الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب جامع بيع الثمر

                                                                                                          قال مالك من اشترى ثمرا من نخل مسماة أو حائط مسمى أو لبنا من غنم مسماة إنه لا بأس بذلك إذا كان يؤخذ عاجلا يشرع المشتري في أخذه عند دفعه الثمن وإنما مثل ذلك بمنزلة راوية زيت يبتاع منها رجل بدينار أو دينارين ويعطيه ذهبه ويشترط عليه أن يكيل له منها فهذا لا بأس به فإن انشقت الراوية فذهب زيتها فليس للمبتاع إلا ذهبه ولا يكون بينهما بيع وأما كل شيء كان حاضرا يشترى على وجهه مثل اللبن إذا حلب والرطب يستجنى فيأخذ المبتاع يوما بيوم فلا بأس به فإن فني قبل أن يستوفي المشتري ما اشترى رد عليه البائع من ذهبه بحساب ما بقي له أو يأخذ منه المشتري سلعة بما بقي له يتراضيان عليها ولا يفارقه حتى يأخذها فإن فارقه فإن ذلك مكروه لأنه يدخله الدين بالدين وقد نهي عن الكالئ بالكالئ فإن وقع في بيعهما أجل فإنه مكروه ولا يحل فيه تأخير ولا نظرة ولا يصلح إلا بصفة معلومة إلى أجل مسمى فيضمن ذلك البائع للمبتاع ولا يسمى ذلك في حائط بعينه ولا في غنم بأعيانها وسئل مالك عن الرجل يشتري من الرجل الحائط فيه ألوان من النخل من العجوة والكبيس والعذق وغير ذلك من ألوان التمر فيستثني منها ثمر النخلة أو النخلات يختارها من نخله فقال مالك ذلك لا يصلح لأنه إذا صنع ذلك ترك ثمر النخلة من العجوة ومكيلة ثمرها خمسة عشر صاعا وأخذ مكانها ثمر نخلة من الكبيس ومكيلة ثمرها عشرة أصوع أو أخذ العجوة التي فيها خمسة عشر صاعا وترك التي فيها عشرة أصوع من الكبيس فكأنه اشترى العجوة بالكبيس متفاضلا وذلك مثل أن يقول الرجل للرجل بين يديه صبر من التمر قد صبر العجوة فجعلها خمسة عشر صاعا وجعل صبرة الكبيس عشرة آصع وجعل صبرة العذق اثني عشر صاعا فأعطى صاحب التمر دينارا على أنه يختار فيأخذ أي تلك الصبر شاء قال مالك فهذا لا يصلح وسئل مالك عن الرجل يشتري الرطب من صاحب الحائط فيسلفه الدينار ماذا له إذا ذهب رطب ذلك الحائط قال مالك يحاسب صاحب الحائط ثم يأخذ ما بقي له من ديناره إن كان أخذ بثلثي دينار رطبا أخذ ثلث الدينار الذي بقي له وإن كان أخذ ثلاثة أرباع ديناره رطبا أخذ الربع الذي بقي له أو يتراضيان بينهما فيأخذ بما بقي له من ديناره عند صاحب الحائط ما بدا له إن أحب أن يأخذ تمرا أو سلعة سوى التمر أخذها بما فضل له فإن أخذ تمرا أو سلعة أخرى فلا يفارقه حتى يستوفي ذلك منه قال مالك وإنما هذا بمنزلة أن يكري الرجل الرجل راحلة بعينها أو يؤاجر غلامه الخياط أو النجار أو العمال لغير ذلك من الأعمال أو يكري مسكنه ويستلف إجارة ذلك الغلام أو كراء ذلك المسكن أو تلك الراحلة ثم يحدث في ذلك حدث بموت أو غير ذلك فيرد رب الراحلة أو العبد أو المسكن إلى الذي سلفه ما بقي من كراء الراحلة أو إجارة العبد أو كراء المسكن يحاسب صاحبه بما استوفى من ذلك إن كان استوفى نصف حقه رد عليه النصف الباقي الذي له عنده وإن كان أقل من ذلك أو أكثر فبحساب ذلك يرد إليه ما بقي له قال مالك ولا يصلح التسليف في شيء من هذا يسلف فيه بعينه إلا أن يقبض المسلف ما سلف فيه عند دفعه الذهب إلى صاحبه يقبض العبد أو الراحلة أو المسكن أو يبدأ فيما اشترى من الرطب فيأخذ منه عند دفعه الذهب إلى صاحبه لا يصلح أن يكون في شيء من ذلك تأخير ولا أجل قال مالك وتفسير ما كره من ذلك أن يقول الرجل للرجل أسلفك في راحلتك فلانة أركبها في الحج وبينه وبين الحج أجل من الزمان أو يقول مثل ذلك في العبد أو المسكن فإنه إذا صنع ذلك كان إنما يسلفه ذهبا على أنه إن وجد تلك الراحلة صحيحة لذلك الأجل الذي سمى له فهي له بذلك الكراء وإن حدث بها حدث من موت أو غيره رد عليه ذهبه وكانت عليه على وجه السلف عنده قال مالك وإنما فرق بين ذلك القبض من قبض ما استأجر أو استكرى فقد خرج من الغرر والسلف الذي يكره وأخذ أمرا معلوما وإنما مثل ذلك أن يشتري الرجل العبد أو الوليدة فيقبضهما وينقد أثمانهما فإن حدث بهما حدث من عهدة السنة أخذ ذهبه من صاحبه الذي ابتاع منه فهذا لا بأس به وبهذا مضت السنة في بيع الرقيق قالمالك ومن استأجر عبدا بعينه أو تكارى راحلة بعينها إلى أجل يقبض العبد أو الراحلة إلى ذلك الأجل فقد عمل بما لا يصلح لا هو قبض ما استكرى أو استأجر ولا هو سلف في دين يكون ضامنا على صاحبه حتى يستوفيه

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          14 - باب جامع بيع الثمر

                                                                                                          ( قال مالك : من اشترى ثمرا من نخل مسماة أو حائط مسمى أو لبنا من غنم مسماة ، إنه لا بأس بذلك ) أي يجوز ( إذا كان يؤخذ عاجلا ، يشرع المشتري في أخذه عند دفع الثمن ) [ ص: 411 ] بيان للتعجيل ( وإنما مثل ذلك بمنزلة راوية زيت يبتاع منها رجل بدينار أو دينارين ويعطيه ذهبه ويشترط عليه أن يكيل له منها ، فهذا لا بأس به ، فإن انشقت الراوية فذهب زيتها فليس للمبتاع إلا ذهبه ولا يكون بينهما بيع ، وأما كل شيء كان حاضرا يشترى على وجهه مثل اللبن إذا حلب ، والرطب يستجنى ) بسين التأكيد ، أي يجنى ( فيأخذ المبتاع يوما بيوم ، فلا بأس به ، فإن فني قبل أن يستوفي المشتري ما اشترى رد عليه البائع من ذهبه بحساب ما بقي له أو يأخذ منه المشتري سلعة بما بقي له يتراضيان عليها ولا يفارقه حتى يأخذها ، فإن فارقه فإن ذلك مكروه ؛ لأنه يدخله الدين بالدين وقد نهي ) - صلى الله عليه وسلم - ( عن الكالئ بالكالئ ) بالهمز ، وهو الدين بالدين ( فإن وقع في بيعهما أجل ، فإنه مكروه ولا يحل فيه تأخير ولا نظرة ) بفتح فكسر ، تأخير ( ولا يصلح إلا بصفة معلومة إلى أجل مسمى ، فيضمن ذلك البائع للمبتاع ، ولا يسمى ذلك في حائط بعينه ولا في غنم بأعيانها .

                                                                                                          وسئل مالك عن الرجل يشتري من الرجل الحائط فيه ألوان ) أنواع ( من النخل من العجوة ) نوع من أجود تمر المدينة ( والكبيس ) نوع من التمر ، ويقال من أجوده ( والعذق ) بفتح المهملة وإسكان المعجمة وقاف ، أنواع من التمر ، ومنه عذق ابن الحبيق وعذق ابن طاب وعذق ابن زيد ، قاله أبو حاتم . ( وغير ذلك من ألوان التمر ، فيستثني البائع منها تمر النخلة أو النخلات يختارها من نخله ، فقال مالك : ذلك [ ص: 412 ] لا يصلح ; لأنه إذا صنع ذلك ترك تمر النخلة من العجوة ، ومكيلة ثمرها خمسة عشر صاعا ، وأخذ مكانها ثمر نخلة من الكبيس ، ومكيلة ثمرها عشرة أصوع ) جمع قلة لصاع ويجمع كثرة على صيعان ، وفي نسخة : آصع جمع أيضا لصاع على القلب ، كما قيل : دار وآدر بالقلب ، قاله الفاسي ، وجعله أبو حاتم من خطأ العوام ، قال ابن الأنباري : وليس بخطأ في القياس وإن لم يسمع من العرب ، لكنه قياس ما نقل عنهم من نقل الهمزة من موضع العين إلى موضع الياء ، فيقولون أبآر وآبار . ( وإن أخذ العجوة التي فيها خمسة عشر صاعا وترك التي فيها عشرة أصوع ) وفي نسخة : آصع ( من الكبيس فكأنه اشترى العجوة بالكبيس متفاضلا ) فيدخل في النهي عن ذلك ( وذلك مثل أن يقول الرجل للرجل بين يديه ) أي عنده ( صبرة من التمر قد صبر ) بالتشديد ( العجوة فجعلها خمسة عشر صاعا ، وجعل صبرة الكبيس عشرة آصع ، وجعل صبرة العذق اثني عشر صاعا ، فأعطى صاحب التمر دينارا على أنه يختار فيأخذ أي تلك الصبر شاء ، فهذا لا يصلح ) لأن المخير يعد منتقلا .

                                                                                                          ( وسئل مالك عن الرجل يشتري الرطب من صاحب الحائط فيسلفه الدينار ماذا له إذا ذهب رطب ذلك الحائط ؟ قال مالك : يحاسب صاحب الحائط ، ثم يأخذ منه ما بقي له من ديناره إن كان أخذ بثلثي ديناره رطبا ، أخذ ثلث الدينار الذي بقي له ، وإن كان أخذ ثلاثة ) نصب على التوسع ، أي بثلاثة ( أرباع ديناره رطبا ) مفعول أخذ ( أخذ الربع الذي بقي له ، أو يتراضيان بينهما فيأخذ بما بقي [ ص: 413 ] له من ديناره عند صاحب الحائط ما بدا له إن أحب أن يأخذ تمرا أو سلعة سوى التمر أخذها بما فضل له ، فإن أخذ تمرا أو سلعة أخرى فلا يفارقه حتى يستوفي ذلك منه ) لئلا يلزم عليه بيع الدين بالدين . ( وإنما هذا بمنزلة أن يكري الرجل الرجل راحلته بعينها ، أو يؤاجر غلامه الخياط أو النجار أو العمال ) بالتشديد ( لغير ذلك من الأعمال ، أو يكري مسكنه ويتسلف إجارة ذلك الغلام أو كراء ذلك المسكن أو تلك الراحلة ، ثم يحدث في ذلك حدث بموت أو غير ذلك فيرد رب الراحلة أو العبد أو المسكن إلى الذي سلفه ما بقي من كراء الراحلة أو إجارة العبد أو كراء المسكن يحاسب صاحبه بما استوفى من ذلك إن كان استوفى نصف حقه رد عليه النصف الباقي الذي عنده ، وإن كان أقل من ذلك أو أكثر ، فبحساب ذلك يرد إليه ما بقي له ) وهذا كله ظاهر غني عن شرحه ( ولا يصلح التسليف في شيء من هذا يسلف فيه بعينه إلا أن يقبض المسلف ) بكسر اللام ( ما سلف فيه عند دفعه الذهب إلى صاحبه يقبض العبد أو الراحلة أو المسكن أو يبدأ فيما اشترى من الرطب فيأخذ منه عند دفعه الذهب إلى صاحبه ، لا يصلح أن يكون في شيء من ذلك أجل ولا تأخير ، [ ص: 414 ] وتفسير ما كره من ذلك أن يقول الرجل للرجل : أسلفك في راحلتك فلانة ) المعينة ، وإطلاقها على غير الإنس أنكره بعضهم ، ورد بأن في الحديث ماتت فلانة لشاة ( أركبها في الحج ، وبينه وبين الحج أجل ) أي مدة ( من الزمان أو يقول مثل ذلك في العبد أو المسكن ، فإنه إذا صنع ذلك كان إنما يسلفه ذهبا على أنه إن وجد تلك الراحلة صحيحة لذلك الأجل الذي سمي له فهي له بذلك الكراء ، وإن حدث بها حدث من موت أو غيره رد عليه ذهبه ، وكانت عليه على وجه السلف عنده . وإنما فرق بين ذلك القبض ) فاعل فرق ( من قبض ما استأجر أو استكرى فقد خرج من الغرر والسلف الذي يكره وأخذ أمرا معلوما ) بخلاف من لم يقبض . ( وإنما مثل ذلك أن يشتري الرجل العبد أو الوليدة فيقبضهما ) بالنصب ( وينقد أثمانهما ) بالجمع كراهة توالي تثنيتين ( فإن حدث بهما حدث من عهدة السنة أخذ ذهبه من صاحبه الذي ابتاع منه ، فهذا لا بأس به ، وبهذا مضت السنة في بيع الرقيق ، ومن استأجر عبدا بعينه أو تكارى راحلة بعينها إلى أجل يقبض العبد أو الراحلة إلى ذلك الأجل ، فقد عمل بما لا يصلح ، لا هو قبض ما استكرى أو استأجر ، ولا هو سلف في دين يكون ضامنا على صاحبه حتى يستوفيه ) بيان لنفي الصلاح .




                                                                                                          الخدمات العلمية