فصل .
اصطلح الأئمة على أن لأنواع الوقف والابتداء أسماء ، واختلفوا في ذلك :
فقال : الوقف على ثلاثة أوجه : تام ، وحسن ، وقبيح : ابن الأنباري
فالتام : الذي يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده ، ولا يكون بعده ما يتعلق به ، كقوله : وأولئك هم المفلحون [ البقرة : 5 ] وقوله : أم لم تنذرهم لا يؤمنون [ البقرة : 6 ] .
: هو الذي يحسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده كقوله : الحمد لله ; لأن الابتداء ب رب العالمين [ الفاتحة : 2 ] لا يحسن لكونه صفة لما قبله . والحسن
[ ص: 280 ] : هو الذي ليس بتام ولا حسن كالوقف على بسم من قوله بسم الله . والقبيح
قال : ولا يتم الوقف على المضاف دون المضاف إليه ، ولا المنعوت دون نعته ، ولا الرافع دون مرفوعه وعكسه ، ولا الناصب دون منصوبه وعكسه ، ولا المؤكد دون توكيده ، ولا المعطوف دون المعطوف عليه ، ولا البدل دون مبدله ، ولا ( إن ) أو ( كان ) أو ( ظن ) وأخواتها دون اسمها ، ولا اسمها دون خبرها ، ولا المستثنى منه دون الاستثناء ، ولا الموصول دون صلته اسميا أو حرفيا ، ولا الفعل دون مصدره ، ولا الحرف دون متعلقه ، ولا شرط دون جزائه .
وقال غيره : الوقف ينقسم إلى أربعة أقسام : تام مختار ، وكاف جائز ، وحسن مفهوم ، وقبيح متروك .
: هو الذي لا يتعلق بشيء مما بعده ، فيحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده ; وأكثر ما يوجد عند رءوس الآي غالبا كقوله : فالتام وأولئك هم المفلحون .
وقد يوجد في أثنائها كقوله وجعلوا أعزة أهلها أذلة ، هنا التمام ; لأنه انقضى كلام بلقيس ، ثم قال تعالى : وكذلك يفعلون [ النمل : 34 ] .
وكذلك لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني [ الفرقان : 29 ] هنا التمام ، لأنه انقضى كلام الظالم أبي بن خلف ، ثم قال تعالى وكان الشيطان للإنسان خذولا .
وقد يوجد بعدها ، كقوله مصبحين وبالليل [ الصافات : 137 - 138 ] . هنا التمام لأنه معطوف على المعنى ، أي : بالصبح وبالليل .
ومثله يتكئون وزخرفا [ الزخرف : 34 - 35 ] رأس الآية يتكئون و وزخرفا هو التمام لأنه معطوف على ما قبله .
وآخر كل قصة وما قبل أولها ، وآخر كل سورة ، وقبل : ياء النداء ، وفعل الأمر ، والقسم ولامه ، دون القول والشرط ما لم يتقدم جوابه ، و ( كان الله ) و ( ما كان ) و ( لولا ) و ( لولا ) غالبهن تام ما لم يتقدمهن قسم أو قول أو ما في معناه .
، فيحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده أيضا ، نحو : والكافي : منقطع في اللفظ متعلق في المعنى حرمت عليكم أمهاتكم [ النساء : 23 ] هنا الوقف ويبتدأ بما بعد ذلك ، [ ص: 281 ] وهكذا كل رأس آية بعدها ( لام كي ) و ( إلا ) بمعنى ( لكن ) و ( إن ) الشديدة المكسورة والاستفهام و ( بل ) و ( ألا ) المخففة و ( السين ) و ( سوف ) للتهديد ، و ( نعم ) و ( بئس ) و ( كيلا ) ما لم يتقدمهن قول أو قسم .
والحسن : هو الذي يحسن الوقف عليه ، ولا يحسن الابتداء بما بعده نحو : الحمد لله رب العالمين .
والقبيح : هو الذي لا يفهم منه المراد ، ك الحمد ، وأقبح منه الوقف على لقد كفر الذين قالوا ويبتدئ إن الله هو المسيح [ المائدة : 17 ] ; لأن المعنى مستحيل بهذا الابتداء ، ومن تعمده وقصد معناه فقد كفر .
ومثله في الوقف فبهت الذي كفر والله [ البقرة : 258 ] فلها النصف ولأبويه [ النساء : 11 ] .
وأقبح من هذا الوقف على المنفي دون حرف الإيجاب من نحو : لا إله . . . إلا الله [ محمد : 19 ] . وما أرسلناك . . . إلا مبشرا ونذيرا [ الإسراء : 105 ] فإن اضطر لأجل التنفس جاز ، ثم يرجع إلى ما قبله حتى يصله بما بعده ، ولا حرج . انتهى .
وقال السجاوندي : . الوقف على خمس مراتب : لازم ومطلق وجائز ومجوز لوجه ومرخص ضرورة
1 - فاللازم : ما لو وصل طرفاه غير المراد نحو قوله : وما هم بمؤمنين [ البقرة : 8 ] يلزم الوقف هنا ، إذ لو وصل بقوله : يخادعون الله [ البقرة : 9 ] توهم أن الجملة صفة لقوله : بمؤمنين فانتفى الخداع عنهم ، وتقرر الإيمان خالصا عن الخداع ، كما تقول ما هو بمؤمن مخادع والقصد في الآية إثبات الخداع بعد نفي الإيمان .
وكما في قوله : لا ذلول تثير الأرض [ البقرة : 171 ] فإن جملة ( تثير ) صفة ل ( ذلول ) داخلة في حيز النفي ، أي : ليست ذلولا مثيرة للأرض .
ونحو : سبحانه أن يكون له ولد [ النساء : 171 ] ، فلو وصلها بقوله له ما في السماوات وما في الأرض لأوهم أنه صفة لولد ، وأن المنفي ولد موصوف بأن له ما في السماوات ; والمراد نفي الولد مطلقا .
2 - والمطلق : ما يحسن الابتداء بما بعده :
كالاسم المبتدأ به نحو : الله يجتبي [ الشورى : 13 ] .
[ ص: 282 ] والفعل المستأنف نحو : يعبدونني لا يشركون بي شيئا [ النور : 55 ] و سيقول السفهاء [ البقرة : 142 ] ، و سيجعل الله بعد عسر يسرا [ الطلاق : 7 ] .
ومفعول المحذوف نحو : وعد الله [ النساء : 122 ] ، سنة الله [ الأحزاب : 38 ] والشرط نحو : من يشأ الله يضلله [ الأنعام : 39 ] .
والاستفهام ولو مقدرا : نحو : أتريدون أن تهدوا [ النساء : 88 ] تريدون عرض الدنيا [ الأنفال : 67 ] .
والنفي ما كان لهم الخيرة [ القصص : 68 ] إن يريدون إلا فرارا [ الأحزاب : 13 ] حيث لم يكن كل ذلك مقولا لقول سابق .
3 - والجائز : ما يجوز فيه الوصل والفصل لتجاذب الموجبين من الطرفين ، نحو : وما أنزل من قبلك [ البقرة : 4 ] فإن واو العطف تقتضي الوصل ، وتقديم المفعول على الفعل يقطع النظم ; فإن التقدير : ( ويوقنون بالآخرة ) .
4 - والمجوز لوجه : نحو : أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة [ البقرة : 86 ] ; لأن الفاء في قوله : فلا يخفف عنهم [ البقرة : 86 ] تقتضي التسبب والجزاء ، وذلك يوجب الوصل ، وكون لفظ الفعل على الاستئناف يجعل للفصل وجها .
5 - والمرخص ضرورة : ما لا يستغني ما بعده عما قبله ، لكنه يرخص لانقطاع النفس وطول الكلام ، ولا يلزمه الوصل بالعود ; لأن ما بعده جملة مفهومة ، كقوله : والسماء بناء [ البقرة : 22 ] ; لأن قوله : وأنزل [ البقرة : 22 ] لا يستغني عن سياق الكلام ; فإن فاعله ضمير يعود إلى ما قبله ، غير أن الجملة مفهومة .
وأما : فكالشرط دون جزائه ، والمبتدأ دون خبره ونحو ذلك . ما لا يجوز الوقف عليه
وقال غيره : الوقف في التنزيل على ثمانية أضرب : تام ، وشبيه به ، وناقص ، وشبيه به ، وحسن وشبيه به ، وقبيح ، وشبيه به .
وقال ابن الجزري : أكثر ما ذكر الناس في أقسام الوقف غير منضبط ، ولا منحصر وأقرب ما قلته في ضبطه : أن لأن الكلام إما أن يتم أو لا ، فإن تم كان اختياريا ، وكونه تاما لا يخلو : الوقف ينقسم إلى اختياري واضطراري ;
إما ألا يكون له تعلق بما بعده البتة - أي : لا من جهة اللفظ ، ولا من جهة المعنى - فهو الوقف المسمى بالتام لتمامه المطلق ، يوقف عليه ويبدأ بما بعده ، ثم مثله بما تقدم في التام .
[ ص: 283 ] قال : . وقد يكون الوقف تاما في تفسير وإعراب وقراءة غير تام على آخر
نحو : وما يعلم تأويله إلا الله [ آل عمران : 7 ] تام : إن كان ما بعده مستأنفا ، غير تام : إن كان معطوفا .
ونحو فواتح السور : الوقف عليها تام إن أعربت مبتدأ والخبر محذوف أو عكسه ، أي : الم هذه ، أو هذه الم ، أو مفعولا ب ( قل ) مقدرا . غير تام : إن كان ما بعدها هو الخبر .
ونحو : مثابة للناس وأمنا [ البقرة : 125 ] تام على قراءة ( واتخذوا ) بكسر الخاء ، كاف على قراءة الفتح .
ونحو : إلى صراط العزيز الحميد [ إبراهيم : 1 ] تام على قراءة من رفع الاسم الكريم بعدها ، حسن على قراءة من خفض .
وقد يتفاضل التام ، نحو : مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين [ الفاتحة : 4 - 5 ] كلاهما تام ; إلا أن الأول أتم من الثاني ; لاشتراك الثاني فيما بعده في معنى الخطاب ; بخلاف الأول .
وهذا هو الذي سماه بعضهم شبيها بالتام .
ومنه به ، وهو الذي سماه ما يتأكد استحبابه لبيان المعنى المقصود السجاوندي باللازم . وإن كان له تعلق ، فلا يخلو إما أن يكون من جهة المعنى فقط ، وهو المسمى بالكافي للاكتفاء به واستغنائه عما بعده واستغناء ما بعده عنه كقوله : ومما رزقناهم ينفقون [ البقرة : 3 ] وقوله وما أنزل من قبلك [ البقرة : 4 ] ، وقوله : على هدى من ربهم [ البقرة : 5 ] .
أو ، نحو : يتفاضل في الكفاية كتفاضل التمام في قلوبهم مرض كاف فزادهم الله مرضا أكفى منه ، بما كانوا يكذبون [ البقرة : 10 ] أكفى منهما .
، نحو : قوله : وقد يكون الوقف كافيا على تفسير وإعراب وقراءة غير كاف على آخر يعلمون الناس السحر [ البقرة : 102 ] كاف إن جعلت ( ما ) بعده نافية ، حسن إن فسرت موصولة .
وبالآخرة هم يوقنون [ البقرة : 4 ] كاف إن أعرب ما بعده مبتدأ خبره على هدى [ البقرة : 5 ] حسن إن جعل خبر الذين يؤمنون بالغيب [ البقرة : 3 ] أو خبر والذين يؤمنون بما أنزل [ البقرة : 4 ] .
ونحن له مخلصون [ البقرة : 139 ] كاف على قراءة أم تقولون [ البقرة : 140 ] بالخطاب حسن على قراءة الغيب .
يحاسبكم به الله كاف على قراءة من رفع ( فيغفر ) و ( ويعذب ) [ البقرة : 284 ] حسن على قراءة من جزم .
[ ص: 284 ] وإن كان التعلق من جهة اللفظ : فهو المسمى بالحسن ; لأنه في نفسه حسن مفيد يجوز الوقف عليه دون الابتداء بما بعده ، للتعلق اللفظي إلا أن يكون رأس آية ، فإنه يجوز في اختيار أكثر أهل الأداء ; لمجيئه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث الآتي . أم سلمة
، نحو : وقد يكون الوقف حسنا على تقدير ، وكافيا أو تاما على آخر هدى للمتقين [ البقرة : 2 ] حسن إن جعل ما بعده نعتا ، كاف إن جعل خبرا مقدما ، أو مفعولا مقدرا على القطع ، تام إن جعل مبتدأ خبره : أولئك .
وإن لم يتم الكلام : كان الوقف عليه اضطراريا ، وهو ، من انقطاع نفس ونحوه ، لعدم الفائدة أو لفساد المعنى ، نحو : المسمى بالقبيح ، لا يجوز تعمد الوقف عليه إلا لضرورة صراط الذين [ الفاتحة : 7 ] .
وقد يكون بعضه أقبح من بعض ، نحو : فلها النصف ولأبويه [ النساء : 11 ] لإيهامه أنهما مع البنت شركاء في النصف .
وأقبح منه نحو : إن الله لا يستحيي [ البقرة : 26 ] فويل للمصلين [ الماعون : 4 ] . لا تقربوا الصلاة [ النساء : 43 ] فهذا حكم الوقف اختياريا واضطراريا .
;لأنه ليس كالوقف تدعو إليه ضرورة ، فلا يجوز إلا بمستقل بالمعنى موف بالمقصود وهو في أقسامه كأقسام الوقف الأربعة ، ويتفاوت تماما وكفاية وحسنا وقبحا ، بحسب التمام وعدمه ، وفساد المعنى وإحالته ، نحو : الوقف على : وأما الابتداء فلا يكون إلا اختياريا ومن الناس [ البقرة : 8 ] ; فإن الابتداء ب ( الناس ) قبيح ، و ( آمنا ) تام ; فلو وقف على ( من ) كان الابتداء ب ( يقول ) أحسن من ابتدائه ب ( من ) .
وكذا الوقف على ختم الله [ البقرة : 7 ] قبيح ، والابتداء ب " الله " أقبح وب " ختم " كاف .
والوقف على : عزير ابن الله و المسيح ابن الله [ التوبة : 30 ] قبيح والابتداء بابن أقبح ، وبعزير ، والمسيح أشد قبحا .
ولو وقف على ما وعدنا الله [ الأحزاب : 12 ] ضرورة كان الابتداء بالجلالة قبيحا ، وب وعدنا أقبح منه وب ما أقبح منهما .
نحو : وقد يكون الوقف حسنا والابتداء به قبيحا يخرجون الرسول وإياكم [ الممتحنة : 1 ] الوقف عليه حسن والابتداء به قبيح لفساد المعنى إذ يصير تحذيرا من الإيمان بالله .
[ ص: 285 ] ، نحو : وقد يكون الوقف قبيحا والابتداء جيدا من بعثنا من مرقدنا هذا [ يس : 52 ] الوقف على هذا قبيح لفصله بين المبتدأ وخبره ، ولأنه يوهم أن الإشارة إلى المرقد ، والابتداء بهذا كاف أو تام لاستئنافه .