الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب لكم فيها منافع إلى أجل مسمى [ ص: 194 ] ثم محلها إلى البيت العتيق

                                                                                                                                                                                                تعظيم الشعائر -وهي الهدايا ؛ لأنها من معالم الحج - : أن يختارها عظام الأجرام حسانا سماتا غالية الأثمان ، ويترك المكاس في شرائها ، فقد كانوا يغالون في ثلاث -ويكرهون المكاس فيهن - : الهدي ، والأضحية ، والرقبة ، وروى ابن عمر عن أبيه -رضي الله عنهما- أنه أهدى نجيبة طلبت منه بثلاثمائة دينار ، فسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبيعها ويشتري بثمنها بدنا ، فنهاه عن ذلك ، وقال : "بل أهدها " ، وأهدى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مائة بدنة ، فيها جمل لأبي جهل في أنفه برة من ذهب ، وكان ابن عمر يسوق البدن مجللة بالقباطي ، فيتصدق بلحومها وبجلالها ، ويعتقد أن طاعة الله في التقرب بها وإهدائها إلى بيته المعظم أمر عظيم لا بد أن يقام به ويسارع فيه ، فإنها من تقوى القلوب أي : فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب ، فحذفت هذه [ ص: 195 ] المضافات ، ولا يستقيم المعنى إلا بتقديرها ؛ لأنه لا بد من راجع من الجزاء إلى : " من " ؛ ليرتبط به ؛ وإنما ذكرت القلوب لأنها مراكز التقوى التي إذا ثبتت فيها وتمكنت ، ظهر أثرها في سائر الأعضاء ، إلى أجل مسمى : إلى أن تنحر ويتصدق بلحومها ويؤكل منها ، و "ثم " : للتراخي في الوقت ، فاستعيرت للتراخي في الأحوال ، والمعنى : أن لكم في الهدايا منافع كثيرة في دنياكم ودينكم ؛ وإنما يعتد الله بالمنافع الدينية ؛ قال سبحانه : تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة [الأنفال : 67 ] ، وأعظم هذه المنافع وأبعدها شوطا في النفع : محلها إلى البيت ، أي : وجوب نحرها ، أو وقت وجوب نحرها في الحرم منتهية إلى البيت ؛ كقوله : هديا بالغ الكعبة [المائدة : 95 ] ، والمراد : نحرها في الحرم الذي هو في حكم البيت ؛ لأن الحرم هو حريم البيت ؛ ومثل هذا في الاتساع قولك : بلغنا البلد ، وإنما شارفتموه واتصل مسيركم بحدوده ، وقيل : المراد بالشعائر : المناسك كلها ، و محلها إلى البيت العتيق : يأباه .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية