الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
[ ص: 267 ] قال المصنف رحمه الله تعالى باب الآنية ( nindex.php?page=treesubj&link=569_24729_24730كل حيوان نجس بالموت طهر جلده بالدباغ وهو ما عدا الكلب والخنزير لقوله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=8962أيما إهاب دبغ فقد طهر } ولأن الدباغ يحفظ الصحة على الجلد ويصلحه للانتفاع به كالحياة ثم الحياة تدفع النجاسة عن الجلد فكذلك الدباغ ، وأما الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما فلا يطهر جلدهما بالدباغ لأن الدباغ كالحياة ثم الحياة لا تدفع النجاسة عن الكلب والخنزير فكذلك الدباغ ) .
( الشرح ) : الآنية جمع إناء وجمع الآنية الأواني ، فالإناء مفرد وجمعه آنية والأواني جمع الجمع فلا يستعمل في أقل من تسعة إلا مجازا . وأما استعمال الغزالي رحمه الله وجماعة من الخراسانيين الآنية في المفرد فليس بصحيح في اللغة ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14042الجوهري : جمع الإناء آنية وجمع الآنية الأواني كسقاء وأسقية وأساق . وأما الحديث المذكور فصحيح رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في صحيحه وأبو داود والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي وغيرهم من رواية nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما أما nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم فذكره في آخر كتاب الطهارة وأما أبو داود والترمذي ففي كتاب اللباس nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي في الذبائح وهذا المذكور لفظ رواية الترمذي وقليلين ، قال الترمذي : حديث حسن صحيح وأما رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وأبي داود وآخرين ففيها " { nindex.php?page=hadith&LINKID=9923إذا دبغ الإهاب فقد طهر } وقد جمعت طرقه واختلاف ألفاظه في كتاب جامع السنة . ويقال طهر بفتح الهاء وضمها والفتح أفصح وأشهر وقد سبق بيانه في أول كتاب الطهارة . وأما الإهاب بكسر الهمزة فجمعه أهب بضم الهمزة والهاء ، وأهب بفتحهما لغتان ، واختلف أهل اللغة فيه فقال إمام اللغة والعربية أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد رحمه الله الإهاب هو الجلد قبل أن يدبغ ، وكذا ذكره nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود السجستاني في سننه وحكاه عن nindex.php?page=showalam&ids=15409النضر بن شميل ولم يذكر غيره ، وكذا قاله nindex.php?page=showalam&ids=14042الجوهري وآخرون من أهل اللغة ، وذكر الأزهري في شرح ألفاظ المختصر nindex.php?page=showalam&ids=14228والخطابي وغيرهما أنه الجلد ولم يقيدوه بما لم يدبغ . [ ص: 268 ] الخنزير معروف واختلف أهل العربية في نونه هل هي زائدة أم أصلية ؟ وقد أوضحته في تهذيب الأسماء واللغات .
وأما قول المصنف : " فكل حيوان نجس بالموت " فمعناه حكمنا بعد موته بأنه نجس فيدخل فيه الكلب والخنزير فلهذا استثناه المصنف فقال : ما عدا الكلب والخنزير ، وقد ادعى بعضهم أن هذا الاستثناء ليس بصحيح وأنه لا حاجة إليه وزعم أن بقوله : " نجس بالموت " يخرج الكلب والخنزير لأنه لم ينجس بالموت بل كان نجسا قبله واستمرت نجاسته ، هذا الإنكار باطل وإنما حصل الإنكار لحمله كلام المصنف على غير مراده الذي ذكرته فالصواب ما قدمته والله أعلم .
( أما حكم المسألة ) فكل nindex.php?page=treesubj&link=567_24729الجلود النجسة بعد الموت تطهر بالدباغ إلا الكلب والخنزير والمتولد من أحدهما ، وهذا متفق عليه عندنا وسنذكر مذاهب العلماء فيه إن شاء الله تعالى في فرع ، وحكى المتولي والروياني وجها أن جلد الميتة ليس بنجس . حكاه المتولي عن حكاية ابن القطان قال وإنما أمر بالدبغ بسبب الزهومة التي في الجلد فإنها نجسة فيؤمر بالدبغ لإزالتها كما يغسل الثوب من النجاسة ، وهذا الوجه في نهاية الضعف وغاية الشذوذ ، وفساده أظهر من أن يذكر . وكيف يصح هذا مع قوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=9923إذا دبغ الإهاب فقد طهر } . فإن قيل : ليس في الحديث أن الجلد نجس العين فتحمل الطهارة فيه على الطهارة من نجاسة المجاورة بالزهومة كما يقال : طهر ثوبه إذا غسل من النجاسة ، فالجواب أن هذا تأويل بعيد ليس له دليل يعضده ولا حاجة تسنده فهو مردود على قائله ، وتخصيصه الجلد بالطهارة دون باقي الأعضاء والأجزاء دليل على تناقض قوله وقد قال إمام الحرمين : اتفق علماؤنا على أن جلد الميتة قبل الدباغ نجس ، وكذا صرح بنقل الاتفاق عليه آخرون ، والله أعلم .
