ ههنا : هي النفخة الثانية ، وبالفزع في قوله تعالى : ففزع من في السماوات ومن في الأرض ما يعتري الكل عند البعث والنشور بمشاهدة الأمور الهائلة الخارقة للعادات في الأنفس والآفاق من الرعب والتهيب الضروريين الجبلين ، وإيراد صيغة الماضي مع كون المعطوف عليه - أعني ينفخ - مضارعا للدلالة على تحقق وقوعه إثر النفخ ، ولعل تأخير بيان الأحوال الواقعة عند ابتداء النفخة عن بيان ما يقع بعدها من حشر المكذبين من كل أمة لتثنية التهويل بتكرير التذكير إيذانا بأن كل واحد منهما [ ص: 304 ] طامة كبرى وداهية دهياء حقيقة بالتذكير على حيالها ، ولو روعي الترتيب الوقوعي لربما توهم أن الكل داهية واحدة قد أمر بذكرها كما مر في قصة البقرة . إلا من شاء الله أي : أن لا يفزع ، قيل : هم جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل عليهم السلام ، وقيل : الحور والخزنة وحملة العرش .
وكل أي : كل واحد من المبعوثين عند النفخة أتوه حضروا الموقف بين يدي رب العزة جل جلاله للسؤال والجواب والمناقشة والحساب . وقرئ : "أتاه" باعتبار لفظ الكل كما أن القراءة الأولى باعتبار معناه ، وقرئ : "آتوه" ، أي : حاضروه . داخرين أي : صاغرين ، وقرئ : "دخرين" .