الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد

                                                                                                                                                                                                كل مرتفع أظلك من سقف بيت أو خيمة أو ظلة أو كرم ، فهو "عرش " ، والخاوي : [ ص: 201 ] الساقط ، من خوى النجم إذا سقط ، أو الخالي : من خوى المنزل : إذا خلا من أهله ، وخوى بطن الحامل ، وقوله : على عروشها : لا يخلو من أن يتعلق بخاوية ، فيكون المعنى أنها ساقطة على سقوفها ، أي : خرت سقوفها على الأرض ، ثم تهدمت حيطانها فسقطت فوق السقوف ، أو أنها ساقطة أو خالية مع بقاء عروشها وسلامتها ، وإما أن يكون خبرا بعد خبر ، كأنه قيل : هي خالية ، وهي على عروشها ، أي : قائمة مطلة على عروشها ، على معنى : أن السقوف سقطت إلى الأرض فصارت في قرار الحيطان وبقيت الحيطان مائلة فهي مشرفة على السقوف الساقطة .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت : ما محل الجملتين من الإعراب ، أعني : "وهي ظالمة فهي خاوية" ؟

                                                                                                                                                                                                قلت : الأولى : في محل النصب على الحال ، والثانية : لا محل لها ، لأنها معطوفة على أهلكناها ، وهذا الفعل ليس له محل ، وقرأ الحسن : "معطلة " : من أعطله ، بمعنى : عطله ، ومعنى المعطلة : أنها عامرة فيها الماء ، ومعها آلات الاستقاء ؛ إلا أنها عطلت ، أي : تركت لا يستقى منها لهلاك أهلها ، والمشيد : المجصص أو المرفوع البنيان ، والمعنى : كم قرية أهلكنا ؟ وكم بئر عطلنا عن سقاتها ؟ وقصر مشيد أخليناه عن ساكنيه ؟ فترك ذلك ؛ لدلالة معطلة عليه ، وفي هذا دليل على أن على عروشها بمعنى "مع" أوجه ، روي أن هذه بئر نز عليها صالح -عليه السلام- مع أربعة آلاف نفر ممن آمن به ، ونجاهم الله من العذاب ، وهي بحضرموت ؛ وإنما سميت بذلك لأن صالحا حين حضرها مات ، وثمة بلدة عند البئر اسمها : "حاضوراء" بناها قوم صالح ، وأمروا عليهم جلهس بن جلاس ، وأقاموا بها زمانا ثم كفروا وعبدوا صنما ، وأرسل الله أليهم حنظلة بن صفوان نبيا فقتلوه ، فأهلكهم الله ، وعطل بئرهم ، وخرب قصورهم .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية