(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=28983فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=16وجاءوا أباهم عشاء يبكون nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17قالوا ياأبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=19وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يابشرى هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون )
[ ص: 287 ] حكي أنهم قالوا
ليوسف : اطلب من أبيك أن يبعثك معنا ، فأقبل على
يوسف فقال : أتحب ذلك ؟ قال : نعم . قال
يعقوب : إذا كان غدا أذنت لك ، فلما أصبح
يوسف لبس ثيابه وشد عليه منطقته ، وخرج مع إخوته فشيعهم
يعقوب وقال : يا بني أوصيكم بتقوى الله وبحبيبي
يوسف ، ثم أقبل على
يوسف وضمه إلى صدره وقبل بين عينيه ثم قال : استودعتك الله رب العالمين ، وانصرف فحملوا
يوسف على أكتافهم ما دام
يعقوب يراهم ، ثم لما غابوا عن عينه طرحوه ليعدو معهم إضرارا به ، وذكر المفسرون أشياء كثيرة تتضمن كيفية إلقائه في غيابة الجب ومجاورته لهم بما يلين الصخر ، وهم لا يزدادون إلا قساوة ، ولم يتعرض القرآن ولا الحديث الصحيح لشيء منها ، فيوقف عليها في كتب التفسير ، وبين هذه الجملة والجمل التي قبلها محذوف يدل عليه المعنى تقديره : فأجابهم إلى ما سألوه وأرسل معهم
يوسف ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=15فلما ذهبوا به وأجمعوا ) أي : عزموا واتفقوا على إلقائه في الجب ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=15أن يجعلوه ) مفعول ( أجمعوا ) ، يقال : أجمع الأمر وأزمعه - بمعنى العزم عليه - واحتمل أن يكون الجعل هنا بمعنى الإلقاء ، وبمعنى التصيير ، واختلفوا في جواب ( لما ) أهو مثبت ؟ أو محذوف ؟ فمن قال : مثبت ، قال : هو قولهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17قالوا ياأبانا إنا ذهبنا نستبق ) أي : لما كان كيت وكيت ، قالوا وهو تخريج حسن ، وقيل : هو أوحينا ، والواو زائدة ، وعلى هذا مذهب
الكوفيين يزاد عندهم بعد لما ، وحتى إذا ، وعلى ذلك خرجوا قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=103فلما أسلما وتله للجبين وناديناه ) أي : ناديناه ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73حتى إذا جاءوها وفتحت ) أي : فتحت . وقول
امرئ القيس :
فلما أجزنا سـاحـة الحي وانتحى
أي : انتحى . ومن قال : هو محذوف ، وهو رأي
البصريين ، فقدره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فعلوا به ما فعلوا من الأذى ، وحكى الحكاية الطويلة فيما فعلوا به ، وما حاوروه وحاورهم به ، قدره بعضهم : فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب عظمت فتنتهم ، وقدره بعضهم : جعلوه فيها ، وهذا أولى ؛ إذ يدل عليه قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=15وأجمعوا أن يجعلوه ) والظاهر أن الضمير في (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=15وأوحينا إليه ) عائد على
يوسف ، وهو وحي إلهام قاله
مجاهد ، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أو منام ، وقال
الضحاك وقتادة : نزل عليه
جبريل في البئر ، وقال
الحسن : أعطاه الله النبوة في الجب وكان صغيرا ، كما أوحى إلى
يحيـى وعيسى عليهما السلام ، وهو ظاهر ( أوحينا ) ، ويدل على أن الضمير عائد على
يوسف قوله لهم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=89هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون ) . وقيل : الضمير في ( إليه ) عائد على يعقوب ، وإنما أوحي إليه
[ ص: 288 ] ليأنس في الظلمة من الوحدة ، وليبشر بما يئول إليه أمره ، ومعناه : للتخلص مما أنت فيه ، ولتحدثن إخوتك بما فعلوا بك ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=15وهم لا يشعرون ) جملة حالية من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=15لتنبئنهم بأمرهم هذا ) أي : غير عالمين أنك
يوسف وقت التنبئة قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، وذلك لعلو شأنك وعظمة سلطانك ، وبعد حالك عن أذهانهم ، ولطول العمر المبدل للهيئات والأشكال ، وذكر أنهم حين دخلوا عليه ممتارين فعرفهم وهم له منكرون ، دعا بالصواع فوضعه على يده ثم نقره فطن فقال : إنه ليخبرني هذا الجام أنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له :
يوسف ، وكان يدنيه دونكم ، وأنكم انطلقتم به وألقيتموه في غيابة الجب وقلتم لأبيكم : أكله الذئب ، وبيع بثمن بخس ، ويجوز أن يكون (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=15وهم لا يشعرون ) حالا من قوله : ( وأوحينا ) أي : وهم لا يشعرون ، قاله
قتادة ؛ أي : بإيحائنا إليك وما أخبرناك به من نجاتك وطول عمرك ، إلى أن تنبئهم بما فعلوا بك ، وقرأ الجمهور (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=15لتنبئنهم ) بتاء الخطاب ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر بياء الغيبة ، وكذا في بعض مصاحف البصرة . وقرأ ( سلامن ) بالنون .
والذي يظهر من سياق الأخبار والقصص أن
يوسف كان صغيرا ، فقيل : كان عمره إذ ذاك سبع سنين ، وقيل : ست قاله
الضحاك . وأبعد من ذهب إلى أنه اثنتا عشرة سنة ، وثمان عشرة سنة وكلاهما عن
الحسن ، أو سبع عشرة سنة قاله
ابن السائب ، ويدل على أنه كان صغيرا بحيث لا يدفع نفسه ، قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=13وأخاف أن يأكله الذئب ) ( ويرتع ويلعب ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=12وإنا له لحافظون ) ، وأخذ السيارة له ، وقول الوارد : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=19هذا غلام ) ، وقول
العزيز : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=21عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ) وما حكي من حملهم إياه واحدا بعد واحد ، ومن كلامه لأخيه يهوذا : ارحم ضعفي وعجزي وحداثة سني ، وارحم قلب أبيك
يعقوب ، ومن هو ابن ثمان عشرة سنة لا يخاف عليه من الذئب ولا سيما إن كان في رفقة ، ولا يقال فيه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=63وإنا له لحافظون ) لأنه إذ ذاك قادر على التحيل في نجاة نفسه ، ولا يسمى غلاما إلا بمجاز ، ولا يقال فيه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=21أو نتخذه ولدا ) .
و (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=16عشاء ) نصب على الظرف ، أو من العشوة ، والعشوة : الظلام ، فجمع على فعال ، مثل : راع ورعاء ، ويكون انتصابه على الحال كقراءة الحسن ( عشا ) على وزن دجى ، جمع عاش ، حذف منه الهاء كما حذفت في مالك ، وأصله مالكة ، وعن
الحسن ( عشيا ) على التصغير ، قيل : وإنما جاءوا عشاء ليكون أقدر على الاعتذار في الظلمة ، ولذا قيل : لا تطلب الحاجة بالليل فإن الحياء في العينين ، ولا تعتذر في النهار من ذنب فتتلجلج في الاعتذار ، وفي الكلام حذف تقديره : وجاءوا أباهم دون
يوسف عشاء يبكون ، فقال : أين
يوسف ؟ قالوا : إنا ذهبنا ، وروي أن
يعقوب لما سمع بكاءهم قال : ما لكم ، أجرى في الغنم شيء ؟ قالوا : لا . قال : فأين
يوسف ؟ قالوا : إنا ذهبنا نستبق فأكله الذئب ، فبكى ، وصاح ، وخر مغشيا عليه ، فأفاضوا عليه الماء فلم يتحرك ، ونادوه فلم يجب ، ووضع
يهوذا يده على مخارج نفسه فلم يحس بنفسه ولا تحرك له عرق فقال : ويل لنا من ديان يوم الدين الذي ضيعنا أخانا وقتلنا أبانا ، فلم يفق إلا ببرد السحر ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش : لا يصدق باك بعد إخوة
يوسف . و (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17نستبق ) أي : نترامى بالسهام ، أو نتجارى على الأقدام أينا أشد عدوا ، أو نستبق في أعمال نتوزعها من سقي ورعي واحتطاب ، أو نتصيد ؛ أربعة أقوال .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17عند متاعنا ) أي : عند ثيابنا ، وما تجردنا له حالة الاستباق ، وهذا أيضا يدل على صغر
يوسف ؛ إذ لو كان ابن ثمان عشرة سنة أو سبع عشرة لكان يستبق معهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17فأكله الذئب ) قد ذكرنا أنهم تلقنوا هذا الجواب من قول أبيهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=13وأخاف أن يأكله الذئب ) لأن أكل الذئب إياه كان أغلب ما كان خاف عليه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17وما أنت بمؤمن لنا ) أي : بمصدق لنا الآن ولو كنا صادقين ، أو لست مصدقا لنا على كل حال حتى في حالة الصدق ، لما غلب عليك من تهمتنا وكراهتنا في
يوسف ، وإنا نرتاد له الغوائل ، ونكيد له المكائد ، وأوهموا بقولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17ولو كنا صادقين ) أنهم صادقون في أكل الذئب
يوسف ، فيكون صدقهم مقيدا بهذه النازلة ، أو من أهل الصدق والثقة عند
يعقوب قبل هذه النازلة ، لشدة
[ ص: 289 ] محبتك
ليوسف ، فكيف وأنت سيء الظن بنا في هذه النازلة ، غير واثق بقولنا فيه ؟
روي أنهم أخذوا سخلة أو جديا فذبحوه ، ولطخوا قميص
يوسف بدمه ، وقالوا
ليعقوب : هذا قميص
يوسف فأخذه ، ولطخ به وجهه وبكى ، ثم تأمله فلم ير خرقا ولا ارتاب فاستدل بذلك على خلاف ما زعموا وقال لهم : متى كان الذئب حليما يأكل
يوسف ولا يخرق قميصه ؟ قيل : كان في قميص
يوسف ثلاث آيات ، كان دليلا
ليعقوب على أن
يوسف لم يأكله الذئب ، وألقاه على وجهه فارتد بصيرا ، ودليلا على براءة
يوسف حين قد من دبر ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فإن قلت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18على قميصه ) ما محله ؟ ( قلت ) : محله النصب على الظرف ، كأنه قيل : وجاءوا فوق قميصه بدم ، كما تقول : جاء على جماله بأحمال ، ( فإن قلت ) : هل يجوز أن يكون حالا مقدمة ؟ ( قلت ) : لا ؛ لأن حال المجرور لا يتقدم عليه ، انتهى . ولا يساعد المعنى على نصب " على " على الظرف بمعنى فوق ؛ لأن العامل فيه إذ ذاك ( جاءوا ) ، وليس الفوق ظرفا لهم ، بل يستحيل أن يكون ظرفا لهم ، وقال
الحوفي : ( على ) متعلق بـ ( جاءوا ) ولا يصح أيضا ، وأما المثال الذي ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري وهو جاء على جماله بأحمال فيمكن أن يكون ظرفا للجائي ؛ لأنه تمكن الظرفية فيه باعتبار تبدله من جمل على جمل ، ويكون بأحمال في موضع الحال ؛ أي : مصحوبا بأحمال ، وقال
أبو البقاء : على قميصه في موضع نصب حالا من الدم ؛ لأن التقدير : جاءوا بدم كذب على قميصه ، انتهى . وتقديم الحال على المجرور بالحرف غير الزائد في جوازه خلاف ، ومن أجاز استدل على ذلك بأنه موجود في لسان العرب ، وأنشد على ذلك شواهد هي مذكورة في علم النحو ، والمعنى : يرشد إلى ما قاله
أبو البقاء .
وقرأ الجمهور : ( كذب ) وصف لـ ( دم ) على سبيل المبالغة ، أو على حذف مضاف ؛ أي : ذي كذب ، لما كان دالا على الكذب وصف به ، وإن كان الكذب صادرا من غيره ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15948زيد بن علي : ( كذبا ) بالنصب ، فاحتمل أن يكون مصدرا في موضع الحال ، وأن يكون مفعولا من أجله ، وقرأت
عائشة والحسن : ( كدب ) بالدال غير معجمة ، وفسر بالكدر ، وقيل : الطري ، وقيل : اليابس ، وقال صاحب اللوامح : ومعناه ذي كذب ؛ أي : أثر ؛ لأن الكذب هو بياض يخرج في أظافير الشبان ويؤثر فيها ، فهو كالنقش ، ويسمى ذلك البياض الفوف ، فيكون هذا استعارة لتأثيره في القميص ، كتأثير ذلك في الأظافير ، قال : ( بل سولت ) هنا محذوف تقديره : لم يأكله الذئب بل سولت ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أمرتكم أمرا ، وقال
قتادة : زينت ، وقيل : رضيت أمرا ؛ أي : صنيعا قبيحا ، وقيل : سهلت ، فصبر جميل ؛ أي : فأمري صبر جميل ، أو فصبر جميل أمثل ، وقرأ
أبي ،
والأشهب وعيسى بن عمر : ( فصبرا جميلا ) بنصبهما ، وكذا هي في مصحف
أبي ، ومصحف
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك ، وروي كذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي ، ونصبه على المصدر الخبري ؛ أي : فاصبر صبرا جميلا ، قيل : وهي قراءة ضعيفة عند
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ، ولا يصلح النصب في مثل هذا إلا مع الأمر ، وكذلك يحسن النصب في قوله :
شكا إلي جملي طول السرى صبرا جميلا فكلانا مبتلى
ويروى " صبر جميل " في البيت ، وإنما تصح قراءة النصب على أن يقدر أن
يعقوب رجع إلى مخاطبة نفسه فكأنه قال : فاصبري يا نفس صبرا جميلا ، وفي الحديث : "
أن الصبر الجميل أنه الذي لا شكوى فيه " أي : إلى الخلق ، ألا ترى إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=86إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ) وقيل : أتجمل لكم في صبري فلا أعاشركم على كآبة الوجه ، وعبوس الجبين ، بل على ما كنت عليه معكم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري : من الصبر أن لا تحدث بما يوجعك ولا بمصيبتك ولا تبكي نفسك .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18والله المستعان ) أي : المطلوب منه العون على احتمال ما تصفون من هلاك
يوسف ، والصبر على الرزية .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=19وجاءت سيارة ) قيل : كانوا من مدين قاصدين إلى مصر ، وقيل : في الكلام حذف تقديره : وأقام
يوسف في الجب ثلاثة أيام ، وكان أخوه
[ ص: 290 ] يهوذا يأتيه بالطعام خفية من إخوته . وقيل : جاءت السيارة في اليوم الثاني من طرحه في الجب . وقيل : كان التسبيح غذاءه في الجب . قيل : وكانت السيارة تائهة تسير من أرض إلى أرض ، وقيل : سيارة في الطريق أخطأوه فنزلوا قريبا من الجب ، وكان في قفرة بعيدة من العمران لم تكن إلا للرعاة ، وفيهم
مالك بن دعر الخزاعي فأرسلوه ليطلب لهم الماء ، والوارد الذي يرد الماء ليستقي للقوم ، وإضافة الوارد للضمير كإضافته في قوله : ألقيت كاسبهم ، ليست إضافة إلى المفعول ، بل المعنى الذي يرد عليهم والذي يكسب لهم ، والظاهر أن الوارد واحد ، وقال
ابن عطية : والوارد هنا يمكن أن يقع على الواحد وعلى جماعة ، انتهى . وحمل على معنى السيارة في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=19فأرسلوا ) ، ولو حمل على اللفظ لكان الترتيب فأرسلت واردها . (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=19فأدلى دلوه ) أي : أرسلها ليستقي الماء قال : يا بشراي ، في الكلام حذف تقديره : فتعلق
يوسف بحبل الدلو ، فلما بصر به المدلي قال : يا بشراي ، وتعلقه بالحبل يدل على صغره ، إذ لو كان ابن ثمانية عشر أو سبعة عشر لم يحمله الحبل غالبا ، ولفظة غلام ترجح ذلك ، إذ يطلق عليه ما بين الحولين إلى البلوغ حقيقة ، وقد يطلق على الرجل الكامل لقول
ليلى الأخيلية في
nindex.php?page=showalam&ids=14078الحجاج بن يوسف :
غلام إذا هز القناة سقاها
وقوله : يا بشراي ؛ هو على سبيل السرور والفرح
بيوسف ، إذ رأى أحسن ما خلق ، وأبعد
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي في زعمه أن ( بشرى ) اسم رجل ، وأضاف البشرى إلى نفسه فكأنه قال تعالى : فهذا من آونتك ، وقرأ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=19يابشرى ) بغير إضافة
الكوفيون ، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=17274ورش عن
نافع : ( يا بشراي ) : بسكون ياء الإضافة ، وهو جمع بين ساكنين على غير حدة وتقدم تقرير مثله في ( ومحياي ) وقرأ
أبو الطفيل والحسن وابن أبي إسحاق والجحدري : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=19يابشرى ) بقلب الألف ياء وإدغامها في ياء الإضافة ، وهي لغة لهذيل ، ولناس غيرهم تقدم الكلام عليها في البقرة ، في (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=38فمن تبع هداي ) قيل : ذهب به الوارد ، فلما دنا من أصحابه صاح بذلك ، فبشرهم به وأسروه ، الظاهر أن الضمير للسيارة التي الوارد منهم أي : أخفوه من الرفقة ، أو كتموا أمره من وجدانهم له في الجب وقالوا : دفعه إلينا أهل الماء لنبيعه لهم بمصر ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : الضمير في (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=19وأسروه ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=20وشروه ) لإخوة
يوسف ، وأنهم قالوا للرفقة : هذا غلام قد أبق لنا فاشتروه منا ، وسكت
يوسف مخافة أن يقتلوه ، وذلك أنه روي أن بعضهم رجع إلى الجب ليتحققوا أمر
يوسف ويقفوا على الحقيقة من فقده ، فلما علموا أن الوارد قد أخذوه ، جاءوهم وقالوا تلك المقالة ، وانتصب بضاعة على الحال أي : متجرا لهم ومكسبا . (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=19والله عليم بما يعملون ) أي : لم تخف عليه أسرارهم ، وهو وعيد لهم حيث استبضعوا ما ليس لهم ، أو والله عليم بعمل إخوة
يوسف بأبيهم وأخيهم من سوء الصنع ، وفي ذلك أعظم تذكار بما فعلوا
بيوسف ، قيل : أوحى الله إليه في الجب أن لا يطلع أباه ولا غيره على حاله ، لحكمة أراد مضاءها ، وظهر بعد ذلك ما جرى له من جعله على خزائن الأرض ، وإحواج إخوته إليه ، ورفع أبويه على العرش ، وما جرى مجرى ذلك مما كان مكنونا في القدر .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=28983فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=16وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17قَالُوا يَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=19وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَابُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ )
[ ص: 287 ] حُكِيَ أَنَّهُمْ قَالُوا
لِيُوسُفَ : اطْلُبْ مِنْ أَبِيكَ أَنْ يَبْعَثَكَ مَعَنَا ، فَأَقْبَلَ عَلَى
يُوسُفَ فَقَالَ : أَتُحِبُّ ذَلِكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ
يَعْقُوبُ : إِذَا كَانَ غَدًا أَذِنْتُ لَكَ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ
يُوسُفُ لَبِسَ ثِيَابَهُ وَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْطَقَتَهُ ، وَخَرَجَ مَعَ إِخْوَتِهِ فَشَيَّعَهُمْ
يَعْقُوبُ وَقَالَ : يَا بَنِيَّ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَبِحَبِيبِي
يُوسُفَ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى
يُوسُفَ وَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ثُمَّ قَالَ : اسْتَوْدَعَتُكَ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ، وَانْصَرَفَ فَحَمَلُوا
يُوسُفَ عَلَى أَكْتَافِهِمْ مَا دَامَ
يَعْقُوبُ يَرَاهُمْ ، ثُمَّ لَمَّا غَابُوا عَنْ عَيْنِهِ طَرَحُوهُ لِيَعْدُوَ مَعَهُمْ إِضْرَارًا بِهِ ، وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً تَتَضَمَّنُ كَيْفِيَّةَ إِلْقَائِهِ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَمُجَاوَرَتِهِ لَهُمْ بِمَا يُلِينُ الصَّخْرَ ، وَهُمْ لَا يَزْدَادُونَ إِلَّا قَسَاوَةً ، وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْقُرْآنُ وَلَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ لِشَيْءٍ مِنْهَا ، فَيُوقَفَ عَلَيْهَا فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ ، وَبَيْنَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَالْجُمَلِ الَّتِي قَبْلَهَا مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَعْنَى تَقْدِيرُهُ : فَأَجَابَهُمْ إِلَى مَا سَأَلُوهُ وَأَرْسَلَ مَعَهُمْ
يُوسُفَ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=15فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا ) أَيْ : عَزَمُوا وَاتَّفَقُوا عَلَى إِلْقَائِهِ فِي الْجُبِّ ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=15أَنْ يَجْعَلُوهُ ) مَفْعُولُ ( أَجْمَعُوا ) ، يُقَالُ : أَجْمَعَ الْأَمْرَ وَأَزْمَعَهُ - بِمَعْنَى الْعَزْمِ عَلَيْهِ - وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْجَعْلُ هُنَا بِمَعْنَى الْإِلْقَاءِ ، وَبِمَعْنَى التَّصْيِيرِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَابِ ( لَمَّا ) أَهْوَ مُثْبَتٌ ؟ أَوْ مَحْذُوفٌ ؟ فَمَنْ قَالَ : مُثْبَتٌ ، قَالَ : هُوَ قَوْلُهُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17قَالُوا يَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ ) أَيْ : لَمَّا كَانَ كَيْتَ وَكَيْتَ ، قَالُوا وَهُوَ تَخْرِيجٌ حَسَنٌ ، وَقِيلَ : هُوَ أَوْحَيْنَا ، وَالْوَاوُ زَائِدَةٌ ، وَعَلَى هَذَا مَذْهَبُ
الْكُوفِيِّينَ يُزَادُ عِنْدَهُمْ بَعْدَ لَمَّا ، وَحَتَّى إِذَا ، وَعَلَى ذَلِكَ خَرَّجُوا قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=103فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ ) أَيْ : نَادَيْنَاهُ ، وَقَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ ) أَيْ : فُتِحَتْ . وَقَوْلَ
امْرِئِ الْقَيْسِ :
فَلَمَّا أَجَزْنَا سَـاحَـةَ الْحَيِّ وَانْتَحَى
أَيِ : انْتَحَى . وَمَنْ قَالَ : هُوَ مَحْذُوفٌ ، وَهُوَ رَأْيُ
الْبَصْرِيِّينَ ، فَقَدَّرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : فَعَلُوا بِهِ مَا فَعَلُوا مِنَ الْأَذَى ، وَحَكَى الْحِكَايَةَ الطَّوِيلَةَ فِيمَا فَعَلُوا بِهِ ، وَمَا حَاوَرُوهُ وَحَاوَرَهُمْ بِهِ ، قَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ : فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ عَظُمَتْ فِتْنَتُهُمْ ، وَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ : جَعَلُوهُ فِيهَا ، وَهَذَا أَوْلَى ؛ إِذْ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=15وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=15وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ ) عَائِدٌ عَلَى
يُوسُفَ ، وَهُوَ وَحْيُ إِلْهَامٍ قَالَهُ
مُجَاهِدٌ ، وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : أَوْ مَنَامٍ ، وَقَالَ
الضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ : نَزَلَ عَلَيْهِ
جِبْرِيلُ فِي الْبِئْرِ ، وَقَالَ
الْحَسَنُ : أَعْطَاهُ اللَّهُ النُّبُوَّةَ فِي الْجُبِّ وَكَانَ صَغِيرًا ، كَمَا أَوْحَى إِلَى
يَحْيَـى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ ( أَوْحَيْنَا ) ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى
يُوسُفَ قَوْلُهُ لَهُمْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=89هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ ) . وَقِيلَ : الضَّمِيرُ فِي ( إِلَيْهِ ) عَائِدٌ عَلَى يَعْقُوبَ ، وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ
[ ص: 288 ] لِيَأْنَسَ فِي الظُّلْمَةِ مِنَ الْوَحْدَةِ ، وَلِيُبَشَّرَ بِمَا يَئُولُ إِلَيْهِ أَمْرُهُ ، وَمَعْنَاهُ : لِلتَّخَلُّصِ مِمَّا أَنْتَ فِيهِ ، وَلَتُحَدِّثَنَّ إِخْوَتَكَ بِمَا فَعَلُوا بِكَ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=15وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=15لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا ) أَيْ : غَيْرَ عَالِمِينَ أَنَّكَ
يُوسُفُ وَقْتَ التَّنْبِئَةِ قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ ، وَذَلِكَ لِعُلُوِّ شَأْنِكَ وَعَظَمَةِ سُلْطَانِكَ ، وَبُعْدِ حَالِكَ عَنْ أَذْهَانِهِمْ ، وَلِطُولِ الْعُمُرِ الْمُبْدِلِ لِلْهَيْئَاتِ وَالْأَشْكَالِ ، وَذَكَرَ أَنَّهُمْ حِينَ دَخَلُوا عَلَيْهِ مُمْتَارِينَ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ، دَعَا بِالصُّوَاعِ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ ثُمَّ نَقَرَهُ فَطَنَّ فَقَالَ : إِنَّهُ لَيُخْبِرُنِي هَذَا الْجَامُ أَنَّهُ كَانَ لَكُمْ أَخٌ مِنْ أَبِيكُمْ يُقَالُ لَهُ :
يُوسُفُ ، وَكَانَ يُدْنِيهِ دُونَكُمْ ، وَأَنَّكُمُ انْطَلَقْتُمْ بِهِ وَأَلْقَيْتُمُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَقُلْتُمْ لِأَبِيكُمْ : أَكَلَهُ الذِّئْبُ ، وَبِيعَ بِثَمَنٍ بَخْسٍ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=15وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) حَالًا مِنْ قَوْلِهِ : ( وَأَوْحَيْنَا ) أَيْ : وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ، قَالَهُ
قَتَادَةُ ؛ أَيْ : بِإِيحَائِنَا إِلَيْكَ وَمَا أَخْبَرْنَاكَ بِهِ مِنْ نَجَاتِكَ وَطُولِ عُمُرِكَ ، إِلَى أَنْ تُنَبِّئَهُمْ بِمَا فَعَلُوا بِكَ ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=15لَتُنَبِّئَنَّهُمْ ) بِتَاءِ الْخِطَابِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وَابْنُ عُمَرَ بِيَاءِ الْغَيْبَةِ ، وَكَذَا فِي بَعْضِ مَصَاحِفِ الْبَصْرَةِ . وَقَرَأَ ( سَلَامُنْ ) بِالنُّونِ .
وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ سِيَاقِ الْأَخْبَارِ وَالْقَصَصِ أَنَّ
يُوسُفَ كَانَ صَغِيرًا ، فَقِيلَ : كَانَ عُمُرُهُ إِذْ ذَاكَ سَبْعَ سِنِينَ ، وَقِيلَ : سِتٌّ قَالَهُ
الضَّحَّاكُ . وَأَبْعَدُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً ، وَثَمَانَ عَشْرَةَ سَنَةً وَكِلَاهُمَا عَنِ
الْحَسَنِ ، أَوْ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً قَالَهُ
ابْنُ السَّائِبِ ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا بِحَيْثُ لَا يَدْفَعُ نَفْسَهُ ، قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=13وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ ) ( وَيَرْتَعْ وَيَلْعَبْ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=12وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ، وَأَخْذُ السَّيَّارَةِ لَهُ ، وَقَوْلُ الْوَارِدِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=19هَذَا غُلَامٌ ) ، وَقَوْلُ
الْعَزِيزِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=21عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ) وَمَا حُكِيَ مِنْ حَمْلِهِمْ إِيَّاهُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ ، وَمِنْ كَلَامِهِ لِأَخِيهِ يَهُوذَا : ارْحَمْ ضَعْفِي وَعَجْزِي وَحَدَاثَةَ سِنِّي ، وَارْحَمْ قَلْبَ أَبِيكَ
يَعْقُوبَ ، وَمَنْ هُوَ ابْنُ ثَمَانَ عَشْرَةَ سَنَةً لَا يُخَافُ عَلَيْهِ مِنَ الذِّئْبِ وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ فِي رُفْقَةٍ ، وَلَا يُقَالُ فِيهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=63وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) لِأَنَّهُ إِذْ ذَاكَ قَادِرٌ عَلَى التَّحَيُّلِ فِي نَجَاةِ نَفْسِهِ ، وَلَا يُسَمَّى غُلَامًا إِلَّا بِمَجَازٍ ، وَلَا يُقَالُ فِيهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=21أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ) .
وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=16عِشَاءً ) نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِ ، أَوْ مِنَ الْعَشْوَةِ ، وَالْعَشْوَةُ : الظَّلَامُ ، فَجُمِعَ عَلَى فِعَالٍ ، مِثْلَ : رَاعٍ وَرِعَاءٍ ، وَيَكُونُ انْتِصَابُهُ عَلَى الْحَالِ كَقِرَاءَةِ الْحَسَنِ ( عُشًا ) عَلَى وَزْنِ دُجًى ، جَمْعُ عَاشٍ ، حُذِفَ مِنْهُ الْهَاءُ كَمَا حُذِفَتْ فِي مَالِكٍ ، وَأَصْلُهُ مَالِكَةٌ ، وَعَنِ
الْحَسَنِ ( عُشَيًّا ) عَلَى التَّصْغِيرِ ، قِيلَ : وَإِنَّمَا جَاءُوا عِشَاءً لِيَكُونَ أَقْدَرَ عَلَى الِاعْتِذَارِ فِي الظُّلْمَةِ ، وَلِذَا قِيلَ : لَا تَطْلِبِ الْحَاجَةَ بِاللَّيْلِ فَإِنَّ الْحَيَاءَ فِي الْعَيْنَيْنِ ، وَلَا تَعْتَذِرْ فِي النَّهَارِ مِنْ ذَنْبٍ فَتَتَلَجْلَجُ فِي الِاعْتِذَارِ ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ : وَجَاءُوا أَبَاهُمْ دُونَ
يُوسُفَ عِشَاءً يَبْكُونَ ، فَقَالَ : أَيْنَ
يُوسُفُ ؟ قَالُوا : إِنَّا ذَهَبْنَا ، وَرُوِيَ أَنَّ
يَعْقُوبَ لَمَّا سَمِعَ بُكَاءَهُمْ قَالَ : مَا لَكُمْ ، أَجَرَى فِي الْغَنَمِ شَيْءٌ ؟ قَالُوا : لَا . قَالَ : فَأَيْنَ
يُوسُفُ ؟ قَالُوا : إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ، فَبَكَى ، وَصَاحَ ، وَخَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ ، فَأَفَاضُوا عَلَيْهِ الْمَاءَ فَلَمْ يَتَحَرَّكْ ، وَنَادَوْهُ فَلَمْ يُجِبْ ، وَوَضَعَ
يَهُوذَا يَدَهُ عَلَى مَخَارِجَ نَفَسِهِ فَلَمْ يُحِسَّ بِنَفَسِهِ وَلَا تَحَرَّكَ لَهُ عِرْقٌ فَقَالَ : وَيْلٌ لَنَا مِنْ دَيَّانِ يَوْمِ الدَّيْنِ الَّذِي ضَيَّعْنَا أَخَانَا وَقَتَلْنَا أَبَانَا ، فَلَمْ يُفِقْ إِلَّا بِبَرْدِ السَّحَرِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الْأَعْمَشُ : لَا يُصَدَّقُ بَاكٍ بَعْدَ إِخْوَةِ
يُوسُفَ . وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17نَسْتَبِقُ ) أَيْ : نَتَرَامَى بِالسِّهَامِ ، أَوْ نَتَجَارَى عَلَى الْأَقْدَامِ أَيُّنَا أَشَدُّ عَدْوًا ، أَوْ نَسْتَبِقُ فِي أَعْمَالٍ نَتَوَزَّعُهَا مِنْ سَقْيٍ وَرَعْيٍ وَاحْتِطَابٍ ، أَوْ نَتَصَيَّدُ ؛ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17عِنْدَ مَتَاعِنَا ) أَيْ : عِنْدَ ثِيَابِنَا ، وَمَا تَجَرَّدْنَا لَهُ حَالَةَ الِاسْتِبَاقِ ، وَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى صِغَرِ
يُوسُفَ ؛ إِذْ لَوْ كَانَ ابْنَ ثَمَانَ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ سَبْعَ عَشْرَةَ لَكَانَ يَسْتَبِقُ مَعَهُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُمْ تَلَقَّنُوا هَذَا الْجَوَابَ مِنْ قَوْلِ أَبِيهِمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=13وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ ) لِأَنَّ أَكْلَ الذِّئْبِ إِيَّاهُ كَانَ أَغْلَبَ مَا كَانَ خَافَ عَلَيْهِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا ) أَيْ : بِمُصَدِّقٍ لَنَا الْآنَ وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ، أَوَ لَسْتَ مُصَدِّقًا لَنَا عَلَى كُلِّ حَالٍ حَتَّى فِي حَالَةِ الصِّدْقِ ، لِمَا غَلَبَ عَلَيْكَ مِنْ تُهْمَتِنَا وَكَرَاهَتِنَا فِي
يُوسُفَ ، وَإِنَّا نَرْتَادُ لَهُ الْغَوَائِلَ ، وَنَكِيدُ لَهُ الْمَكَائِدَ ، وَأَوْهَمُوا بِقَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ) أَنَّهُمْ صَادِقُونَ فِي أَكْلِ الذِّئْبِ
يُوسُفَ ، فَيَكُونُ صِدْقُهُمْ مُقَيَّدًا بِهَذِهِ النَّازِلَةِ ، أَوْ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالثِّقَةِ عِنْدَ
يَعْقُوبَ قَبْلَ هَذِهِ النَّازِلَةِ ، لِشِدَّةِ
[ ص: 289 ] مَحَبَّتِكَ
لِيُوسُفَ ، فَكَيْفَ وَأَنْتَ سَيِّءُ الظَّنِّ بِنَا فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ ، غَيْرُ وَاثِقٍ بِقَوْلِنَا فِيهِ ؟
رُوِيَ أَنَّهُمْ أَخَذُوا سَخْلَةً أَوْ جَدْيًا فَذَبَحُوهُ ، وَلَطَّخُوا قَمِيصَ
يُوسُفَ بِدَمِهِ ، وَقَالُوا
لِيَعْقُوبَ : هَذَا قَمِيصُ
يُوسُفَ فَأَخَذَهُ ، وَلَطَّخَ بِهِ وَجْهَهُ وَبَكَى ، ثُمَّ تَأَمَّلَهُ فَلَمْ يَرَ خَرْقًا وَلَا ارْتَابَ فَاسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى خِلَافِ مَا زَعَمُوا وَقَالَ لَهُمْ : مَتَى كَانَ الذِّئْبُ حَلِيمًا يَأْكُلُ
يُوسُفَ وَلَا يَخْرِقُ قَمِيصَهُ ؟ قِيلَ : كَانَ فِي قَمِيصِ
يُوسُفَ ثَلَاثُ آيَاتٍ ، كَانَ دَلِيلًا
لِيَعْقُوبَ عَلَى أَنَّ
يُوسُفَ لَمْ يَأْكُلْهُ الذِّئْبُ ، وَأَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا ، وَدَلِيلًا عَلَى بَرَاءَةِ
يُوسُفَ حِينَ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : فَإِنْ قُلْتَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18عَلَى قَمِيصِهِ ) مَا مَحَلُّهُ ؟ ( قُلْتُ ) : مَحَلُّهُ النَّصْبُ عَلَى الظَّرْفِ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : وَجَاءُوا فَوْقَ قَمِيصِهِ بِدَمٍ ، كَمَا تَقُولُ : جَاءَ عَلَى جِمَالِهِ بِأَحْمَالٍ ، ( فَإِنْ قُلْتَ ) : هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مُقَدَّمَةً ؟ ( قُلْتُ ) : لَا ؛ لِأَنَّ حَالَ الْمَجْرُورِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ ، انْتَهَى . وَلَا يُسَاعِدُ الْمَعْنَى عَلَى نَصْبِ " عَلَى " عَلَى الظَّرْفِ بِمَعْنَى فَوْقَ ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِيهِ إِذْ ذَاكَ ( جَاءُوا ) ، وَلَيْسَ الْفَوْقُ ظَرْفًا لَهُمْ ، بَلْ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لَهُمْ ، وَقَالَ
الْحَوْفِيُّ : ( عَلَى ) مُتَعَلِّقٌ بِـ ( جَاءُوا ) وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا ، وَأَمَّا الْمِثَالُ الَّذِي ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ وَهُوَ جَاءَ عَلَى جِمَالِهِ بِأَحْمَالٍ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِلْجَائِي ؛ لِأَنَّهُ تَمَكَّنَ الظَّرْفِيَّةُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ تَبَدُّلِهِ مِنْ جَمَلٍ عَلَى جَمَلٍ ، وَيَكُونُ بِأَحْمَالٍ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ؛ أَيْ : مَصْحُوبًا بِأَحْمَالٍ ، وَقَالَ
أَبُو الْبَقَاءِ : عَلَى قَمِيصِهِ فِي مَوْضِعِ نَصْبِ حَالًا مِنَ الدَّمِ ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ : جَاءُوا بِدَمٍ كَذِبٍ عَلَى قَمِيصِهِ ، انْتَهَى . وَتَقْدِيمُ الْحَالِ عَلَى الْمَجْرُورِ بِالْحَرْفِ غَيْرِ الزَّائِدِ فِي جَوَازِهِ خِلَافٌ ، وَمَنْ أَجَازَ اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ ، وَأَنْشَدَ عَلَى ذَلِكَ شَوَاهِدَ هِيَ مَذْكُورَةٌ فِي عِلْمِ النَّحْوِ ، وَالْمَعْنَى : يُرْشِدُ إِلَى مَا قَالَهُ
أَبُو الْبَقَاءِ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : ( كَذِبٍ ) وَصْفٌ لِـ ( دَمٍ ) عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ ، أَوْ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ ؛ أَيْ : ذِي كَذِبٍ ، لَمَّا كَانَ دَالًّا عَلَى الْكَذِبِ وُصِفَ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْكَذِبُ صَادِرًا مِنْ غَيْرِهِ ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=15948زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ : ( كَذِبًا ) بِالنَّصْبِ ، فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ، وَأَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مِنْ أَجْلِهِ ، وَقَرَأَتْ
عَائِشَةُ وَالْحَسَنُ : ( كَدِبٍ ) بِالدَّالِ غَيْرَ مُعْجَمَةٍ ، وَفُسِّرَ بِالْكَدَرِ ، وَقِيلَ : الطَّرِيُّ ، وَقِيلَ : الْيَابِسُ ، وَقَالَ صَاحِبُ الْلَوَامِحِ : وَمَعْنَاهُ ذِي كَذِبٍ ؛ أَيْ : أَثَرٍ ؛ لِأَنَّ الْكَذِبَ هُوَ بَيَاضٌ يَخْرُجُ فِي أَظَافِيرِ الشُّبَّانِ وَيُؤَثِّرُ فِيهَا ، فَهُوَ كَالنَّقْشِ ، وَيُسَمَّى ذَلِكَ الْبَيَاضُ الْفُوفَ ، فَيَكُونُ هَذَا اسْتِعَارَةً لِتَأْثِيرِهِ فِي الْقَمِيصِ ، كَتَأْثِيرِ ذَلِكَ فِي الْأَظَافِيرِ ، قَالَ : ( بَلْ سَوَّلَتْ ) هُنَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ : لَمْ يَأْكُلْهُ الذِّئْبُ بَلْ سَوَّلَتْ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : أَمَرْتُكُمْ أَمْرًا ، وَقَالَ
قَتَادَةُ : زَيَّنَتْ ، وَقِيلَ : رَضِيَتْ أَمْرًا ؛ أَيْ : صَنِيعًا قَبِيحًا ، وَقِيلَ : سَهَّلَتْ ، فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ؛ أَيْ : فَأَمْرِي صَبْرٌ جَمِيلٌ ، أَوْ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ أَمْثَلُ ، وَقَرَأَ
أُبَيٌّ ،
وَالْأَشْهَبُ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ : ( فَصَبْرًا جَمِيلًا ) بِنَصْبِهِمَا ، وَكَذَا هِيَ فِي مُصْحَفِ
أُبَيٍّ ، وَمُصْحَفِ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، وَرُوِيَ كَذَلِكَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيِّ ، وَنَصَبَهُ عَلَى الْمَصْدَرِ الْخَبَرِيِّ ؛ أَيْ : فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ، قِيلَ : وَهِيَ قِرَاءَةٌ ضَعِيفَةٌ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ ، وَلَا يَصْلُحُ النَّصْبُ فِي مِثْلِ هَذَا إِلَّا مَعَ الْأَمْرِ ، وَكَذَلِكَ يَحْسُنُ النَّصْبُ فِي قَوْلِهِ :
شَكَا إِلَيَّ جَمَلِي طُولَ السَّرَى صَبْرًا جَمِيلًا فَكِلَانَا مُبْتَلَى
وَيُرْوَى " صَبْرٌ جَمِيلٌ " فِي الْبَيْتِ ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ قِرَاءَةُ النَّصْبِ عَلَى أَنْ يُقَدَّرَ أَنَّ
يَعْقُوبَ رَجَعَ إِلَى مُخَاطَبَةِ نَفْسِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ : فَاصْبِرِي يَا نَفْسُ صَبْرًا جَمِيلًا ، وَفِي الْحَدِيثِ : "
أَنَّ الصَّبْرَ الْجَمِيلَ أَنَّهُ الَّذِي لَا شَكْوَى فِيهِ " أَيْ : إِلَى الْخَلْقِ ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=86إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ) وَقِيلَ : أَتَجَمَّلُ لَكُمْ فِي صَبْرِي فَلَا أُعَاشِرُكُمْ عَلَى كَآبَةِ الْوَجْهِ ، وَعُبُوسِ الْجَبِينِ ، بَلْ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ مَعَكُمْ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثَّوْرِيُّ : مِنَ الصَّبْرِ أَنْ لَا تُحَدِّثَ بِمَا يُوجِعُكَ وَلَا بِمُصِيبَتِكَ وَلَا تَبْكِي نَفْسَكَ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ ) أَيْ : الْمَطْلُوبُ مِنْهُ الْعَوْنُ عَلَى احْتِمَالِ مَا تَصِفُونَ مِنْ هَلَاكِ
يُوسُفَ ، وَالصَّبْرُ عَلَى الرَّزِيَّةِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=19وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ ) قِيلَ : كَانُوا مِنْ مَدْيَنَ قَاصِدِينَ إِلَى مِصْرَ ، وَقِيلَ : فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ : وَأَقَامَ
يُوسُفُ فِي الْجُبِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَكَانَ أَخُوهُ
[ ص: 290 ] يَهُوذَا يَأْتِيهِ بِالطَّعَامِ خِفْيَةً مِنْ إِخْوَتِهِ . وَقِيلَ : جَاءَتِ السَّيَّارَةُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ طَرْحِهِ فِي الْجُبِّ . وَقِيلَ : كَانَ التَّسْبِيحُ غِذَاءَهُ فِي الْجُبِّ . قِيلَ : وَكَانَتِ السَّيَّارَةُ تَائِهَةً تَسِيرُ مِنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ ، وَقِيلَ : سَيَّارَةٌ فِي الطَّرِيقِ أَخْطَأُوهُ فَنَزَلُوا قَرِيبًا مِنَ الْجُبِّ ، وَكَانَ فِي قَفْرَةٍ بَعِيدَةٍ مِنَ الْعُمْرَانِ لَمْ تَكُنْ إِلَّا لِلرُّعَاةِ ، وَفِيهِمْ
مَالِكُ بْنُ دُعْرٍ الْخُزَاعِيُّ فَأَرْسَلُوهُ لِيَطْلُبَ لَهُمُ الْمَاءَ ، وَالْوَارِدُ الَّذِي يَرِدُ الْمَاءَ لِيَسْتَقِيَ لِلْقَوْمِ ، وَإِضَافَةُ الْوَارِدِ لِلضَّمِيرِ كَإِضَافَتِهِ فِي قَوْلِهِ : أَلْقَيْتُ كَاسِبَهُمْ ، لَيْسَتْ إِضَافَةً إِلَى الْمَفْعُولِ ، بَلِ الْمَعْنَى الَّذِي يَرِدُ عَلَيْهِمْ وَالَّذِي يَكْسِبُ لَهُمْ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَارِدَ وَاحِدٌ ، وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَالْوَارِدُ هُنَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْوَاحِدِ وَعَلَى جَمَاعَةٍ ، انْتَهَى . وَحُمِلَ عَلَى مَعْنَى السَّيَّارَةِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=19فَأَرْسَلُوا ) ، وَلَوْ حُمِلَ عَلَى اللَّفْظِ لَكَانَ التَّرْتِيبُ فَأَرْسَلَتْ وَارِدَهَا . (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=19فَأَدْلَى دَلْوَهُ ) أَيْ : أَرْسَلَهَا لِيَسْتَقِيَ الْمَاءَ قَالَ : يَا بُشْرَايَ ، فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ : فَتَعَلَّقَ
يُوسُفُ بِحَبْلِ الدَّلْوِ ، فَلَمَّا بَصُرَ بِهِ الْمُدْلِي قَالَ : يَا بُشْرَايَ ، وَتَعَلُّقُهُ بِالْحَبْلِ يَدُلُّ عَلَى صِغَرِهِ ، إِذْ لَوْ كَانَ ابْنَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ لَمْ يَحْمِلْهُ الْحَبْلُ غَالِبًا ، وَلَفْظَةُ غُلَامٍ تُرَجِّحُ ذَلِكَ ، إِذْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ مَا بَيْنَ الْحَوْلَيْنِ إِلَى الْبُلُوغِ حَقِيقَةً ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الرَّجُلِ الْكَامِلِ لِقَوْلِ
لَيْلَى الْأَخْيَلِيَّةِ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=14078الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ :
غُلَامٌ إِذَا هَزَّ الْقَنَاةَ سَقَاهَا
وَقَوْلُهُ : يَا بُشْرَايَ ؛ هُوَ عَلَى سَبِيلِ السُّرُورِ وَالْفَرَحِ
بِيُوسُفَ ، إِذْ رَأَى أَحْسَنَ مَا خَلَقَ ، وَأَبْعَدَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ فِي زَعْمِهِ أَنَّ ( بُشْرَى ) اسْمُ رَجُلٍ ، وَأَضَافَ الْبُشْرَى إِلَى نَفْسِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى : فَهَذَا مِنْ آوِنَتِكَ ، وَقَرَأَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=19يَابُشْرَى ) بِغَيْرِ إِضَافَةٍ
الْكُوفِيُّونَ ، وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=17274وَرْشٌ عَنْ
نَافِعٍ : ( يَا بُشْرَايْ ) : بِسُكُونِ يَاءِ الْإِضَافَةِ ، وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ سَاكِنَيْنِ عَلَى غَيْرِ حِدَّةٍ وَتَقَدَّمَ تَقْرِيرُ مِثْلِهِ فِي ( وَمَحْيَايَ ) وَقَرَأَ
أَبُو الطُّفَيْلِ وَالْحَسَنُ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَالْجَحْدَرِيُّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=19يَابُشْرَى ) بِقَلْبِ الْأَلِفِ يَاءً وَإِدْغَامِهَا فِي يَاءِ الْإِضَافَةِ ، وَهِيَ لُغَةٌ لِهُذَيْلٍ ، وَلِنَاسٍ غَيْرِهِمْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي الْبَقَرَةِ ، فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=38فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ ) قِيلَ : ذَهَبَ بِهِ الْوَارِدُ ، فَلَمَّا دَنَا مِنْ أَصْحَابِهِ صَاحَ بِذَلِكَ ، فَبَشَّرَهُمْ بِهِ وَأَسَرُوهُ ، الظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلسَّيَّارَةِ الَّتِي الْوَارِدُ مِنْهُمْ أَيْ : أَخْفَوْهُ مِنَ الرُّفْقَةِ ، أَوْ كَتَمُوا أَمْرَهُ مِنْ وِجْدَانِهِمْ لَهُ فِي الْجُبِّ وَقَالُوا : دَفَعَهُ إِلَيْنَا أَهْلُ الْمَاءِ لِنَبِيعَهُ لَهُمْ بِمِصْرَ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : الضَّمِيرُ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=19وَأَسَرُّوهُ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=20وَشَرَوْهُ ) لِإِخْوَةِ
يُوسُفَ ، وَأَنَّهُمْ قَالُوا لِلرُّفْقَةِ : هَذَا غُلَامٌ قَدْ أَبْقِ لَنَا فَاشْتَرُوهُ مِنَّا ، وَسَكَتَ
يُوسُفُ مَخَافَةَ أَنْ يَقْتُلُوهُ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ بَعْضَهُمْ رَجَعَ إِلَى الْجُبِّ لِيَتَحَقَّقُوا أَمْرَ
يُوسُفَ وَيَقِفُوا عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ فَقْدِهِ ، فَلَمَّا عَلِمُوا أَنَّ الْوَارِدَ قَدْ أَخَذُوهُ ، جَاءُوهُمْ وَقَالُوا تِلْكَ الْمَقَالَةَ ، وَانْتَصَبَ بِضَاعَةً عَلَى الْحَالِ أَيْ : مَتْجَرًا لَهُمْ وَمَكْسَبًا . (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=19وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ) أَيْ : لَمْ تَخَفَ عَلَيْهِ أَسْرَارُهُمْ ، وَهُوَ وَعِيدٌ لَهُمْ حَيْثُ اسْتَبْضَعُوا مَا لَيْسَ لَهُمْ ، أَوْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِعَمَلِ إِخْوَةِ
يُوسُفَ بِأَبِيهِمْ وَأَخِيهِمْ مِنْ سُوءِ الصُّنْعِ ، وَفِي ذَلِكَ أَعْظَمُ تِذْكَارٍ بِمَا فَعَلُوا
بِيُوسُفَ ، قِيلَ : أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ فِي الْجُبِّ أَنْ لَا يُطْلِعَ أَبَاهُ وَلَا غَيْرَهُ عَلَى حَالِهِ ، لِحِكْمَةٍ أَرَادَ مَضَاءَهَا ، وَظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا جَرَى لَهُ مِنْ جَعْلِهِ عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ ، وَإِحْوَاجِ إِخْوَتِهِ إِلَيْهِ ، وَرَفْعِ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ ، وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ مِمَّا كَانَ مَكْنُونًا فِي الْقَدَرِ .