الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 106 ] أخرج ابن أبي حاتم عن أبي بكر بن حفص قال : كانت سعيرة الأسدية مجنونة، تجمع الشعر والليف، فنزلت هذه الآية : ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها . الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه ، من طريق عطاء بن أبي رباح قال : قال لي ابن عباس : يا عطاء، ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ فأراني حبشية صفراء، فقال : هذه أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن بي هذه الموتة - يعني الجنون - فادع الله أن يعافيني، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن شئت دعوت فعافاك الله، وإن شئت صبرت واحتسبت ولك الجنة " . فاختارت الصبر والجنة قال : وهذه المجنونة سعيرة الأسدية، وكانت تجمع الشعر والليف، فنزلت هذه الآية ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن كثير في قوله : ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها . قال : خرقاء كانت بمكة تنقضه بعدما تبرمه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله : ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها . قال : كانت امرأة بمكة تسمى خرقاء مكة، كانت [ ص: 107 ] تغزل، فإذا أبرمت غزلها نقضته .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها . قال : نقضت حبلها بعد إبرامها إياه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في الآية : لو سمعتم بامرأة نقضت غزلها من بعد إبرامه لقلتم : ما أحمق هذه! وهذا مثل ضربه الله لمن نكث عهده . وفي قوله : تتخذون أيمانكم دخلا بينكم . قال : خيانة وغدرا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : أن تكون أمة هي أربى من أمة . قال : ناس أكثر من ناس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : أن تكون أمة هي أربى من أمة . قال : كانوا يحالفون الحلفاء، فيجدون أكثر منهم وأعز، فينقضون حلف هؤلاء، ويحالفون هؤلاء الذين هم أعز، فنهوا عن ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال : ولا تكونوا في [ ص: 108 ] نقض العهد بمنزلة التي نقضت غزلها، من بعد قوة أنكاثا يعني : بعد ما أبرمته تتخذون أيمانكم . يعني : العهد دخلا بينكم . يعني : بين أهل العهد، يعني مكرا وخديعة لتدخل العلة فيستحل به نقض العهد، أن تكون أمة هي أربى من أمة . يعني : أكثر، إنما يبلوكم الله به . يعني : بالكثرة، وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون . يعني : وليسألنكم، ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة : يعني المسلمة والمشركة، أمة واحدة يعني ملة الإسلام وحدها، ولكن يضل من يشاء . يعني : عن دينه، وهم المشركون، ويهدي من يشاء : يعني المسلمين، ولتسألن : يعني يوم القيامة، عما كنتم تعملون . ثم ضرب مثلا آخر لناقض العهد فقال : ولا تتخذوا أيمانكم : يعني العهد، دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها . يقول : إن ناقض العهد يزل في دينه كما يزل قدم الرجل بعد الاستقامة، وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله : يعني العقوبة، ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا : يعني عرضا من الدنيا يسيرا، إنما عند الله : يعني الثواب، هو خير لكم . يعني : أفضل لكم من العاجل، ما عندكم ينفد . يعني : ما عندكم من الأموال يفنى، وما عند الله باق . يعني : وما عند الله في الآخرة من الثواب دائم لا يزول [ ص: 109 ] عن أهله، وليجزين الذين صبروا . يعني : على أمر الله أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون في الدنيا، ويعفو عن سيئاتهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، والطبراني ، عن ابن مسعود قال : إياكم "وأرأيت"، فإنما هلك من كان قبلكم ب "أرأيت"، ولا تقيسوا الشيء بالشيء دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها ، وإذا سئل أحدكم عما لا يعلم فليقل : لا أعلم، فإنه ثلث العلم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية