الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        6086 حدثنا عبد الله بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت لقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم وما في رفي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي فأكلت منه حتى طال علي فكلته ففني

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله حدثنا عبد الله بن أبي شيبة هو أبو بكر وأبو شيبة جده لأبيه وهو ابن محمد بن أبي شيبة واسمه إبراهيم أصله من واسط وسكن الكوفة وهو أحد الحفاظ الكبار وقد أكثر عنه المصنف وكذا مسلم لكن مسلم يكنيه دائما والبخاري يسميه وقل أن كناه

                                                                                                                                                                                                        قوله وما في بيتي شيء إلخ ) لا يخالف ما تقدم في الوصايا من حديث عمرو بن الحارث المصطلقي " ما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند موته دينارا ولا درهما ولا شيئا " لأن مراده بالشيء المنفي ما تخلف عنه مما كان يختص به وأما الذي أشارت إليه عائشة فكان بقية نفقتها التي تختص بها فلم يتحد الموردان

                                                                                                                                                                                                        قوله يأكله ذو كبد شمل جميع الحيوان وانتفى جميع المأكولات

                                                                                                                                                                                                        قوله إلا شطر شعير المراد بالشطر هنا البعض والشطر يطلق على النصف وعلى ما قاربه وعلى الجهة وليست مرادة هنا ويقال أرادت نصف وسق

                                                                                                                                                                                                        قوله في رف لي قال الجوهري الرف شبه الطاق في الحائط وقال عياض : الرف خشب يرتفع عن الأرض في البيت يوضع فيه ما يراد حفظه قلت والأول أقرب للمراد

                                                                                                                                                                                                        قوله فأكلت منه حتى طال علي فكلته بكسر الكاف ففني أي فرغ قال ابن بطال حديث عائشة هذا في معنى حديث أنس في الأخذ من العيش بالاقتصاد وما يسد الجوعة . قلت إنما يكون كذلك لو وقع بالقصد إليه والذي يظهر أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يؤثر بما عنده فقد ثبت في الصحيحين أنه كان إذا جاءه ما فتح الله عليه من خيبر وغيرها من تمر وغيره يدخر قوت أهله سنة ثم يجعل ما بقي عنده عدة في سبيل الله - تعالى - ، ثم كان مع ذلك إذا طرأ عليه طارئ أو نزل به ضيف يشير على أهله بإيثارهم فربما أدى ذلك إلى نفاد ما عندهم أو معظمه .

                                                                                                                                                                                                        وقد روى البيهقي من وجه آخر عن عائشة قالت " ما شبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أيام متوالية ولو شئنا لشبعنا ولكنه كان يؤثر على نفسه ، وأما قولها " فكلته ففني " قال ابن بطال : فيه أن الطعام المكيل يكون فناؤه معلوما للعلم بكيله وأن الطعام غير المكيل فيه البركة لأنه غير معلوم مقداره قلت في تعميم كل الطعام بذلك نظر والذي يظهر أنه كان من الخصوصية لعائشة ببركة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد وقع مثل ذلك في حديث جابر الذي أذكره آخر الباب ووقع مثل ذلك في مزود أبي هريرة الذي أخرجه الترمذي وحسنه والبيهقي في " الدلائل " من طريق أبي العالية عن أبي هريرة أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتمرات فقلت ادع لي فيهن بالبركة قال فقبض ثم دعا ثم قال خذهن فاجعلهن في مزود فإذا أردت أن تأخذ منهن فأدخل يدك فخذ ولا تنثر بهن نثرا فحملت من ذلك كذا وكذا وسقا في سبيل الله وكنا نأكل ونطعم وكان المزود معلقا بحقوي لا يفارقه فلما قتل عثمان انقطع وأخرجه البيهقي أيضا من طريق سهل بن زياد عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة مطولا وفيه فأدخل يدك فخذ ولا تكفئ فيكفأ عليك ومن طريق يزيد بن أبي منصور عن أبيه عن أبي هريرة نحوه ونحوه ما وقع في عكة المرأة وهو ما أخرجه مسلم من طريق [ ص: 286 ] أبي الزبير عن جابر أن أم مالك كانت تهدي للنبي - صلى الله عليه وسلم - في عكة لها سمنا فيأتيها بنوها فيسألون الأدم فتعمد إلى العكة فتجد فيها سمنا فما زال يقيم لها أدم بيتها حتى عصرته فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لو تركتها ما زال قائما وقد استشكل هذا النهي مع الأمر بكيل الطعام وترتيب البركة على ذلك كما تقدم في البيوع من حديث المقدام بن معديكرب بلفظ كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه ، وأجيب بأن الكيل عند المبايعة مطلوب من أجل تعلق حق المتبايعين فلهذا القصد يندب وأما الكيل عند الإنفاق فقد يبعث عليه الشح فلذلك كره ويؤيده ما أخرجه مسلم من طريق معقل بن عبيد الله عن أبي الزبير عن جابر : أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم قال القرطبي : سبب رفع النماء من ذلك عند العصر والكيل - والله أعلم - الالتفات بعين الحرص مع معاينة إدرار نعم الله ومواهب كراماته وكثرة بركاته والغفلة عن الشكر عليها والثقة بالذي وهبها والميل إلى الأسباب المعتادة عند مشاهدة خرق العادة ويستفاد منه أن من رزق شيئا أو أكرم بكرامة أو لطف به في أمر ما فالمتعين عليه موالاة الشكر ورؤية المنة لله - تعالى - ولا يحدث في تلك الحالة تغييرا والله أعلم

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 287 ]



                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية