الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          [ ص: 811 ] 156 - فصل

                          [ نكاح الكتابيات المتمسكات بغير التوراة والإنجيل ] .

                          قال القاضي : ومن كان متمسكا بغير التوراة ، والإنجيل كزبور داود وصحف شيث وإبراهيم ، هل يقرون على ذلك ؟ وهل تحل مناكحتهم وذبائحهم ؟ على وجهين :

                          أحدهما : يقرون ويناكحون على ظاهر كلام أحمد في رواية ابن منصور وقد سئل عن نكاح المجوس ، فقال : لا يعجبني إلا من أهل الكتاب ، فأطلق القول في أهل الكتاب ، ولم يخص أهل الكتابين .

                          وقال في رواية حنبل : قال تعالى : ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) ، مشركات العرب الذين يعبدون الأصنام ، ففسر الآية على عبدة الأصنام .

                          وظاهر هذا أن ما عدا عبدة الأوثان غير منهي عن نكاحهن .

                          والوجه الثاني : لا تجوز مناكحتهم ، ولا يقرون ، وهو قول أصحاب الشافعي .

                          وجه الأول قوله : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ) ، وهذا عام في كل كتاب ولأنه متمسك بكتاب من كتب الله أشبه أهل [ ص: 812 ] التوراة والإنجيل .

                          ووجه الثاني تعليلان :

                          أحدهما : أن الكتاب ما كان منزلا كالتوراة ، والإنجيل ، والقرآن ، فأما ما لم يكن كذلك فليس بكتاب ، بل يكون وحيا وإلهاما ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أتاني آت من ربي ، فقال : صل في هذا الوادي المبارك ، وقل : عمرة في حجة " ، قال : " وأمرني أن آمر أصحابي بالتلبية " ، ولم يكن ذلك قرآنا ، وإنما كان وحيا ، ولأن هذه الكتب - وإن كانت منزلة - ولكنها اشتملت على مواعظ ، ولم تشتمل على أحكام : وهي الأمر والنهي ، فضعفت في بابها .

                          [ ص: 813 ] قلت : ليس في الدنيا من يتمسك بهذه الكتب ، ويكفر بالتوراة ، والإنجيل ألبتة ، فهذا القسم مقدر لا وجود له ، بل كل من صدق بهذه الكتب ، وتمسك بها فهو مصدق بالكتابين ، أو أحدهما ، ولهذا لم يخاطبهم الله سبحانه في القرآن بخصوصهم ، بل خاطبهم مع جملة أهل الكتاب .

                          وأما قوله : إن الكتاب عام في قوله : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ) ، فعرف القرآن من أوله إلى آخره في الذين أوتوا الكتاب أنهم أهل الكتابين خاصة ، وعليه إجماع المفسرين ، والفقهاء ، وأهل الحديث .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية