الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              فصل

              ولا ينكر فضل العلم في الجملة إلا جاهل ، ولكن له قصد أصلي ، وقصد تابع .

              فالقصد الأصلي ما تقدم ذكره .

              وأما التابع ; فهو الذي يذكره الجمهور من كون صاحبه شريفا ، وإن لم يكن في أصله كذلك ، وأن الجاهل دنيء ، وإن كان في أصله شريفا ، وأن قوله نافذ في الأشعار والأبشار ، وحكمه ماض على الخلق ، وأن تعظيمه واجب على جميع المكلفين ; إذ قام لهم مقام النبي ; لأن العلماء ورثة الأنبياء ، وأن [ ص: 86 ] العلم جمال ومال ، ورتبة لا توازيها رتبة ، وأهله أحياء أبد الدهر ، . . . إلى سائر ما له في الدنيا من المناقب الحميدة ، والمآثر الحسنة ، والمنازل الرفيعة ، فذلك كله غير مقصود من العلم شرعا ، كما أنه غير مقصود من العبادة والانقطاع إلى الله تعالى ، وإن كان صاحبه يناله .

              وأيضا ; فإن في العلم بالأشياء لذة لا توازيها لذة ; إذ هو نوع من الاستيلاء على المعلوم ، والحوز له ، ومحبة الاستيلاء قد جبلت عليها النفوس ، وميلت إليها القلوب ، وهو مطلب خاص ، برهانه التجربة التامة ، والاستقراء العام ، فقد يطلب العلم للتفكه به ، والتلذذ بمحادثته ، ولا سيما العلوم التي للعقول فيها مجال ، وللنظر في أطرافها متسع ، ولاستنباط المجهول من المعلوم فيها طريق متبع .

              ولكن كل تابع من هذه التوابع إما أن يكون خادما للقصد الأصلي أو لا .

              فإن كان خادما له ; فالقصد إليه ابتداء صحيح ، وقد قال تعالى في معرض المدح : والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما [ الفرقان : 74 ] .

              وجاء عن بعض السلف الصالح : اللهم اجعلني من أئمة المتقين ، وقال عمر لابنه حين وقع في نفسه أن الشجرة التي هي مثل المؤمن النخلة : " لأن [ ص: 87 ] تكون قلتها أحب إلي من كذا وكذا " .

              وفي القرآن عن إبراهيم عليه السلام : واجعل لي لسان صدق في الآخرين [ الشعراء : 84 ] .

              فكذلك إذا طلبه لما فيه من الثواب الجزيل في الآخرة ، وأشباه ذلك .

              وإن كان غير خادم له ; فالقصد إليه ابتداء غير صحيح ؛ كتعلمه رياء ، أو ليماري به السفهاء ، أو يباهي به العلماء ، أو يستميل به قلوب العباد ، أو لينال من دنياهم ، أو ما أشبه ذلك ; فإن مثل هذا إذا لاح له شيء مما طلب - زهد في التعلم ، ورغب في التقدم ، وصعب عليه إحكام ما ابتدأ فيه ، وأنف من الاعتراف بالتقصير ، فرضي بحاكم عقله ، وقاس بجهله ، فصار ممن سئل فأفتى بغير علم ; فضل وأضل أعاذنا الله من ذلك بفضله .

              وفي الحديث : لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء ، ولا لتماروا به السفهاء ، ولا لتحتازوا به المجالس ، فمن فعل ذلك ; فالنار النار .

              [ ص: 88 ] وقال : من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله ، لا يتعلمه إلا ليصيب به غرضا من الدنيا ، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة .

              وفي بعض الحديث : سئل عليه السلام عن الشهوة الخفية ، فقال : هو الرجل يتعلم العلم يريد أن يجلس إليه الحديث .

              وفي القرآن العظيم : إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار الآية [ البقرة : 174 ] .

              والأدلة في المعنى كثيرة .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية