الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5434 81 - حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أنه قدم رجلان من المشرق فخطبا فعجب الناس لبيانهما، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن من البيان لسحرا، أو إن بعض البيان لسحر.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في لفظ: "البيان سحر" فقط; لأن لفظ الحديث: "إن من البيان" إلى آخره.

                                                                                                                                                                                  ومضى الحديث أيضا في كتاب النكاح في باب الخطبة: "إن من البيان سحرا" بدون لام التأكيد في خبر إن، وكذا لفظ أبي داود أخرجه في كتاب الأدب في باب رواية الشعر من حديث ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - ولفظ الترمذي: "إن من البيان سحرا" أو "إن بعض البيان سحر" أخرجه في أبواب البر، عن قتيبة، عن عبد العزيز بن محمد، عن زيد بن أسلم، ومضى الكلام فيه في كتاب النكاح، ولنذكر بعض شيء.

                                                                                                                                                                                  فقال ابن بشكوال: رواه أكثر رواة الموطأ مرسلا، ليس فيه ابن عمر، وقال ابن بطال: الرجلان هما عمرو بن الأهتم والزبرقان بن بدر، وقال أبو عمر: عمرو بن الأهتم التميمي المنقري أبو ربعي، والأهتم أبوه اسمه سنان بن خالد بن سمي، قدم وافدا في وجوه قومه من بني تميم، فأسلم، وذلك في سنة تسع من الهجرة، وكان فيمن قدم معه الزبرقان بن بدر بن امرئ القيس بن خلف بن بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم البهدلي السعدي التميمي، يكنى أبا عياش، فأسلم، وولاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدقات قومه، وأقره أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - على ذلك، وقال الأصمعي: الزبرقان القمر والزبرقان الرجل الخفيف [ ص: 286 ] اللحية، واسمه الحصين بن بدر، وإنما سمي الزبرقان لحسنه، شبه بالقمر، وقد ذكرنا خطبة الزبرقان في كتاب النكاح وما جرى له مع عمرو بن الأهتم.

                                                                                                                                                                                  واختلف العلماء في تأويل الحديث المذكور، فقال قوم من أصحاب مالك: إنه خرج على الذم للبيان، ولهذا مالك أدخله في باب ما يكره من الكلام وقالوا: إنه - صلى الله عليه وسلم - شبه البيان بالسحر، والسحر مذموم محرم قليله وكثيره، وذلك لما في البيان من التفيهق وتصوير الباطل في صورة الحق، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "أبغضكم إلي الثرثارون المتفيهقون" ويقال: الرجل يكون على الحق فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق.

                                                                                                                                                                                  وقال آخرون: هو كلام خرج على مدح البيان، واستدلوا عليه بقوله في الحديث: "فعجب الناس لبيانهما" قالوا: والإعجاب لا يكون إلا بما يحسن ويطيب سماعه، قالوا: وتشبيهه بالسحر مدح; لأن معنى السحر الاستمالة، وكل من استمالك فقد سحرك، وكان - صلى الله عليه وسلم - أميز الناس بفضل البلاغة لبلاغته فأعجبه ذلك القول واستحسنه، فلذلك شبهه بالسحر.

                                                                                                                                                                                  ويقال: أحسن ما يقال في هذا الحديث أنه ليس بذم للبيان كله ولا بمدح له كله، ألا ترى أن فيه كلمة "من" للتبعيض، وقد شك المحدث أنه قال: "إن من البيان أو إن من بعض البيان" وكيف يذم البيان كله وقد عده نعمة على عبيده، فقال: خلق الإنسان علمه البيان .

                                                                                                                                                                                  قوله: "من المشرق" أراد به النجد; لأنه في شرق المدينة، وهي سكنى بني تميم من جهة العراق.

                                                                                                                                                                                  قوله: "سحرا" أي: هو شبيه بالسحر في جلب العقول من حيث إنه خارق للعادة.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية