الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون وجاءوا أباهم عشاء يبكون قالوا ياأبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يابشرى هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون )

[ ص: 287 ] حكي أنهم قالوا ليوسف : اطلب من أبيك أن يبعثك معنا ، فأقبل على يوسف فقال : أتحب ذلك ؟ قال : نعم . قال يعقوب : إذا كان غدا أذنت لك ، فلما أصبح يوسف لبس ثيابه وشد عليه منطقته ، وخرج مع إخوته فشيعهم يعقوب وقال : يا بني أوصيكم بتقوى الله وبحبيبي يوسف ، ثم أقبل على يوسف وضمه إلى صدره وقبل بين عينيه ثم قال : استودعتك الله رب العالمين ، وانصرف فحملوا يوسف على أكتافهم ما دام يعقوب يراهم ، ثم لما غابوا عن عينه طرحوه ليعدو معهم إضرارا به ، وذكر المفسرون أشياء كثيرة تتضمن كيفية إلقائه في غيابة الجب ومجاورته لهم بما يلين الصخر ، وهم لا يزدادون إلا قساوة ، ولم يتعرض القرآن ولا الحديث الصحيح لشيء منها ، فيوقف عليها في كتب التفسير ، وبين هذه الجملة والجمل التي قبلها محذوف يدل عليه المعنى تقديره : فأجابهم إلى ما سألوه وأرسل معهم يوسف ، ( فلما ذهبوا به وأجمعوا ) أي : عزموا واتفقوا على إلقائه في الجب ، و ( أن يجعلوه ) مفعول ( أجمعوا ) ، يقال : أجمع الأمر وأزمعه - بمعنى العزم عليه - واحتمل أن يكون الجعل هنا بمعنى الإلقاء ، وبمعنى التصيير ، واختلفوا في جواب ( لما ) أهو مثبت ؟ أو محذوف ؟ فمن قال : مثبت ، قال : هو قولهم ( قالوا ياأبانا إنا ذهبنا نستبق ) أي : لما كان كيت وكيت ، قالوا وهو تخريج حسن ، وقيل : هو أوحينا ، والواو زائدة ، وعلى هذا مذهب الكوفيين يزاد عندهم بعد لما ، وحتى إذا ، وعلى ذلك خرجوا قوله : ( فلما أسلما وتله للجبين وناديناه ) أي : ناديناه ، وقوله : ( حتى إذا جاءوها وفتحت ) أي : فتحت . وقول امرئ القيس :


فلما أجزنا سـاحـة الحي وانتحى

أي : انتحى . ومن قال : هو محذوف ، وهو رأي البصريين ، فقدره الزمخشري : فعلوا به ما فعلوا من الأذى ، وحكى الحكاية الطويلة فيما فعلوا به ، وما حاوروه وحاورهم به ، قدره بعضهم : فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب عظمت فتنتهم ، وقدره بعضهم : جعلوه فيها ، وهذا أولى ؛ إذ يدل عليه قوله : ( وأجمعوا أن يجعلوه ) والظاهر أن الضمير في ( وأوحينا إليه ) عائد على يوسف ، وهو وحي إلهام قاله مجاهد ، وروي عن ابن عباس : أو منام ، وقال الضحاك وقتادة : نزل عليه جبريل في البئر ، وقال الحسن : أعطاه الله النبوة في الجب وكان صغيرا ، كما أوحى إلى يحيـى وعيسى عليهما السلام ، وهو ظاهر ( أوحينا ) ، ويدل على أن الضمير عائد على يوسف قوله لهم قال : ( هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون ) . وقيل : الضمير في ( إليه ) عائد على يعقوب ، وإنما أوحي إليه [ ص: 288 ] ليأنس في الظلمة من الوحدة ، وليبشر بما يئول إليه أمره ، ومعناه : للتخلص مما أنت فيه ، ولتحدثن إخوتك بما فعلوا بك ، ( وهم لا يشعرون ) جملة حالية من قوله : ( لتنبئنهم بأمرهم هذا ) أي : غير عالمين أنك يوسف وقت التنبئة قاله ابن جريج ، وذلك لعلو شأنك وعظمة سلطانك ، وبعد حالك عن أذهانهم ، ولطول العمر المبدل للهيئات والأشكال ، وذكر أنهم حين دخلوا عليه ممتارين فعرفهم وهم له منكرون ، دعا بالصواع فوضعه على يده ثم نقره فطن فقال : إنه ليخبرني هذا الجام أنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له : يوسف ، وكان يدنيه دونكم ، وأنكم انطلقتم به وألقيتموه في غيابة الجب وقلتم لأبيكم : أكله الذئب ، وبيع بثمن بخس ، ويجوز أن يكون ( وهم لا يشعرون ) حالا من قوله : ( وأوحينا ) أي : وهم لا يشعرون ، قاله قتادة ؛ أي : بإيحائنا إليك وما أخبرناك به من نجاتك وطول عمرك ، إلى أن تنبئهم بما فعلوا بك ، وقرأ الجمهور ( لتنبئنهم ) بتاء الخطاب ، وابن عمر بياء الغيبة ، وكذا في بعض مصاحف البصرة . وقرأ ( سلامن ) بالنون .

والذي يظهر من سياق الأخبار والقصص أن يوسف كان صغيرا ، فقيل : كان عمره إذ ذاك سبع سنين ، وقيل : ست قاله الضحاك . وأبعد من ذهب إلى أنه اثنتا عشرة سنة ، وثمان عشرة سنة وكلاهما عن الحسن ، أو سبع عشرة سنة قاله ابن السائب ، ويدل على أنه كان صغيرا بحيث لا يدفع نفسه ، قوله : ( وأخاف أن يأكله الذئب ) ( ويرتع ويلعب ) ( وإنا له لحافظون ) ، وأخذ السيارة له ، وقول الوارد : ( هذا غلام ) ، وقول العزيز : ( عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ) وما حكي من حملهم إياه واحدا بعد واحد ، ومن كلامه لأخيه يهوذا : ارحم ضعفي وعجزي وحداثة سني ، وارحم قلب أبيك يعقوب ، ومن هو ابن ثمان عشرة سنة لا يخاف عليه من الذئب ولا سيما إن كان في رفقة ، ولا يقال فيه : ( وإنا له لحافظون ) لأنه إذ ذاك قادر على التحيل في نجاة نفسه ، ولا يسمى غلاما إلا بمجاز ، ولا يقال فيه : ( أو نتخذه ولدا ) .

و ( عشاء ) نصب على الظرف ، أو من العشوة ، والعشوة : الظلام ، فجمع على فعال ، مثل : راع ورعاء ، ويكون انتصابه على الحال كقراءة الحسن ( عشا ) على وزن دجى ، جمع عاش ، حذف منه الهاء كما حذفت في مالك ، وأصله مالكة ، وعن الحسن ( عشيا ) على التصغير ، قيل : وإنما جاءوا عشاء ليكون أقدر على الاعتذار في الظلمة ، ولذا قيل : لا تطلب الحاجة بالليل فإن الحياء في العينين ، ولا تعتذر في النهار من ذنب فتتلجلج في الاعتذار ، وفي الكلام حذف تقديره : وجاءوا أباهم دون يوسف عشاء يبكون ، فقال : أين يوسف ؟ قالوا : إنا ذهبنا ، وروي أن يعقوب لما سمع بكاءهم قال : ما لكم ، أجرى في الغنم شيء ؟ قالوا : لا . قال : فأين يوسف ؟ قالوا : إنا ذهبنا نستبق فأكله الذئب ، فبكى ، وصاح ، وخر مغشيا عليه ، فأفاضوا عليه الماء فلم يتحرك ، ونادوه فلم يجب ، ووضع يهوذا يده على مخارج نفسه فلم يحس بنفسه ولا تحرك له عرق فقال : ويل لنا من ديان يوم الدين الذي ضيعنا أخانا وقتلنا أبانا ، فلم يفق إلا ببرد السحر ، قال الأعمش : لا يصدق باك بعد إخوة يوسف . و ( نستبق ) أي : نترامى بالسهام ، أو نتجارى على الأقدام أينا أشد عدوا ، أو نستبق في أعمال نتوزعها من سقي ورعي واحتطاب ، أو نتصيد ؛ أربعة أقوال .

( عند متاعنا ) أي : عند ثيابنا ، وما تجردنا له حالة الاستباق ، وهذا أيضا يدل على صغر يوسف ؛ إذ لو كان ابن ثمان عشرة سنة أو سبع عشرة لكان يستبق معهم ( فأكله الذئب ) قد ذكرنا أنهم تلقنوا هذا الجواب من قول أبيهم ( وأخاف أن يأكله الذئب ) لأن أكل الذئب إياه كان أغلب ما كان خاف عليه .

( وما أنت بمؤمن لنا ) أي : بمصدق لنا الآن ولو كنا صادقين ، أو لست مصدقا لنا على كل حال حتى في حالة الصدق ، لما غلب عليك من تهمتنا وكراهتنا في يوسف ، وإنا نرتاد له الغوائل ، ونكيد له المكائد ، وأوهموا بقولهم : ( ولو كنا صادقين ) أنهم صادقون في أكل الذئب يوسف ، فيكون صدقهم مقيدا بهذه النازلة ، أو من أهل الصدق والثقة عند يعقوب قبل هذه النازلة ، لشدة [ ص: 289 ] محبتك ليوسف ، فكيف وأنت سيء الظن بنا في هذه النازلة ، غير واثق بقولنا فيه ؟

روي أنهم أخذوا سخلة أو جديا فذبحوه ، ولطخوا قميص يوسف بدمه ، وقالوا ليعقوب : هذا قميص يوسف فأخذه ، ولطخ به وجهه وبكى ، ثم تأمله فلم ير خرقا ولا ارتاب فاستدل بذلك على خلاف ما زعموا وقال لهم : متى كان الذئب حليما يأكل يوسف ولا يخرق قميصه ؟ قيل : كان في قميص يوسف ثلاث آيات ، كان دليلا ليعقوب على أن يوسف لم يأكله الذئب ، وألقاه على وجهه فارتد بصيرا ، ودليلا على براءة يوسف حين قد من دبر ، قال الزمخشري : فإن قلت : ( على قميصه ) ما محله ؟ ( قلت ) : محله النصب على الظرف ، كأنه قيل : وجاءوا فوق قميصه بدم ، كما تقول : جاء على جماله بأحمال ، ( فإن قلت ) : هل يجوز أن يكون حالا مقدمة ؟ ( قلت ) : لا ؛ لأن حال المجرور لا يتقدم عليه ، انتهى . ولا يساعد المعنى على نصب " على " على الظرف بمعنى فوق ؛ لأن العامل فيه إذ ذاك ( جاءوا ) ، وليس الفوق ظرفا لهم ، بل يستحيل أن يكون ظرفا لهم ، وقال الحوفي : ( على ) متعلق بـ ( جاءوا ) ولا يصح أيضا ، وأما المثال الذي ذكره الزمخشري وهو جاء على جماله بأحمال فيمكن أن يكون ظرفا للجائي ؛ لأنه تمكن الظرفية فيه باعتبار تبدله من جمل على جمل ، ويكون بأحمال في موضع الحال ؛ أي : مصحوبا بأحمال ، وقال أبو البقاء : على قميصه في موضع نصب حالا من الدم ؛ لأن التقدير : جاءوا بدم كذب على قميصه ، انتهى . وتقديم الحال على المجرور بالحرف غير الزائد في جوازه خلاف ، ومن أجاز استدل على ذلك بأنه موجود في لسان العرب ، وأنشد على ذلك شواهد هي مذكورة في علم النحو ، والمعنى : يرشد إلى ما قاله أبو البقاء .

وقرأ الجمهور : ( كذب ) وصف لـ ( دم ) على سبيل المبالغة ، أو على حذف مضاف ؛ أي : ذي كذب ، لما كان دالا على الكذب وصف به ، وإن كان الكذب صادرا من غيره ، وقرأ زيد بن علي : ( كذبا ) بالنصب ، فاحتمل أن يكون مصدرا في موضع الحال ، وأن يكون مفعولا من أجله ، وقرأت عائشة والحسن : ( كدب ) بالدال غير معجمة ، وفسر بالكدر ، وقيل : الطري ، وقيل : اليابس ، وقال صاحب اللوامح : ومعناه ذي كذب ؛ أي : أثر ؛ لأن الكذب هو بياض يخرج في أظافير الشبان ويؤثر فيها ، فهو كالنقش ، ويسمى ذلك البياض الفوف ، فيكون هذا استعارة لتأثيره في القميص ، كتأثير ذلك في الأظافير ، قال : ( بل سولت ) هنا محذوف تقديره : لم يأكله الذئب بل سولت ، قال ابن عباس : أمرتكم أمرا ، وقال قتادة : زينت ، وقيل : رضيت أمرا ؛ أي : صنيعا قبيحا ، وقيل : سهلت ، فصبر جميل ؛ أي : فأمري صبر جميل ، أو فصبر جميل أمثل ، وقرأ أبي ، والأشهب وعيسى بن عمر : ( فصبرا جميلا ) بنصبهما ، وكذا هي في مصحف أبي ، ومصحف أنس بن مالك ، وروي كذلك عن الكسائي ، ونصبه على المصدر الخبري ؛ أي : فاصبر صبرا جميلا ، قيل : وهي قراءة ضعيفة عند سيبويه ، ولا يصلح النصب في مثل هذا إلا مع الأمر ، وكذلك يحسن النصب في قوله :


شكا إلي جملي طول السرى     صبرا جميلا فكلانا مبتلى

ويروى " صبر جميل " في البيت ، وإنما تصح قراءة النصب على أن يقدر أن يعقوب رجع إلى مخاطبة نفسه فكأنه قال : فاصبري يا نفس صبرا جميلا ، وفي الحديث : " أن الصبر الجميل أنه الذي لا شكوى فيه " أي : إلى الخلق ، ألا ترى إلى قوله : ( إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ) وقيل : أتجمل لكم في صبري فلا أعاشركم على كآبة الوجه ، وعبوس الجبين ، بل على ما كنت عليه معكم . وقال الثوري : من الصبر أن لا تحدث بما يوجعك ولا بمصيبتك ولا تبكي نفسك .

( والله المستعان ) أي : المطلوب منه العون على احتمال ما تصفون من هلاك يوسف ، والصبر على الرزية .

( وجاءت سيارة ) قيل : كانوا من مدين قاصدين إلى مصر ، وقيل : في الكلام حذف تقديره : وأقام يوسف في الجب ثلاثة أيام ، وكان أخوه [ ص: 290 ] يهوذا يأتيه بالطعام خفية من إخوته . وقيل : جاءت السيارة في اليوم الثاني من طرحه في الجب . وقيل : كان التسبيح غذاءه في الجب . قيل : وكانت السيارة تائهة تسير من أرض إلى أرض ، وقيل : سيارة في الطريق أخطأوه فنزلوا قريبا من الجب ، وكان في قفرة بعيدة من العمران لم تكن إلا للرعاة ، وفيهم مالك بن دعر الخزاعي فأرسلوه ليطلب لهم الماء ، والوارد الذي يرد الماء ليستقي للقوم ، وإضافة الوارد للضمير كإضافته في قوله : ألقيت كاسبهم ، ليست إضافة إلى المفعول ، بل المعنى الذي يرد عليهم والذي يكسب لهم ، والظاهر أن الوارد واحد ، وقال ابن عطية : والوارد هنا يمكن أن يقع على الواحد وعلى جماعة ، انتهى . وحمل على معنى السيارة في قوله : ( فأرسلوا ) ، ولو حمل على اللفظ لكان الترتيب فأرسلت واردها . ( فأدلى دلوه ) أي : أرسلها ليستقي الماء قال : يا بشراي ، في الكلام حذف تقديره : فتعلق يوسف بحبل الدلو ، فلما بصر به المدلي قال : يا بشراي ، وتعلقه بالحبل يدل على صغره ، إذ لو كان ابن ثمانية عشر أو سبعة عشر لم يحمله الحبل غالبا ، ولفظة غلام ترجح ذلك ، إذ يطلق عليه ما بين الحولين إلى البلوغ حقيقة ، وقد يطلق على الرجل الكامل لقول ليلى الأخيلية في الحجاج بن يوسف :


غلام إذا هز القناة سقاها

وقوله : يا بشراي ؛ هو على سبيل السرور والفرح بيوسف ، إذ رأى أحسن ما خلق ، وأبعد السدي في زعمه أن ( بشرى ) اسم رجل ، وأضاف البشرى إلى نفسه فكأنه قال تعالى : فهذا من آونتك ، وقرأ ( يابشرى ) بغير إضافة الكوفيون ، وروى ورش عن نافع : ( يا بشراي ) : بسكون ياء الإضافة ، وهو جمع بين ساكنين على غير حدة وتقدم تقرير مثله في ( ومحياي ) وقرأ أبو الطفيل والحسن وابن أبي إسحاق والجحدري : ( يابشرى ) بقلب الألف ياء وإدغامها في ياء الإضافة ، وهي لغة لهذيل ، ولناس غيرهم تقدم الكلام عليها في البقرة ، في ( فمن تبع هداي ) قيل : ذهب به الوارد ، فلما دنا من أصحابه صاح بذلك ، فبشرهم به وأسروه ، الظاهر أن الضمير للسيارة التي الوارد منهم أي : أخفوه من الرفقة ، أو كتموا أمره من وجدانهم له في الجب وقالوا : دفعه إلينا أهل الماء لنبيعه لهم بمصر ، وقال ابن عباس : الضمير في ( وأسروه ) ( وشروه ) لإخوة يوسف ، وأنهم قالوا للرفقة : هذا غلام قد أبق لنا فاشتروه منا ، وسكت يوسف مخافة أن يقتلوه ، وذلك أنه روي أن بعضهم رجع إلى الجب ليتحققوا أمر يوسف ويقفوا على الحقيقة من فقده ، فلما علموا أن الوارد قد أخذوه ، جاءوهم وقالوا تلك المقالة ، وانتصب بضاعة على الحال أي : متجرا لهم ومكسبا . ( والله عليم بما يعملون ) أي : لم تخف عليه أسرارهم ، وهو وعيد لهم حيث استبضعوا ما ليس لهم ، أو والله عليم بعمل إخوة يوسف بأبيهم وأخيهم من سوء الصنع ، وفي ذلك أعظم تذكار بما فعلوا بيوسف ، قيل : أوحى الله إليه في الجب أن لا يطلع أباه ولا غيره على حاله ، لحكمة أراد مضاءها ، وظهر بعد ذلك ما جرى له من جعله على خزائن الأرض ، وإحواج إخوته إليه ، ورفع أبويه على العرش ، وما جرى مجرى ذلك مما كان مكنونا في القدر .

التالي السابق


الخدمات العلمية