الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( nindex.php?page=treesubj&link=906_933ولا تصح الجمعة إلا في وقت الظهر ; لأنهما فرض في وقت واحد فلم يختلف وقتهما كصلاة الحضر وصلاة السفر ، وإن nindex.php?page=treesubj&link=933خطب قبل دخول الوقت لم تصح ; لأن الجمعة ردت إلى ركعتين بالخطبة فإذا لم تجز الصلاة قبل الوقت لم تجز الخطبة فإن دخل فيها في وقتها ثم خرج الوقت لم يجز فعل الجمعة ; لأنه لا يجوز ابتداؤها بعد خروج الوقت فلا يجوز إتمامها كالحج ، ويتم الظهر ; لأنه فرض رد من أربع إلى ركعتين بشرط يختص به ، فإذا زال الشرط أتم كالمسافر إذا دخل في الصلاة ثم قدم قبل أن يتم ، وإن أحرم بها في الوقت ثم شك هل خرج الوقت ؟ .
أتم الجمعة ; لأن الأصل بقاء الوقت وصحة الفرض ولا تبطل بالشك .
وإن ضاق وقت الصلاة ورأى أنه إن خطب خطبتين خفيفتين وصلى ركعتين لم يذهب الوقت لزمهم الجمعة ; وإن رأى أنه لا يمكنه ذلك صلى الظهر ) .
( الشرح ) فيه مسائل : ( إحداها ) : اتفقت نصوص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب : أن الجمعة لا تصح إلا في وقت الظهر ، وسأذكر دلائله واضحة إن شاء الله - تعالى - في فرع مذاهب العلماء ، وأجمعت الأمة على أن الجمعة لا تقضى على صورتها جمعة ولكن من فاتته لزمته الظهر .
( الثانية ) يشترط للخطبة كونها في وقت الظهر ; لما ذكره المصنف مع الأحاديث الصحيحة التي سأذكرها في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله - تعالى - .
وهذا متفق عليه عندنا ( الثالثة ) : إذا nindex.php?page=treesubj&link=912شكوا في خروج وقتها فإن كانوا لم يدخلوا فيها لم يجز الدخول فيها باتفاق الأصحاب ; لأن شرطها الوقت ولم [ ص: 378 ] يتحققه فلا يجوز الدخول مع الشك في الشرط ، وإن nindex.php?page=treesubj&link=912دخلوا فيها في وقتها ثم شكوا قبل السلام في خروج الوقت فوجهان ( الصحيح ) وبه قطع المصنف والماوردي والمحاملي والبندنيجي وكتب ابن الصباغ والجمهور : يتمونها جمعة ، كما ذكره المصنف ( والثاني ) : يتمونها ظهرا ، حكاه البغوي وصاحب العدة وآخرون ، للشك في شروطها .
وأما إذا nindex.php?page=treesubj&link=912صلوا الجمعة ثم شكوا بعد فراغها هل خرج وقتها قبل الفراغ منها ؟ فإنهم تجزئهم الجمعة بلا خلاف ; لأن الأصل بقاء الوقت ، قال القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب nindex.php?page=showalam&ids=15021والقفال : وهذا كمن nindex.php?page=treesubj&link=2448تسحر ثم شك هل طلع الفجر أم لا ؟ أو nindex.php?page=treesubj&link=3498وقف بعرفات ثم شك هل كان طلع الفجر ؟ فإنه يجزئه الصوم والوقوف .
( فرع ) قال الدارمي في كتاب الصيام في مسائل الشهادة على الهلال : لو دخلوا في الجمعة فأخبرهم عدل بخروج وقتها ، قال ابن المرزبان : يحتمل أن يصلوا ظهرا قال : وعندي أنهم يتمون جمعة إلا أن يعلموا .
( الرابعة ) : إذا nindex.php?page=treesubj&link=911شرعوا فيها في وقتها ثم خرج الوقت قبل السلام منها فاتت الجمعة بلا خلاف عندنا ; لما ذكره المصنف ، وفي حكم صلاته طريقان : ( أصحهما ) وبه قطع المصنف وسائر العراقيين وجماعات من غيرهم : يجب إتمامها ظهرا ويجزئه .
كما ذكره المصنف ( والثاني ) وهو مشهور للخراسانيين فيه قولان : " المنصوص " يتمونها ظهرا " والثاني " : وهو مخرج لا يجوز إتمامها ظهرا ، فعلى هذا هل تبطل أو تنقلب نفلا ؟ فيه القولان السابقان في أول باب صفة الصلاة فيه وفي نظائره ( أصحهما ) : تنقلب نفلا ، وإن قلنا بالمذهب يتمها ظهرا أسر بالقراءة من حينئذ ولا يحتاج إلى نية الظهر ، كالمسافر إذا نوى القصر ثم لزمه الإتمام بإقامة أو غيرها هذا هو المذهب ، وبه قطع الجمهور .
وحكى صاحب البيان وغيره وجها أنه تجب نية الظهر وليس بشيء .
( الخامسة ) : لو nindex.php?page=treesubj&link=911_1021أدرك مسبوق ركعة من الجمعة فسلم الإمام ، وقام هو إلى الثانية فخرج الوقت قبل سلامه فوجهان مشهوران ( أحدهما ) : يتمها جمعة ، وبه قال ابن الحداد ; لأنها تابعة لجمعة صحيحة ، وهي جمعة الإمام [ ص: 379 ] والناس ، بخلاف ما إذا خرج الوقت قبل سلام الإمام ( والثاني ) : لا يجوز إتمامها جمعة بل يتمها ظهرا ويجيء في بطلانها وانقلابها نفلا ما سبق ، والمذهب إتمامها ظهرا ، صححه البغوي والمتولي والرافعي وآخرون .
قال المتولي : هو قول عامة أصحابنا .
( السادسة ) : لو nindex.php?page=treesubj&link=906_911سلم الإمام والجماعة التسليمة الأولى في الوقت - والثانية خارجه - صحت جمعتهم ; لأنها تمت بالتسليمة الأولى ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=911سلم الإمام الأولى خارج الوقت فاتت الجمعة على جميعهم ولزمهم قضاء الظهر ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=906سلم الإمام وبعضهم الأولى في الوقت وسلمها بعضهم خارج الوقت - فإن بلغ عدد المسلمين في الوقت أربعين - صحت جمعتهم ، وإلا فقال الرافعي : هو شبيه بمسألة الانفضاض والصحيح فوات الجمعة ، وأما المسلمون خارج الوقت فصلاتهم باطلة ، وفيهم وجه ضعيف : إن كان المسلمون في الوقت أربعين إنه تصح جمعتهم ، وهو الوجه السابق في سلام المسبوق بعد الوقت ، ثم سلام الإمام والقوم خارج الوقت ، إن كان مع العلم بالحال بطلت صلاتهم ، وإلا فلهم إتمامها ظهرا على المذهب كما سبق .
( السابعة ) : إذا nindex.php?page=treesubj&link=911ضاق الوقت قبل أن يدخلوا في الجمعة فإن أمكنهم خطبتان وركعتان يقتصر فيهما على الواجبات لزمهم ذلك ، وإلا صلوا الظهر ، نص عليه في الأم واتفق عليه الأصحاب وعليهم أن يشرعوا في الظهر في الحال ، ولا يحل تأخيرها إلى خروج الوقت بالاتفاق ، والله أعلم .
( فرع ) في nindex.php?page=treesubj&link=906_908_907مذاهب العلماء في وقت الجمعة قد ذكرنا أن مذهبنا : أن وقتها وقت الظهر ، ولا يجوز قبله .
وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة وجمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : تجوز قبل الزوال .
قال القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب : حكي عنه أنه قال في الساعة الخامسة ، وقال أصحابه : يجوز فعلها في الوقت الذي تفعل فيه صلاة العيد ، وقالnindex.php?page=showalam&ids=14209الخرقي : في الساعة السادسة ، قال العبدري قال العلماء كافة : لا تجوز صلاة الجمعة قبل الزوال إلا nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، ونقل الماوردي في الحاوي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس كقول [ ص: 380 ] nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، ونقله nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عن nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء وإسحاق قال : وروي ذلك بإسناد لا يثبت عن nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=33ومعاوية .
واحتج nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد بحديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=27856كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس } رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=119سلمة بن الأكوع قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=29093كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان ظل نستظل به } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080لمسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=37743نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء } .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=31سهل بن سعد قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=34561ما كنا نقيل ولا نتغذى إلا بعد الجمعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم ، وليس في رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وعن عبد الله بن سيلان قال " شهدت الجمعة مع nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق رضي الله عنه فكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار ، ثم شهدتها مع nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول انتصف النهار ، ثم شهدتها مع nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان رضي الله عنه فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول زال النهار ، ولا رأيت أحدا عاب ذلك ، ولا أنكره " ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في مسنده nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني وغيرهما .
واحتج أصحابنا والجمهور بحديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=43909كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=119سلمة بن الأكوع قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=29060كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء } . ورواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، هذا هو المعروف من فعل السلف والخلف .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : ( صلى النبي صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=1وأبو بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان والأئمة بعدهم كل جمعة بعد الزوال ) .
( والجواب ) : عن احتجاجهم بحديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر وما بعده أنها كلها محمولة على شدة المبالغة في تعجيلها بعد الزوال من غير إيراد ولا غيره ، هذا مختصر الجواب عن الجميع ، وحملنا عليه الجميع من هذه الأحاديث من الطرفين ، وعمل المسلمين قاطبة أنهم لا يصلونها إلا بعد الزوال ، وتفصيل الجواب [ ص: 381 ] أن يقال : حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر فيه إخبار أن الصلاة والرواح إلى جمالهم كانا حين الزوال لا أن الصلاة قبله .
( فإن قيل ) قوله : حين الزوال لا يسع هذه الجملة ( فجوابه ) : أن المراد نفس الزوال ، وما يدانيه ، كقوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=20994صلى بي العصر حين كان كل شيء مثل ظله } .
( والجواب ) عن حديث سلمة : أنه حجة لنا في كونها بعد الزوال ; لأنه ليس معناه أنه ليس للحيطان شيء من الفيء ، وإنما معناه ليس لها فيء كثير بحيث يستظل به المار .
وهذا معنى قوله : وليس للحيطان ظل يستظل به ، فلم ينف أصل الظل وإنما نفى كثيره الذي يستظل به ، وأوضح منه الرواية الأخرى : " نتتبع الفيء " فهذا فيه تصريح بوجود الفيء ، لكنه قليل ، ومعلوم أن حيطانهم قصيرة وبلادهم متوسطة من الشمس ، ولا يظهر هناك الفيء بحيث يستظل به إلا بعد الزوال بزمان طويل .
وأما حديث سهل : { nindex.php?page=hadith&LINKID=34561ما كنا نقيل ولا نتغذى إلا بعد الجمعة } ( فمعناه ) : أنهم كانوا يؤخرون القيلولة والغذاء في هذا اليوم إلى ما بعد صلاة الجمعة ; لأنهم ندبوا إلى التبكير إليها ، فلو اشتغلوا بشيء من ذلك قبلها خافوا فوتها أو فوت التبكير إليها ، ومما يؤيد هذا ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك في الموطأ بإسناده الصحيح عن عمر بن أبي سهل بن مالك عن أبيه قال كنت أرى طنفسة nindex.php?page=showalam&ids=222لعقيل بن أبي طالب تطرح يوم الجمعة إلى جدار المسجد الغربي ، فإذا غشي الطنفسة كلها ظل الجدار خرج nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم نخرج بعد صلاة الجمعة فنقيل قائلة الضحى .
وأما الأثر عن nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان فضعيف باتفاقهم ; لأن ابن سيلان ضعيف عندهم ، ولو صح لكان متأولا لمخالفة الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
( فرع ) في nindex.php?page=treesubj&link=906مذاهبهم في صلاة الجمعة إذا خرج وقت الظهر وهم فيها قد ذكرنا أن مذهبنا أنها تفوت الجمعة ويتمونها ظهرا ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : تبطل ويستأنفون الظهر ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء : يتمها جمعة ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : إن كان صلى منها ركعة أتمها جمعة وإن كان أقل يتمها ظهرا .