الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين . فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون . تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم [ ص: 337 ] ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ولكن حق القول مني أي: وجب وسبق; والقول هو قوله لإبليس لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين [ص: 85] .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين أي: من كفار الفريقين . فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا قال مقاتل: إذا دخلوا النار قالت لهم الخزنة: فذوقوا العذاب . وقال غيره: إذا اصطرخوا فيها قيل لهم: ذوقوا بما نسيتم، أي: بما تركتم العمل للقاء يومكم هذا، إنا نسيناكم أي: تركناكم من الرحمة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها أي: وعظوا بها خروا سجدا أي: سقطوا على وجوههم ساجدين . وقيل: المعنى: إنما يؤمن بفرائضنا من الصلوات الخمس الذين إذا ذكروا بها بالأذان والإقامة خروا سجدا .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: تتجافى جنوبهم اختلفوا فيمن نزلت وفي الصلاة التي تتجافى لها جنوبهم على أربعة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنها نزلت في المتهجدين بالليل; روى معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: تتجافى جنوبهم قال: قيام العبد من الليل وفي [ ص: 338 ] لفظ آخر أنه قال لمعاذ: " إن شئت أنبأتك بأبواب الخير " قال: قلت أجل يا رسول الله، قال: " الصوم جنة، والصدقة تكفر الخطيئة، وقيام الرجل في جوف الليل يبتغي وجه الله " ، ثم قرأ: " تتجافى جنوبهم عن المضاجع " .

                                                                                                                                                                                                                                      وكذلك قال الحسن، ومجاهد، وعطاء، وأبو العالية، وقتادة، وابن زيد أنها في [ ص: 339 ] قيام الليل . وقد روى العوفي عن ابن عباس قال: تتجافى جنوبهم لذكر الله، كلما استيقظوا ذكروا الله، إما في الصلاة، وإما في قيام، أو في قعود، أو على جنوبهم، فهم لا يزالون يذكرون الله عز وجل .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنها نزلت في ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يصلون ما بين المغرب والعشاء، قاله أنس بن مالك .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث : أنها نزلت في صلاة العشاء [كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينامون حتى يصلوها، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع : أنها صلاة العشاء] والصبح في جماعة، قاله أبو الدرداء، والضحاك .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى تتجافى : ترتفع . والمضاجع جمع مضجع، وهو الموضع الذي يضطجع عليه .

                                                                                                                                                                                                                                      يدعون ربهم خوفا من عذابه وطمعا في رحمته [وثوابه] ومما رزقناهم ينفقون في الواجب والتطوع .

                                                                                                                                                                                                                                      فلا تعلم نفس ما أخفي لهم وأسكن ياء " أخفي " حمزة، ويعقوب . قال الزجاج: في هذا دليل على أن المراد بالآية التي قبلها: الصلاة في جوف الليل، لأنه عمل يستسر الإنسان به، فجعل لفظ ما يجازى به " أخفي لهم " ، فإذا فتحت ياء " أخفي " ، فعلى تأويل الفعل الماضي، وإذا أسكنتها، فالمعنى: ما أخفي أنا لهم، إخبار عن الله تعالى; وكذلك قال الحسن البصري: أخفي لهم، بالخفية خفية، وبالعلانية علانية . وروى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يقول الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، اقرؤوا إن شئتم: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 340 ] قوله تعالى: من قرة أعين وقرأ أبو الدرداء، وأبو هريرة، وأبو عبد الرحمن السلمي، والشعبي، وقتادة: " من قرات أعين " [بألف] على الجمع .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية