الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
مثل الدنيا مثل بحر عميق

مثل الدنيا مثل بحر عميق كل من دخله غرق فيه لأنه لا يرى ساحله فإلى كم يسبح فهو في السباحة حتى يعيا فيلقي نفسه في التهلكة وربما هاج الموج فيغرق في تلك الأمواج

فالكيس من يجانب البحر فهو في سلامة ومأمن من الآفات إذا لزم السواحل والفرضة ومن له حمق دخلها من قلة المبالاة وترك السواحل فإذا هو هالك

[ ص: 180 ] ومن كان قويا في ذات يده هنيئا مريئا بآلاته وأدواته ورجاله وشرعه وديدبانه وهيأ السفينة فركب البحر في مركب لم يضره لأن سفينته بعرض البحر وطوله قد طبقت البحر فإن سكنت الريح أرساها وإن هاجت أجراها فالآدمي بحره حرصه الذي في جوفه فليس لحرصه نهاية كالبحر الذي لا يرى أطرافه وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى إليه ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب

أخبر أن صاحب هذا كلما ازداد تناولا من الدنيا لم يدعه ما في جوفه حتى يطلب مزيدا وذلك حرصه الذي غرق فيه قلبه فأهلكه

ثم قال في آخره ويتوب الله على من تاب فالتوبة من العبد إقباله إلى الله بقلبه والتوبة من الله على العبد إقباله على العبد بوجهه الكريم فتلك سفينته وكما أن السفينة بلا أداة وآلة ورجال لا تغني عنه شيئا فكذا التوبة لها شعب حتى تأتي بالشعب [ ص: 181 ] كلها وهو أن يعرض بقلبه عن جميع الشهوات والهوى فذاك الإقبال كل الإقبال فقد أمن الغرق لأنه قد وقع قلبه في بحار العظمة فامتلأ قلبه وصدره حتى شبع وروي وغاب الحرص عن صدره ودانت نفسه فصارت كسفينة قد طبقت عرض البحر فإذا هاج البحر فإنهما هو بحر العظمة جرت سفينته بريح طيب وشراعها حب الله تعالى وذكره وريحها شوق العبد فلو أخذ الدنيا كلها بكفه لقوي عليها ولم يضره لأن الحرص مفقود وإنما أخذها لله ثم ردها إلى الله فهو كالخازن يأخذها بحق ويمسكها بحق ويصرفها في حق ليست له في ذلك شهوة ولا نهمة .

التالي السابق


الخدمات العلمية