وأما nindex.php?page=treesubj&link=567_569الكلب والخنزير وفرع أحدهما فلا يطهر جلده بالدباغ بلا خلاف لما ذكره المصنف ، وقوله : فلا يطهر جلدها بالدباغ وفي بعض النسخ المعتمدة جلدهما بالتثنية ، وكلاهما صحيح ، فالتثنية تعود إلى النوعين ، وقوله : [ ص: 269 ] جلدها يعود إلى الأنواع الأربعة الكلب والخنزير واللذان بعدهما
وأما قوله : ( كل حيوان نجس بالموت ) فاحتراز مما لا ينجس بالموت بل يبقى طاهرا ، وذلك خمسة أنواع ذكرها صاحب الحاوي : السمك والجراد والجنين بعد ذكاة أمه ، والصيد إذا قتله الكلب أو السهم بشرطه ، والخامس الآدمي على أصح القولين . فهذه nindex.php?page=treesubj&link=531_22662_565_25292ميتات طاهر لحمها وجلدها ، فأما الجراد فلا جلد له والسمك منه ما لا جلد له ومنه ما له جلد كعظيم حيتان البحر ، والجنين والصيد لهما جلد فيتصرف فيه بلا دباغ جميع أنواع التصرف من بيع واستعمال في يابس ورطب وغير ذلك . وأما الآدمي فإذا قلنا بالصحيح : أنه لا ينجس بالموت فجلده طاهر لكن لا يجوز استعمال جلده ولا شيء من أجزائه بعد الموت لحرمته وكرامته ، اتفق أصحابنا على تحريمه وصرحوا بذلك في كتبهم منهم إمام الحرمين وخلائق ، قال الدارمي في الاستذكار : لا يختلف القول أن دباغ جلود بني آدم واستعمالها حرام ، ونقل الإمام الحافظ nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم في كتابه كتاب الإجماع إجماع المسلمين على تحريم سلخ جلد الآدمي واستعماله وإن قلنا بالقول الضعيف : أن الآدمي ينجس بالموت فجلده نجس وهل يطهر بالدبغ ؟ فيه وجهان حكاهما إمام الحرمين وابن الصباغ والغزالي وغيرهم الصحيح منهما أنه يطهر وهو اختيار المصنف والجمهور ، لأنهم قالوا : كل جلد نجس بالموت طهر بالدباغ ودليله عموم الحديث : { nindex.php?page=hadith&LINKID=8962أيما إهاب دبغ فقد طهر } ( والوجه الثاني ) لا يطهر بالدبغ لأن دباغه حرام لما فيه من الامتهان ، قال إمام الحرمين : وهذا فاسد لأن الدباغ لا يحرم لعينه وإنما المحرم حصول الامتهان على أي وجه حصل ، وأغرب الدارمي وابن الصباغ ، وذكرا وجها أنه لا يتأتى دباغه والله أعلم .
[ ص: 270 ] فرع في nindex.php?page=treesubj&link=24729_566مذاهب العلماء في جلود الميتة هي سبعة مذاهب أحدها : لا يطهر بالدباغ شيء من جلود الميتة لما روي عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب وابنه وعائشة رضي الله عنهم وهو أشهر الروايتين عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ورواية عن nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك . والمذهب الثاني : يطهر بالدباغ جلد مأكول اللحم دون غيره وهو مذهب الأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=16418وابن المبارك nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبي داود nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه . والثالث : يطهر به كل جلود الميتة إلا الكلب والخنزير والمتولد من أحدهما وهو مذهبنا ، وحكوه عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود رضي الله عنهما والرابع : يطهر به الجميع إلا جلد الخنزير وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة . والخامس : يطهر الجميع والكلب والخنزير إلا أنه يطهر ظاهره دون باطنه فيستعمل في اليابس دون الرطب ويصلى عليه لا فيه ، وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك فيما حكاه أصحابنا عنه . والسادس : يطهر بالدباغ جميع جلود الميتة والكلب والخنزير ظاهرا وباطنا ، قال nindex.php?page=showalam&ids=15858داود وأهل الظاهر ، وحكاه الماوردي عن nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف . والسابع : ينتفع بجلود الميتة بلا دباغ ويجوز استعمالها في الرطب واليابس حكوه عن الزهري . واحتج nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد وموافقيه بأشياء منها قول الله تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3حرمت عليكم الميتة } وهو عام في الجلد وغيره وبحديث عبد الله بن عكيم قال : أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : قبل موته بشهر { nindex.php?page=hadith&LINKID=1741ألا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب } وهذا الحديث هو عمدتهم قالوا : ولأنه جزء من الميتة فلم يطهر بشيء كاللحم ، ولأن المعنى الذي نجس به هو الموت وهو ملازم له لا يزول بالدبغ فلا يتغير الحكم . واحتج أصحابنا بالحديثين السابقين : { nindex.php?page=hadith&LINKID=9923إذا دبغ الإهاب فقد طهر } { nindex.php?page=hadith&LINKID=8962وأيما إهاب دبغ فقد طهر } وهما صحيحان كما سبق بيانه ، وبحديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في شاة ميمونة : هلا أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به قالوا : يا رسول الله إنها ميتة قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=12485إنما حرم أكلها } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم في [ ص: 271 ] صحيحيهما من طرق ، أما nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم فرواه في آخر كتاب الطهارة ، وأما nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فرواه في مواضع من صحيحه منها كتاب الزكاة في الصدقة على موالي أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي كتاب الصيد والذبائح وغيره . وإنما ذكرت هذا لأن بعض الأئمة والحفاظ جعله من أفراد nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم كأنه خفي عليه مواضعه من nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، واحتجوا أيضا بحديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عن سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : { nindex.php?page=hadith&LINKID=34869ماتت لنا شاة فدبغنا مسكها ثم ما زلنا ننبذ فيه حتى صار شنا } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، هكذا رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده بإسناد صحيح عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=34868ماتت شاة لسودة فقالت : يا رسول الله ماتت فلانة تعني الشاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلا أخذتم مسكها ؟ فقالت : نأخذ مسك شاة قد ماتت } وذكر تمام الحديث كرواية nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري . وبحديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=1911أمر أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت } حديث حسن رواه nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك في الموطأ وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي وآخرون بأسانيد حسنة . وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه في اللباس ، nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي في الذبائح . وبحديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=810أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ من سقاء فقيل له : إنه ميتة فقال : دباغه يذهب بخبثه أو نجسه أو رجسه } رواه الحاكم أبو عبد الله في المستدرك على الصحيحين وقال : حديث صحيح ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وقال : هذا إسناد صحيح . وبحديث جون ( بفتح الجيم ) ابن قتادة عن سلمة بن المحبق ( بالحاء المهملة وبفتح الباء الموحدة المشددة وكسرها ) رضي الله عنه { nindex.php?page=hadith&LINKID=6845أن نبي الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك دعا بماء من عند امرأة قالت : ما عندي إلا في قربة لي ميتة قال : أليس قد دبغتها ؟ قالت : بلى قال : فإن دباغها ذكاتها } رواه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي بإسناد صحيح ، إلا أن جونا اختلفوا فيه قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل : هو مجهول وقال nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني : هو معروف . وفي المسألة أحاديث كثيرة وفيما ذكرنا كفاية ، ولأنه جلد طاهر طرأت عليه نجاسة فجاز أن يطهر كجلد المذكاة إذا تنجس . وأما الجواب عن احتجاجهم بالآية فهو أنها عامة خصتها السنة . وأما حديث عبد الله بن عكيم فرواه أبو داود والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي وغيرهم قال [ ص: 272 ] الترمذي : هو حديث حسن ، قال : وسمعت nindex.php?page=showalam&ids=12225أحمد بن الحسن يقول : كان nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل يذهب إلى حديث ابن عكيم هذا لقوله : " قبل وفاته بشهرين " وكان يقول : هذا آخر الأمر ، قال : ثم ترك nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل هذا الحديث لما اضطربوا في إسناده حيث روى بعضهم عن ابن عكيم عن أشياخ من جهينة . هذا كلام الترمذي . وقد روي هذا الحديث " قبل موته بشهر " وروي " بشهرين " وروي ( بأربعين يوما ) قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في كتابه معرفة السنن والآثار وآخرون من الأئمة الحفاظ : هذا الحديث مرسل وابن عكيم ليس بصحابي ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : مذهب عامة العلماء جواز الدباغ ووهنوا هذا الحديث لأن ابن عكيم لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو حكاية عن كتاب أتاهم ، وعللوه أيضا بأنه مضطرب ، وعن مشيخة مجهولين لم تثبت صحبتهم . إذا عرف هذا فالجواب عنه من خمسة أوجه ( أحدها ) ما قدمناه عن الحفاظ أنه حديث مرسل ( والثاني ) أنه مضطرب كما سبق وكما نقله الترمذي عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ولا يقدح في هذين الجوابين قول الترمذي : إنه حديث حسن ، لأنه قاله عن اجتهاده ، وقد بين هو وغيره وجه ضعفه كما سبق ( الثالث ) أنه كتاب ، وأخبارنا سماع وأصح إسنادا وأكثر رواة وسالمة من الاضطراب فهي أقوى وأولى ( الرابع ) أنه عام في النهي ، وأخبارنا مخصصة للنهي بما قبل الدباغ مصرحة بجواز الانتفاع بعد الدباغ ، والخاص مقدم .
( والخامس ) أن الإهاب الجلد قبل دباغه ولا يسمى إهابا بعده كما قدمناه عن nindex.php?page=showalam&ids=14248الخليل بن أحمد nindex.php?page=showalam&ids=15409والنضر بن شميل nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبي داود السجستاني nindex.php?page=showalam&ids=14042والجوهري وغيرهم ، فلا تعارض بين الحديثين بل النهي لما قبل الدباغ تصريحا . فإن قالوا : خبرنا متأخر فقدم ، فالجواب من أوجه ( أحدها ) لا نسلم [ ص: 273 ] تأخره على أخبارنا لأنها مطلقة فيجوز أن يكون بعضها قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بدون شهرين وشهر ( الثاني ) أنه روي قبل موته بشهر وروي شهرين وروي أربعين يوما كما سبق ، وكثير من الروايات ليس فيها تاريخ ، وكذا هو في روايتي أبي داود والترمذي وغيرهما . فحصل فيه نوع اضطراب فلم يبق فيه تاريخ يعتمد ( الثالث ) لو سلم تأخره لم يكن فيه دليل لأنه عام ، وأخبارنا خاصة ، والخاص مقدم على العام سواء تقدم أو تأخر كما هو معروف عن الجماهير من أهل أصول الفقه . وأما الجواب عن قياسهم على اللحم فمن وجهين ( أحدهما ) أنه قياس في مقابلة نصوص فلا يلتفت إليه ( والثاني ) أن الدباغ في اللحم لا يتأتى وليس فيه مصلحة له ، بل يمحقه بخلاف الجلد فإنه ينظفه ويطيبه ويصلبه ، وبهذين الجوابين يجاب عن قولهم : العلة في التنجيس الموت وهو قائم والله أعلم .
وأما الأوزاعي ومن وافقه فاحتج لهم بما روى أبو المليح عامر بن أسامة عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=38647نهى عن جلود السباع } رواه أبو داود والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي وغيرهم بأسانيد صحيحة ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في المستدرك وقال : حديث صحيح . وفي رواية الترمذي وغيره { nindex.php?page=hadith&LINKID=38648نهى عن جلود السباع أن تفترش } ، قالوا : فلو كانت تطهر بالدباغ لم ينه عن افتراشها مطلقا ، وبحديث سلمة بن المحبق الذي قدمناه : { nindex.php?page=hadith&LINKID=18684دباغ الأديم ذكاته } قالوا : وذكاة ما لا يؤكل لا تطهره قالوا : ولأنه حيوان لا يؤكل فلم يطهر جلده بالدبغ كالكلب . واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=8962أيما إهاب دبغ فقد طهر } وبحديث : { nindex.php?page=hadith&LINKID=9923إذا دبغ الإهاب فقد طهر } وهما صحيحان كما سبق ، وهما عامان لكل جلد . وبحديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة : { nindex.php?page=hadith&LINKID=2014أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت } وهو حديث حسن كما سبق . وبحديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس الذي ذكرناه عن المستدرك وغير ذلك من الأحاديث العامة فهي [ ص: 274 ] على عمومها إلا ما أجمعنا على تخصيصه وهو الكلب والخنزير فإن قالوا : جلد ما لا يؤكل لا يسمى إهابا كما حكاه عنهم nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي ، فالجواب أن هذا خلاف لغة العرب . قال الإمام أبو منصور الأزهري : جعلت العرب جلد الإنسان إهابا وأنشد فيه قول عنترة :
فشككت بالرمح الأصم إهابه
.
أراد رجلا لقيه في الحرب فانتظم جلده بسنان رمحه ، وأنشد nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي وغيره فيه أبياتا كثيرة منها قول nindex.php?page=showalam&ids=15871ذي الرمة :
لا يدخران من الإيغام باقية حتى تكاد تفرى عنهما الأهب
وعن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة في وصفها أبيها رضي الله عنهما قالت : " وحقن الدماء في أهبها " تريد دماء الناس ، وهذا مشهور لا حاجة إلى الإطالة فيه ولأنه جلد حيوان طاهر فأشبه المأكول .
وأما الجواب عن حديثهم الأول فمن وجهين أحسنهما وأصحهما ولم يذكر nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وآخرون غيره أن النهي عن nindex.php?page=treesubj&link=567_24729افتراش جلود السباع إنما كان لكونها لا يزال عنها الشعر في العادة ، لأنها إنما تقصد للشعر كجلود الفهد والنمر . فإذا دبغت بقي الشعر نجسا فإنه لا يطهر بالدبغ على المذهب الصحيح ، فلهذا نهي عنها ( الثاني ) أن النهي محمول على ما قبل الدبغ ، كذا أجاب بعض أصحابنا وهو ضعيف ، إذ لا معنى لتخصيص السباع حينئذ بل كل الجلود في ذلك سواء وقد يجاب عن هذا الاعتراض بأنها خصت بالذكر لأنها كانت تستعمل قبل الدباغ غالبا أو كثيرا . والجواب عن حديث مسلمة أن المراد أن دباغ الأديم مطهر له ومبيح لاستعماله كالذكاة . وأما قياسهم على الكلب فجوابه أنه نجس في حياته فلا يزيد الدباغ على الحياة والله أعلم .
وأما nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة في قوله يطهر بالدبغ جلد الكلب ، nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود في قوله والخنزير فاحتج لهما بعموم الأحاديث السابقة وبالقياس على الحمار وغيره ، واحتج أصحابنا بأحاديث لا دلالة فيها فتركتها لأني التزمت في خطبة الكتاب الإعراض عن الدلائل الواهية . واحتجوا بأن الحياة أقوى من الدباغ بدليل أنها سبب لطهارة الجملة ، والدباغ إنما يطهر [ ص: 275 ] الجلد ، فإذا كانت الحياة لا تطهر الكلب والخنزير فالدباغ أولى ، ولأن النجاسة إنما تزول بالمعالجة إذا كانت طارئة كثوب تنجس ، أما إذا كانت لازمة للعين فلا ، كالعذرة والروث فكذا الكلب . وأما احتجاجهم بالأحاديث فأجاب الأصحاب لأنها عامة مخصوصة بغير الكلب والخنزير لما ذكرناه ، وجواب آخر nindex.php?page=showalam&ids=11990لأبي حنيفة أنا اتفقنا نحن وأنتم على إخراج الخنزير من العموم ، والكلب في معناه ، وأما قياسهم على الحمار فالفرق أنه طاهر في الحياة فرده الدباغ إلى أصله والله أعلم .
وأما nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك ومن وافقه فاحتجوا في طهارة ظاهره دون باطنه بأن الدباغ إنما يؤثر في الظاهر ، واحتج أصحابنا بعموم الأحاديث الصحيحة السابقة كحديث : { nindex.php?page=hadith&LINKID=9923إذا دبغ الإهاب فقد طهر } وغيره فهي عامة في طهارة الظاهر والباطن . وبحديث سودة المتقدم قالت : { nindex.php?page=hadith&LINKID=34869ماتت لنا شاة فدبغنا مسكها وهو جلدها فما زلنا ننبذ فيه حتى صار شنا } حديث صحيح كما سبق وهو صريح في المسألة فإنه استعمل في مائع وهم لا يجيزونه ، وإن كانوا يجيزون شرب الماء منه ; لأن الماء لا ينجس عندهم إلا بالتغير ، قال أصحابنا : ولأن ما طهر ظاهره طهر باطنه كالذكاة . وأما الجواب عن قولهم : إنما يؤثر الدباغ في الظاهر . فمن وجهين ( أحدهما ) لا نسلم ، بل يؤثر في الباطن أيضا بانتزاع الفضلات وتنشيف رطوباته المعفنة كتأثيره في الظاهر ( والثاني ) أن ما ذكره مخالف للنصوص الصحيحة الصريحة فلا يلتفت إليه والله أعلم .
وأما الزهري فاحتج برواية جاءت في حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : { nindex.php?page=hadith&LINKID=38948هلا أخذتم إهابها فانتفعتم به } ولم يذكر الدباغ ، واحتج أصحابنا بالأحاديث الصحيحة السابقة ، وأما هذه الرواية فمطلقة محمولة على الروايات الصحيحات المشهورات والله أعلم .
وذكر إمام الحرمين في النهاية مذاهب السلف بنحو ما سبق ثم قال : ولا يستند على هذا السبر غير مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، فإن من قال يؤثر الدباغ [ ص: 276 ] في المأكول خاصة تعلقوا بخصوص السبب في شاة ميمونة . وليس ذلك بصحيح فإن اللفظ عام مستقل بالإفادة ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة لم يطرد مذهبه في الخنزير عملا بالعموم ولا يظهر فرق بين الكلب والخنزير . وأما nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فإنه نظر إلى ما أمر به الشرع من استعمال الأشياء الجائزة كالقرظ ، وغاص على فهم المعنى وهو أن سبب نجاسة الجلود بالموت لأنها بانقطاع الحياة عنها تتعرض للبلى والعفن والنتن ، فإذا دبغت لم تتعرض للتغير ، وقد بطل حمل اللفظ على خصوص السبب وامتنع التعميم لما ذكرنا في جلد الخنزير ، وأرشد الدباغ إلى معنى يضاهي به المدبوغ الحيوان في حال الحياة فإن الحياة دافعة للعفن ، والموت جالب له ، والدباغ يرده إلى مضاهاة الحياة في السلامة من التغير ، فانتظم بذلك اعتبار المدبوغ بالحي فقال : كل ما كان في الحياة طاهرا عاد جلده بالدبغ طاهرا ، وما كان نجسا لا يطهر ، ثم ثبت عنده نجاسة الكلب من نجاسة لعابه والله أعلم .
( الشرح ) : الآنية جمع إناء وجمع الآنية الأواني ، فالإناء مفرد وجمعه آنية والأواني جمع الجمع فلا يستعمل في أقل من تسعة إلا مجازا . وأما استعمال الغزالي رحمه الله وجماعة من الخراسانيين الآنية في المفرد فليس بصحيح في اللغة ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14042الجوهري : جمع الإناء آنية وجمع الآنية الأواني كسقاء وأسقية وأساق . وأما الحديث المذكور فصحيح رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في صحيحه وأبو داود والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي وغيرهم من رواية nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما أما nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم فذكره في آخر كتاب الطهارة وأما أبو داود والترمذي ففي كتاب اللباس nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي في الذبائح وهذا المذكور لفظ رواية الترمذي وقليلين ، قال الترمذي : حديث حسن صحيح وأما رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وأبي داود وآخرين ففيها " { nindex.php?page=hadith&LINKID=9923إذا دبغ الإهاب فقد طهر } وقد جمعت طرقه واختلاف ألفاظه في كتاب جامع السنة . ويقال طهر بفتح الهاء وضمها والفتح أفصح وأشهر وقد سبق بيانه في أول كتاب الطهارة . وأما الإهاب بكسر الهمزة فجمعه أهب بضم الهمزة والهاء ، وأهب بفتحهما لغتان ، واختلف أهل اللغة فيه فقال إمام اللغة والعربية أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد رحمه الله الإهاب هو الجلد قبل أن يدبغ ، وكذا ذكره nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود السجستاني في سننه وحكاه عن nindex.php?page=showalam&ids=15409النضر بن شميل ولم يذكر غيره ، وكذا قاله nindex.php?page=showalam&ids=14042الجوهري وآخرون من أهل اللغة ، وذكر الأزهري في شرح ألفاظ المختصر nindex.php?page=showalam&ids=14228والخطابي وغيرهما أنه الجلد ولم يقيدوه بما لم يدبغ . [ ص: 268 ] الخنزير معروف واختلف أهل العربية في نونه هل هي زائدة أم أصلية ؟ وقد أوضحته في تهذيب الأسماء واللغات .
وأما قول المصنف : " فكل حيوان نجس بالموت " فمعناه حكمنا بعد موته بأنه نجس فيدخل فيه الكلب والخنزير فلهذا استثناه المصنف فقال : ما عدا الكلب والخنزير ، وقد ادعى بعضهم أن هذا الاستثناء ليس بصحيح وأنه لا حاجة إليه وزعم أن بقوله : " نجس بالموت " يخرج الكلب والخنزير لأنه لم ينجس بالموت بل كان نجسا قبله واستمرت نجاسته ، هذا الإنكار باطل وإنما حصل الإنكار لحمله كلام المصنف على غير مراده الذي ذكرته فالصواب ما قدمته والله أعلم .
( أما حكم المسألة ) فكل nindex.php?page=treesubj&link=567_24729الجلود النجسة بعد الموت تطهر بالدباغ إلا الكلب والخنزير والمتولد من أحدهما ، وهذا متفق عليه عندنا وسنذكر مذاهب العلماء فيه إن شاء الله تعالى في فرع ، وحكى المتولي والروياني وجها أن جلد الميتة ليس بنجس . حكاه المتولي عن حكاية ابن القطان قال وإنما أمر بالدبغ بسبب الزهومة التي في الجلد فإنها نجسة فيؤمر بالدبغ لإزالتها كما يغسل الثوب من النجاسة ، وهذا الوجه في نهاية الضعف وغاية الشذوذ ، وفساده أظهر من أن يذكر . وكيف يصح هذا مع قوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=9923إذا دبغ الإهاب فقد طهر } . فإن قيل : ليس في الحديث أن الجلد نجس العين فتحمل الطهارة فيه على الطهارة من نجاسة المجاورة بالزهومة كما يقال : طهر ثوبه إذا غسل من النجاسة ، فالجواب أن هذا تأويل بعيد ليس له دليل يعضده ولا حاجة تسنده فهو مردود على قائله ، وتخصيصه الجلد بالطهارة دون باقي الأعضاء والأجزاء دليل على تناقض قوله وقد قال إمام الحرمين : اتفق علماؤنا على أن جلد الميتة قبل الدباغ نجس ، وكذا صرح بنقل الاتفاق عليه آخرون ، والله أعلم .
وأما nindex.php?page=treesubj&link=567_569الكلب والخنزير وفرع أحدهما فلا يطهر جلده بالدباغ بلا خلاف لما ذكره المصنف ، وقوله : فلا يطهر جلدها بالدباغ وفي بعض النسخ المعتمدة جلدهما بالتثنية ، وكلاهما صحيح ، فالتثنية تعود إلى النوعين ، وقوله : [ ص: 269 ] جلدها يعود إلى الأنواع الأربعة الكلب والخنزير واللذان بعدهما
وأما قوله : ( كل حيوان نجس بالموت ) فاحتراز مما لا ينجس بالموت بل يبقى طاهرا ، وذلك خمسة أنواع ذكرها صاحب الحاوي : السمك والجراد والجنين بعد ذكاة أمه ، والصيد إذا قتله الكلب أو السهم بشرطه ، والخامس الآدمي على أصح القولين . فهذه nindex.php?page=treesubj&link=531_22662_565_25292ميتات طاهر لحمها وجلدها ، فأما الجراد فلا جلد له والسمك منه ما لا جلد له ومنه ما له جلد كعظيم حيتان البحر ، والجنين والصيد لهما جلد فيتصرف فيه بلا دباغ جميع أنواع التصرف من بيع واستعمال في يابس ورطب وغير ذلك . وأما الآدمي فإذا قلنا بالصحيح : أنه لا ينجس بالموت فجلده طاهر لكن لا يجوز استعمال جلده ولا شيء من أجزائه بعد الموت لحرمته وكرامته ، اتفق أصحابنا على تحريمه وصرحوا بذلك في كتبهم منهم إمام الحرمين وخلائق ، قال الدارمي في الاستذكار : لا يختلف القول أن دباغ جلود بني آدم واستعمالها حرام ، ونقل الإمام الحافظ nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم في كتابه كتاب الإجماع إجماع المسلمين على تحريم سلخ جلد الآدمي واستعماله وإن قلنا بالقول الضعيف : أن الآدمي ينجس بالموت فجلده نجس وهل يطهر بالدبغ ؟ فيه وجهان حكاهما إمام الحرمين وابن الصباغ والغزالي وغيرهم الصحيح منهما أنه يطهر وهو اختيار المصنف والجمهور ، لأنهم قالوا : كل جلد نجس بالموت طهر بالدباغ ودليله عموم الحديث : { nindex.php?page=hadith&LINKID=8962أيما إهاب دبغ فقد طهر } ( والوجه الثاني ) لا يطهر بالدبغ لأن دباغه حرام لما فيه من الامتهان ، قال إمام الحرمين : وهذا فاسد لأن الدباغ لا يحرم لعينه وإنما المحرم حصول الامتهان على أي وجه حصل ، وأغرب الدارمي وابن الصباغ ، وذكرا وجها أنه لا يتأتى دباغه والله أعلم .
[ ص: 270 ] فرع في nindex.php?page=treesubj&link=24729_566مذاهب العلماء في جلود الميتة هي سبعة مذاهب أحدها : لا يطهر بالدباغ شيء من جلود الميتة لما روي عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب وابنه وعائشة رضي الله عنهم وهو أشهر الروايتين عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ورواية عن nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك . والمذهب الثاني : يطهر بالدباغ جلد مأكول اللحم دون غيره وهو مذهب الأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=16418وابن المبارك nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبي داود nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه . والثالث : يطهر به كل جلود الميتة إلا الكلب والخنزير والمتولد من أحدهما وهو مذهبنا ، وحكوه عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود رضي الله عنهما والرابع : يطهر به الجميع إلا جلد الخنزير وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة . والخامس : يطهر الجميع والكلب والخنزير إلا أنه يطهر ظاهره دون باطنه فيستعمل في اليابس دون الرطب ويصلى عليه لا فيه ، وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك فيما حكاه أصحابنا عنه . والسادس : يطهر بالدباغ جميع جلود الميتة والكلب والخنزير ظاهرا وباطنا ، قال nindex.php?page=showalam&ids=15858داود وأهل الظاهر ، وحكاه الماوردي عن nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف . والسابع : ينتفع بجلود الميتة بلا دباغ ويجوز استعمالها في الرطب واليابس حكوه عن الزهري . واحتج nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد وموافقيه بأشياء منها قول الله تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3حرمت عليكم الميتة } وهو عام في الجلد وغيره وبحديث عبد الله بن عكيم قال : أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : قبل موته بشهر { nindex.php?page=hadith&LINKID=1741ألا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب } وهذا الحديث هو عمدتهم قالوا : ولأنه جزء من الميتة فلم يطهر بشيء كاللحم ، ولأن المعنى الذي نجس به هو الموت وهو ملازم له لا يزول بالدبغ فلا يتغير الحكم . واحتج أصحابنا بالحديثين السابقين : { nindex.php?page=hadith&LINKID=9923إذا دبغ الإهاب فقد طهر } { nindex.php?page=hadith&LINKID=8962وأيما إهاب دبغ فقد طهر } وهما صحيحان كما سبق بيانه ، وبحديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في شاة ميمونة : هلا أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به قالوا : يا رسول الله إنها ميتة قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=12485إنما حرم أكلها } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم في [ ص: 271 ] صحيحيهما من طرق ، أما nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم فرواه في آخر كتاب الطهارة ، وأما nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فرواه في مواضع من صحيحه منها كتاب الزكاة في الصدقة على موالي أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي كتاب الصيد والذبائح وغيره . وإنما ذكرت هذا لأن بعض الأئمة والحفاظ جعله من أفراد nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم كأنه خفي عليه مواضعه من nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، واحتجوا أيضا بحديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عن سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : { nindex.php?page=hadith&LINKID=34869ماتت لنا شاة فدبغنا مسكها ثم ما زلنا ننبذ فيه حتى صار شنا } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، هكذا رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده بإسناد صحيح عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=34868ماتت شاة لسودة فقالت : يا رسول الله ماتت فلانة تعني الشاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلا أخذتم مسكها ؟ فقالت : نأخذ مسك شاة قد ماتت } وذكر تمام الحديث كرواية nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري . وبحديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=1911أمر أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت } حديث حسن رواه nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك في الموطأ وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي وآخرون بأسانيد حسنة . وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه في اللباس ، nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي في الذبائح . وبحديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=810أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ من سقاء فقيل له : إنه ميتة فقال : دباغه يذهب بخبثه أو نجسه أو رجسه } رواه الحاكم أبو عبد الله في المستدرك على الصحيحين وقال : حديث صحيح ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وقال : هذا إسناد صحيح . وبحديث جون ( بفتح الجيم ) ابن قتادة عن سلمة بن المحبق ( بالحاء المهملة وبفتح الباء الموحدة المشددة وكسرها ) رضي الله عنه { nindex.php?page=hadith&LINKID=6845أن نبي الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك دعا بماء من عند امرأة قالت : ما عندي إلا في قربة لي ميتة قال : أليس قد دبغتها ؟ قالت : بلى قال : فإن دباغها ذكاتها } رواه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي بإسناد صحيح ، إلا أن جونا اختلفوا فيه قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل : هو مجهول وقال nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني : هو معروف . وفي المسألة أحاديث كثيرة وفيما ذكرنا كفاية ، ولأنه جلد طاهر طرأت عليه نجاسة فجاز أن يطهر كجلد المذكاة إذا تنجس . وأما الجواب عن احتجاجهم بالآية فهو أنها عامة خصتها السنة . وأما حديث عبد الله بن عكيم فرواه أبو داود والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي وغيرهم قال [ ص: 272 ] الترمذي : هو حديث حسن ، قال : وسمعت nindex.php?page=showalam&ids=12225أحمد بن الحسن يقول : كان nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل يذهب إلى حديث ابن عكيم هذا لقوله : " قبل وفاته بشهرين " وكان يقول : هذا آخر الأمر ، قال : ثم ترك nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل هذا الحديث لما اضطربوا في إسناده حيث روى بعضهم عن ابن عكيم عن أشياخ من جهينة . هذا كلام الترمذي . وقد روي هذا الحديث " قبل موته بشهر " وروي " بشهرين " وروي ( بأربعين يوما ) قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في كتابه معرفة السنن والآثار وآخرون من الأئمة الحفاظ : هذا الحديث مرسل وابن عكيم ليس بصحابي ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : مذهب عامة العلماء جواز الدباغ ووهنوا هذا الحديث لأن ابن عكيم لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو حكاية عن كتاب أتاهم ، وعللوه أيضا بأنه مضطرب ، وعن مشيخة مجهولين لم تثبت صحبتهم . إذا عرف هذا فالجواب عنه من خمسة أوجه ( أحدها ) ما قدمناه عن الحفاظ أنه حديث مرسل ( والثاني ) أنه مضطرب كما سبق وكما نقله الترمذي عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ولا يقدح في هذين الجوابين قول الترمذي : إنه حديث حسن ، لأنه قاله عن اجتهاده ، وقد بين هو وغيره وجه ضعفه كما سبق ( الثالث ) أنه كتاب ، وأخبارنا سماع وأصح إسنادا وأكثر رواة وسالمة من الاضطراب فهي أقوى وأولى ( الرابع ) أنه عام في النهي ، وأخبارنا مخصصة للنهي بما قبل الدباغ مصرحة بجواز الانتفاع بعد الدباغ ، والخاص مقدم .
( والخامس ) أن الإهاب الجلد قبل دباغه ولا يسمى إهابا بعده كما قدمناه عن nindex.php?page=showalam&ids=14248الخليل بن أحمد nindex.php?page=showalam&ids=15409والنضر بن شميل nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبي داود السجستاني nindex.php?page=showalam&ids=14042والجوهري وغيرهم ، فلا تعارض بين الحديثين بل النهي لما قبل الدباغ تصريحا . فإن قالوا : خبرنا متأخر فقدم ، فالجواب من أوجه ( أحدها ) لا نسلم [ ص: 273 ] تأخره على أخبارنا لأنها مطلقة فيجوز أن يكون بعضها قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بدون شهرين وشهر ( الثاني ) أنه روي قبل موته بشهر وروي شهرين وروي أربعين يوما كما سبق ، وكثير من الروايات ليس فيها تاريخ ، وكذا هو في روايتي أبي داود والترمذي وغيرهما . فحصل فيه نوع اضطراب فلم يبق فيه تاريخ يعتمد ( الثالث ) لو سلم تأخره لم يكن فيه دليل لأنه عام ، وأخبارنا خاصة ، والخاص مقدم على العام سواء تقدم أو تأخر كما هو معروف عن الجماهير من أهل أصول الفقه . وأما الجواب عن قياسهم على اللحم فمن وجهين ( أحدهما ) أنه قياس في مقابلة نصوص فلا يلتفت إليه ( والثاني ) أن الدباغ في اللحم لا يتأتى وليس فيه مصلحة له ، بل يمحقه بخلاف الجلد فإنه ينظفه ويطيبه ويصلبه ، وبهذين الجوابين يجاب عن قولهم : العلة في التنجيس الموت وهو قائم والله أعلم .
وأما الأوزاعي ومن وافقه فاحتج لهم بما روى أبو المليح عامر بن أسامة عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=38647نهى عن جلود السباع } رواه أبو داود والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي وغيرهم بأسانيد صحيحة ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في المستدرك وقال : حديث صحيح . وفي رواية الترمذي وغيره { nindex.php?page=hadith&LINKID=38648نهى عن جلود السباع أن تفترش } ، قالوا : فلو كانت تطهر بالدباغ لم ينه عن افتراشها مطلقا ، وبحديث سلمة بن المحبق الذي قدمناه : { nindex.php?page=hadith&LINKID=18684دباغ الأديم ذكاته } قالوا : وذكاة ما لا يؤكل لا تطهره قالوا : ولأنه حيوان لا يؤكل فلم يطهر جلده بالدبغ كالكلب . واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=8962أيما إهاب دبغ فقد طهر } وبحديث : { nindex.php?page=hadith&LINKID=9923إذا دبغ الإهاب فقد طهر } وهما صحيحان كما سبق ، وهما عامان لكل جلد . وبحديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة : { nindex.php?page=hadith&LINKID=2014أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت } وهو حديث حسن كما سبق . وبحديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس الذي ذكرناه عن المستدرك وغير ذلك من الأحاديث العامة فهي [ ص: 274 ] على عمومها إلا ما أجمعنا على تخصيصه وهو الكلب والخنزير فإن قالوا : جلد ما لا يؤكل لا يسمى إهابا كما حكاه عنهم nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي ، فالجواب أن هذا خلاف لغة العرب . قال الإمام أبو منصور الأزهري : جعلت العرب جلد الإنسان إهابا وأنشد فيه قول عنترة :
فشككت بالرمح الأصم إهابه
.
أراد رجلا لقيه في الحرب فانتظم جلده بسنان رمحه ، وأنشد nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي وغيره فيه أبياتا كثيرة منها قول nindex.php?page=showalam&ids=15871ذي الرمة :
لا يدخران من الإيغام باقية حتى تكاد تفرى عنهما الأهب
وعن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة في وصفها أبيها رضي الله عنهما قالت : " وحقن الدماء في أهبها " تريد دماء الناس ، وهذا مشهور لا حاجة إلى الإطالة فيه ولأنه جلد حيوان طاهر فأشبه المأكول .
وأما الجواب عن حديثهم الأول فمن وجهين أحسنهما وأصحهما ولم يذكر nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وآخرون غيره أن النهي عن nindex.php?page=treesubj&link=567_24729افتراش جلود السباع إنما كان لكونها لا يزال عنها الشعر في العادة ، لأنها إنما تقصد للشعر كجلود الفهد والنمر . فإذا دبغت بقي الشعر نجسا فإنه لا يطهر بالدبغ على المذهب الصحيح ، فلهذا نهي عنها ( الثاني ) أن النهي محمول على ما قبل الدبغ ، كذا أجاب بعض أصحابنا وهو ضعيف ، إذ لا معنى لتخصيص السباع حينئذ بل كل الجلود في ذلك سواء وقد يجاب عن هذا الاعتراض بأنها خصت بالذكر لأنها كانت تستعمل قبل الدباغ غالبا أو كثيرا . والجواب عن حديث مسلمة أن المراد أن دباغ الأديم مطهر له ومبيح لاستعماله كالذكاة . وأما قياسهم على الكلب فجوابه أنه نجس في حياته فلا يزيد الدباغ على الحياة والله أعلم .
وأما nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة في قوله يطهر بالدبغ جلد الكلب ، nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود في قوله والخنزير فاحتج لهما بعموم الأحاديث السابقة وبالقياس على الحمار وغيره ، واحتج أصحابنا بأحاديث لا دلالة فيها فتركتها لأني التزمت في خطبة الكتاب الإعراض عن الدلائل الواهية . واحتجوا بأن الحياة أقوى من الدباغ بدليل أنها سبب لطهارة الجملة ، والدباغ إنما يطهر [ ص: 275 ] الجلد ، فإذا كانت الحياة لا تطهر الكلب والخنزير فالدباغ أولى ، ولأن النجاسة إنما تزول بالمعالجة إذا كانت طارئة كثوب تنجس ، أما إذا كانت لازمة للعين فلا ، كالعذرة والروث فكذا الكلب . وأما احتجاجهم بالأحاديث فأجاب الأصحاب لأنها عامة مخصوصة بغير الكلب والخنزير لما ذكرناه ، وجواب آخر nindex.php?page=showalam&ids=11990لأبي حنيفة أنا اتفقنا نحن وأنتم على إخراج الخنزير من العموم ، والكلب في معناه ، وأما قياسهم على الحمار فالفرق أنه طاهر في الحياة فرده الدباغ إلى أصله والله أعلم .
وأما nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك ومن وافقه فاحتجوا في طهارة ظاهره دون باطنه بأن الدباغ إنما يؤثر في الظاهر ، واحتج أصحابنا بعموم الأحاديث الصحيحة السابقة كحديث : { nindex.php?page=hadith&LINKID=9923إذا دبغ الإهاب فقد طهر } وغيره فهي عامة في طهارة الظاهر والباطن . وبحديث سودة المتقدم قالت : { nindex.php?page=hadith&LINKID=34869ماتت لنا شاة فدبغنا مسكها وهو جلدها فما زلنا ننبذ فيه حتى صار شنا } حديث صحيح كما سبق وهو صريح في المسألة فإنه استعمل في مائع وهم لا يجيزونه ، وإن كانوا يجيزون شرب الماء منه ; لأن الماء لا ينجس عندهم إلا بالتغير ، قال أصحابنا : ولأن ما طهر ظاهره طهر باطنه كالذكاة . وأما الجواب عن قولهم : إنما يؤثر الدباغ في الظاهر . فمن وجهين ( أحدهما ) لا نسلم ، بل يؤثر في الباطن أيضا بانتزاع الفضلات وتنشيف رطوباته المعفنة كتأثيره في الظاهر ( والثاني ) أن ما ذكره مخالف للنصوص الصحيحة الصريحة فلا يلتفت إليه والله أعلم .
وأما الزهري فاحتج برواية جاءت في حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : { nindex.php?page=hadith&LINKID=38948هلا أخذتم إهابها فانتفعتم به } ولم يذكر الدباغ ، واحتج أصحابنا بالأحاديث الصحيحة السابقة ، وأما هذه الرواية فمطلقة محمولة على الروايات الصحيحات المشهورات والله أعلم .
وذكر إمام الحرمين في النهاية مذاهب السلف بنحو ما سبق ثم قال : ولا يستند على هذا السبر غير مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، فإن من قال يؤثر الدباغ [ ص: 276 ] في المأكول خاصة تعلقوا بخصوص السبب في شاة ميمونة . وليس ذلك بصحيح فإن اللفظ عام مستقل بالإفادة ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة لم يطرد مذهبه في الخنزير عملا بالعموم ولا يظهر فرق بين الكلب والخنزير . وأما nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فإنه نظر إلى ما أمر به الشرع من استعمال الأشياء الجائزة كالقرظ ، وغاص على فهم المعنى وهو أن سبب نجاسة الجلود بالموت لأنها بانقطاع الحياة عنها تتعرض للبلى والعفن والنتن ، فإذا دبغت لم تتعرض للتغير ، وقد بطل حمل اللفظ على خصوص السبب وامتنع التعميم لما ذكرنا في جلد الخنزير ، وأرشد الدباغ إلى معنى يضاهي به المدبوغ الحيوان في حال الحياة فإن الحياة دافعة للعفن ، والموت جالب له ، والدباغ يرده إلى مضاهاة الحياة في السلامة من التغير ، فانتظم بذلك اعتبار المدبوغ بالحي فقال : كل ما كان في الحياة طاهرا عاد جلده بالدبغ طاهرا ، وما كان نجسا لا يطهر ، ثم ثبت عنده نجاسة الكلب من نجاسة لعابه والله أعلم .