الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها أخبرته أن أفلح أخا أبي القعيس جاء يستأذن عليها وهو عمها من الرضاعة بعد أن أنزل الحجاب قالت فأبيت أن آذن له علي فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته بالذي صنعت فأمرني أن آذن له علي

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1279 1266 - ( مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة أم المؤمنين : أنها أخبرته أن أفلح ) بفتح الهمزة وإسكان الفاء وفتح اللام وحاء مهملة ، صحابي ، قال ابن منده : عداده [ ص: 363 ] في بني سليم ، وقال أبو عمر : يقال إنه من الأشعريين ، وفي رواية لمسلم : أفلح بن قعيس ، وفي أخرى له : " استأذن علي عمي أبو الجعد " ، قال في الإصابة : وكأنها كنية أفلح ( أخا أبي القعيس ) بضم القاف وفتح العين المهملة وسكون التحتية وسين مهملة ، واسمه وائل بن أفلح الأشعري كما عند الدارقطني ، وقيل اسمه الجعد كما في المقدمة ، وأخا بالنصب بدل من أفلح . هذا هو الصواب المشهور ، ولا يخالفه رواية عراك بن مالك عن عروة عن عائشة : أفلح بن أبي القعيس ; لجواز أن يكون أبو القعيس ابن أبي القعيس ، وقول محمد بن عمرو عن عروة : استأذن أبو القعيس وأظنه وهما ، فابن شهاب لا يقاس به حفظا وإتقانا ، فلا حجة فيما خالفه ، قاله أبو عمر . ( جاء ) حال كونه ( يستأذن عليها وهو ) أي أفلح ( عمها ) أي عائشة ( من الرضاعة ) وهو التفات وإلا فمقتضى السياق : علي وهو عمي . وفي رواية معمر عن الزهري عند مسلم : وكان أبو القعيس زوج المرأة التي أرضعت عائشة وكان استئذانه ( بعد أن أنزل الحجاب ) أي آيته أو حكمه . ( قالت ) عائشة ( فأبيت ) امتنعت ( أن آذن ) بالمد ( له ) في الدخول ( علي ) للتردد في أنه محرم وغلبت التحريم على الإباحة ، زاد في رواية عراك بن مالك عن عروة عند البخاري ، فقال : " أتحتجبين مني وأنا عمك ؟ " فقلت : وكيف ذلك ؟ قال : أرضعتك امرأة أخي بلبن أخي " . ( فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرته بالذي صنعت ) من منع أفلح ، وقوله : أتحتجبين . . . إلخ ( فأمرني أن آذن ) بالمد ( له ) في الدخول ( علي ) بشد الياء ، وزاد في رواية لهما : " قلت : إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل ، قال : تربت يداك أو يمينك ، وفي رواية عراك : صدق أفلح ائذني له " . ولمسلم : " لا تحتجبي منه فإنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب " . واستشكل عمله - صلى الله عليه وسلم - بمجرد دعوى أفلح دون بينة ، وأجيب باحتمال اطلاعه على ذلك ، وفيه أن لبن الفحل يحرم حتى تثبت الحرمة من جهة صاحب اللبن كما ثبت في جانب المرضعة ، وأن زوج المرضعة بمنزلة الوالد للرضيع ، وأخاه بمنزلة العم ، فإنه - صلى الله عليه وسلم - أثبت عمومة الرضاع وألحقها بالنسب ; لأن سبب اللبن هو ماء الرجل والمرأة معا ، فوجب أن يكون الرضاع منهما ، وهذا مذهب الأئمة الأربعة كجمهور الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار ، وقال قوم منهم ربيعة وداود وأتباعه : الرضاعة من قبل الرجل لا تحرم شيئا لقوله تعالى : ( وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة ) ( سورة النساء : الآية 23 ) ولم يذكر البنات كما ذكرها في تحريم النسب ، ولا ذكر من يكون من جهة الأب كالعمة كما ذكرها في النسب ، قال المازري : ولا حجة في ذلك لأنه ليس بنص ، وذكر الشيء لا يدل على سقوط الحكم عما سواه ، وهذا الحديث نص في الحرمة فهو أولى أي [ ص: 364 ] أحق أن يقدم اهـ . واحتج بعضهم لذلك بأن اللبن لا ينفصل عن الرجل وإنما ينفصل عن المرأة ، فكيف ينشر الحرمة إلى الرجل ؟ وأجيب بأنه قياس في مقابلة النص فلا يلتفت إليه لا سيما وقد قالت له عائشة هذا القياس ; إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل ، فقال : إنه عمك فليلج عليك . . . كما مر . وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ، ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به ، وتابعه شعيب عند البخاري ويونس ومعمر عند مسلم كلهم عن ابن شهاب نحوه ، وتابعه في شيخه عراك بن مالك عند الشيخين نحوه .




                                                                                                          الخدمات العلمية