الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير

                                                                                                                                                                                                تقول : الشفاعة لزيد ، على معنى أنه الشافع ، كما تقول : الكرم لزيد ، وعلى معنى أنه المشفوع له ، كما تقول : القيام لزيد ، فاحتمل قوله : ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له أن يكون على أحد هذين الوجهين ، أي : لا تنفع الشفاعة إلا كائنة لمن أذن له من الشافعين ومطلقة له . أو لا تنفع الشفاعة إلا كائنة لمن أذن له ، أي : لشفيعه ، أو هي اللام الثانية في قولك : أذن لزيد لعمرو ، أي لأجله ، كأنه قيل : إلا لمن وقع الإذن للشفيع لأجله ، وهذا وجه لطيف وهو الوجه ، وهذا تكذيب لقولهم : هؤلاء شفعاؤنا عند الله . فإن قلت : بما اتصل قوله : حتى إذا فزع عن قلوبهم ولأي شيء وقعت حتى غاية ؟ قلت : بما فهم من هذا الكلام ، من أن ثم انتظارا للإذن وتوقعا وتمهلا وفزعا من الراجين [ ص: 120 ] للشفاعة والشفعاء ، هل يؤذن لهم أو لا يؤذن ؟ وأنه لا يطلق الإذن إلا بعد ملي من الزمان ، وطول من التربص ، ومثل هذه الحال دل عليه قوله عز وجل رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا كأنه قيل : يتربصون ويتوقفون مليا فزعين وهلين ، حتى إذا فزع عن قلوبهم ، أي : كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم بكلمة يتكلم بها رب العزة في إطلاق الإذن : تباشروا بذلك وسأل بعضهم بعضا ماذا قال ربكم قالوا قال : "الحق " أي القول الحق ، وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى . وعن ابن عباس -رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم : "فإذا أذن لمن أذن أن يشفع فزعته الشفاعة " . وقرئ : (أذن له ) ، أي : أذن له الله ، وأذن له على البناء للمفعول . وقرأ الحسن : (فزع ) مخففا ، بمعنى فزع . وقرئ : (فزع ) على البناء للفاعل ، وهو الله وحده ، وفزع ، أي : نفى الوجل عنها وأفنى ، من قولهم : فرغ الزاد ، إذا لم يبق منه شيء . ثم ترك ذكر الوجل وأسند إلى الجار والمجرور ، كما تقول : دفع إلي زيد ، إذا علم ما المدفوع وقد تخفف ، وأصله : فرغ الوجل عنها ، أي : انتفى عنها ، وفني ثم حذف الفاعل وأسند إلى الجار والمجرور . وقرأ : (افرنقع عن قلوبهم ) ، بمعنى : انكشف عنها . وعن أبي علقمة أنه هاج به المرار فالتف عليه الناس ، فلما أفاق قال : ما لكم تكأكأتم علي تكأكؤكم على ذي جنة ؟ افرنقعوا عني . والكلمة مركبة من حروف المفارقة مع زيادة العين ، كما ركب "اقمطر " من حروف القمط ، مع زيادة الراء . وقرئ : (الحق ) بالرفع ، أي : مقولة الحق وهو العلي الكبير ذو العلو والكبرياء ، ليس لملك ولا نبي أن يتكلم ذلك اليوم إلا بإذنه ، وأن يشفع إلا لمن ارتضى .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية