الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر حكمة بالغة فما تغن النذر فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شيء نكر خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر

                                                                                                                                                                                                من الأنباء من القرآن المودع أنباء القرون الخالية أو أنباء الآخرة، وما وصف من عذاب الكفار "مزدجر" ازدجار أو موضع ازدجار. والمعنى: هو في نفسه موضع [ ص: 655 ] الازدجار ومظنة له، كقوله تعالى: لكم في رسول الله أسوة حسنة [الأحزاب: 21] أي: هو أسوة. وقرئ: (مزجر) بقلب تاء الافتعال زايا وإدغام الزاي فيها حكمة بالغة بدل من ماء، أو على: هو حكمة. وقرئ بالنصب حالا من ما. فإن قلت: إن كانت "ما" موصولة ساغ لك أن تنصب "حكمة" حالا، فكيف تعمل إن كانت موصوفة؟ وهو الظاهر. قلت: تخصصها الصفة، فيحسن نصب الحال عنها فما تغن النذر نفى أو إنكار. و "ما" منصوبة، أي: فأي غناء تغني النذر فتول عنهم لعلمك أن الإنذار لا يغني فيهم. نصب يوم يدع الداع بيخرجون، أو بإضمار اذكر. وقرئ: بإسقاط الياء اكتفاء بالكسرة عنها، والداعي إسرافيل أو جبريل، كقوله تعالى: يوم يناد المناد [ق: 41] إلى شيء نكر منكر فظيع تنكره النفوس; لأنها لم تعهد بمثله وهو هول يوم القيامة. وقرئ: (نكر) بالتخفيف; ونكر بمعنى أنكر خشعا أبصارهم حال من الخارجين فعل للأبصار وذكر، كما تقول: يخشع أبصارهم. وقرئ: (خاشعة) على: تخشع أبصارهم. و (خشعا) على: يخشعن أبصارهم، وهي لغة من يقول: أكلوني البراغيث، وهم طيء. ويجوز أن يكون في "خشعا" ضميرهم، وتقع "أبصارهم" بدلا عنه. وقرئ: (خشع أبصارهم)، على الابتداء والخبر، ومحل الجملة النصب على الحال. كقوله [من البسيط]:


                                                                                                                                                                                                وجدته حاضراه الجود والكرم



                                                                                                                                                                                                وخشوع الأبصار: كناية عن الذلة والانخزال; لأن ذلة الذليل وعزة العزيز تظهران في عيونهما. وقرئ: (يخرجون من الأجداث) من القبور كأنهم جراد منتشر الجراد مثل في الكثرة والتموج. يقال في الجيش الكثير المائج بعضه في بعض: جاءوا كالجراد، وكالدبا منتشر في كل مكان لكثرته مهطعين إلى الداع مسرعين مادي أعناقهم إليه. وقيل: ناظرين إليه لا يقلعون بأبصارهم. قال [من الطويل]:


                                                                                                                                                                                                تعبدني نمر بن سعد وقد أرى     ونمر بن سعد لي مطيع ومهطع



                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية