الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكان مسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لثلاث ليال خلون من شهر رمضان في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، وقيل : أربعة عشر ، وقيل : بضعة عشر رجلا ، وقيل : ثمانية عشر ، وقيل : كانوا سبعة وسبعين من المهاجرين ، وقيل : ثلاثة وثمانون والباقون من الأنصار .

فقيل : جميع من ضرب له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسهم من المهاجرين ثلاثة وثمانون رجلا ، ومن الأوس أحد وسبعون رجلا ، ومن الخزرج مائة وسبعون رجلا ، ولم يكن فيهم غير فارسين ، أحدهما المقداد بن عمرو الكندي ، ولا خلاف فيه ، والثاني قيل : كان الزبير بن العوام ، وقيل كان مرثد بن أبي مرثد ، وقيل : المقداد وحده ، وكانت الإبل سبعين بعيرا ، فكانوا يتعاقبون عليها البعير بين الرجلين والثلاثة والأربعة ، فكان بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلي وزيد بن حارثة بعير ، وبين أبي بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف بعير ، وعلى [ ص: 15 ] مثل هذا .

وكان فرس المقداد اسمه سبحة ، وفرس الزبير اسمه السيل ، وكان لواؤه مع مصعب بن عميربن عبد الدار ، ورايته مع علي بن أبي طالب ، وعلى الساقة قيس بن أبي صعصعة الأنصاري .

فلما كان قريبا من الصفراء بعث بسبس بن عمرو وعدي بن أبي الزغباء الجهنيين يتجسسان الأخبار عن أبي سفيان ، ثم ارتحل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وترك الصفراء يسارا ، وعاد إليه بسبس بن عمرو يخبره أن العير قد قاربت بدرا ، ولم يكن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين علم بمسير قريش لمنع عيرهم ، وكان قد بعث عليا والزبير وسعدا يلتمسون له الخبر ببدر ، فأصابوا راوية لقريش فيهم أسلم ، غلام بني الجحجاح ، وأبو يسار ، غلام بني العاص . فأتوا بهما النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قائم يصلي ، فسألوهما ، فقالا : نحن سقاة قريش بعثونا نسقيهم من الماء ، فكره القوم خبرهما وضربوهما ليخبروهما عن أبي سفيان . فقالا : نحن لأبي سفيان ، فتركوهما . وفرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة وقال : إذا صدقاكم ضربتموهما ، وإذا كذباكم تركتموهما ، صدقا ، إنهما لقريش ، أخبراني أين قريش ؟ قالا : هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : كم القوم ؟ قالا : كثير . قال : كم عدتهم ؟ قالا : لا ندري . قال : كم ينحرون ؟ قالا : يوما تسعا ويوما عشرا . قال : القوم بين تسعمائة إلى الألف .

ثم قال لهما : فمن فيهم من أشراف قريش ؟ قالا : عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، والوليد [ ص: 16 ] وأبو البختري بن هشام ، وحكيم بن حزام ، والحارث بن عامر ، وطعيمة بن عدي ، والنضر بن الحارث ، وزمعة بن الأسود ، وأبو جهل ، وأمية بن خلف ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ، وسهيل بن عمرو ، وعمرو بن عبد ود .

فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه وقال : هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها
. ثم استشار أصحابه ، فقال أبو بكر فأحسن ، ثم قال عمر فأحسن ، ثم قام المقداد بن عمرو فقال : يا رسول الله ، امض لما أمرك الله فنحن معك ، والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا ، إنا معكما مقاتلون ، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد - يعني مدينة الحبشة - لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه .

فدعا لهم بخير ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : أشيروا علي أيها الناس - وإنما يريد الأنصار ؛ لأنهم كانوا عدد الناس ، وخاف أن لا يكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا ممن دهمه بالمدينة ، وليس عليهم أن يسير بهم - فقال له سعد بن معاذ : لكأنك تريدنا يا رسول الله ؟ قال : أجل . قال : قد آمنا بك وصدقناك وأعطيناك عهودنا ، فامض يا رسول الله لما أمرت ، فوالذي بعثك بالحق إن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لنخوضنه معك ، وما نكره أن تكون تلقى العدو بنا غدا ، إنا لصبر عند الحرب ، صدق عند اللقاء ، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله !

فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : أبشروا ؛ فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم . ثم انحط على بدر فنزل قريبا منها .

التالي السابق


الخدمات العلمية