الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2608 ) فصل : ولكل واحد من صوم الثلاثة والسبعة وقتان ; وقت جواز ، ووقت استحباب . فأما وقت الثلاثة ، فوقت الاختيار لها أن يصومها ما بين إحرامه بالحج ويوم عرفة ، ويكون آخر الثلاثة يوم عرفة . قال طاوس : يصوم ثلاثة أيام ، آخرها يوم عرفة .

                                                                                                                                            وروي ذلك عن عطاء ، والشعبي ، ومجاهد ، والحسن ، والنخعي ، وسعيد بن جبير ، وعلقمة ، وعمرو بن دينار ، وأصحاب الرأي . وروى ابن عمر ، وعائشة ، أن يصومهن ما بين إهلاله بالحج ويوم عرفة . وظاهر هذا أن يجعل آخرها يوم التروية . وهو قول الشافعي ; لأن صوم يوم عرفة بعرفة غير مستحب . وكذلك ذكر القاضي ، في " المحرر " . والمنصوص عن أحمد الذي وقفنا عليه مثل قول الخرقي ، أنه يكون آخرها يوم عرفة ، وهو قول من سمينا من العلماء ، وإنما أحببنا له صوم يوم عرفة هاهنا ، لموضع الحاجة .

                                                                                                                                            وعلى هذا القول يستحب له تقديم الإحرام بالحج قبل يوم التروية ; ليصومها في الحج ، وإن صام منها شيئا قبل إحرامه بالحج جاز . نص عليه . وأما وقت جواز صومها فإذا أحرم بالعمرة . وهذا قول أبي حنيفة . وعن أحمد أنه إذا حل من العمرة .

                                                                                                                                            وقال مالك ، والشافعي : لا يجوز إلا بعد إحرام الحج . ويروى ذلك عن ابن عمر . وهو قول إسحاق ، وابن المنذر ; لقول الله تعالى : { فصيام ثلاثة أيام في الحج } . ولأنه صيام واجب ، فلم يجز تقديمه على وقت وجوبه ، كسائر الصيام الواجب . ولأن ما قبله وقت لا يجوز فيه المبدل ، فلم يجز البدل ، كقبل الإحرام بالعمرة . وقال الثوري ، والأوزاعي : يصومهن من أول العشر إلى يوم عرفة .

                                                                                                                                            ولنا ، أن إحرام العمرة أحد إحرامي التمتع ، فجاز الصوم بعده ، كإحرام الحج . فأما قوله : { فصيام ثلاثة أيام في الحج } . فقيل : معناه في أشهر الحج ، فإنه لا بد من إضمار ، إذ كان الحج أفعالا لا يصام فيها ، إنما يصام في وقتها ، أو في أشهرها . فهو في قول الله تعالى : { الحج أشهر } .

                                                                                                                                            وأما تقديمه على وقت الوجوب ، فيجوز إذا وجد السبب ، كتقديم الكفارة على الحنث ، وزهوق النفس . وأما كونه بدلا ، فلا يقدم على المبدل ، فقد ذكرنا رواية في جواز تقديم الهدي على إحرام الحج ، فكذلك الصوم . وأما تقديم الصوم على إحرام العمرة ، فغير جائز . ولا نعلم قائلا بجوازه ، إلا رواية حكاها بعض أصحابنا عن أحمد ، وليس بشيء ; لأنه لا يقدم الصوم على سببه ووجوبه ، ويخالف قول أهل العلم . وأحمد ينزه عن هذا .

                                                                                                                                            وأما السبعة ، فلها أيضا وقتان ; وقت اختيار ، ووقت جواز . أما وقت الاختيار ، فإذا رجع إلى أهله ; لما روى ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { فمن لم يجد هديا ، فليصم ثلاثة أيام [ ص: 249 ] في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله } . متفق عليه .

                                                                                                                                            وأما وقت الجواز ، فمنذ تمضي أيام التشريق . قال الأثرم : سئل أحمد ، هل يصوم في الطريق أو بمكة ؟ قال : كيف شاء . وبهذا قال أبو حنيفة ، ومالك . وعن عطاء ، ومجاهد : يصومها في الطريق . وهو قول إسحاق .

                                                                                                                                            وقال ابن المنذر : يصومها إذا رجع إلى أهله ; للخبر . ويروى ذلك عن ابن عمر . وهو قول الشافعي . وقيل عنه كقولنا ، وكقول إسحاق .

                                                                                                                                            ولنا ، أن كل صوم لزمه ، وجاز في وطنه ، جاز قبل ذلك ، كسائر الفروض . وأما الآية ، فإن الله تعالى جوز له تأخير الصيام الواجب ، فلا يمنع ذلك الإجزاء قبله ، كتأخير صوم رمضان في السفر والمرض ، بقوله سبحانه : { فعدة من أيام أخر } . ولأن الصوم وجد من أهله بعد وجود سببه ، فأجزأه ، كصوم المسافر والمريض . ( 2609 ) فصل : ولا يجب التتابع ، وذلك لا يقتضي جمعا ولا تفريقا . وهذا قول الثوري ، وإسحاق ، وغيرهما . ولا نعلم فيه مخالفا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية