[ المسألة الثالثة ]
[ هل تجب كفارة الجماع على المرأة ؟ ]
وأما المسألة الثالثة - وهو اختلافهم في وجوب
nindex.php?page=treesubj&link=2521الكفارة على المرأة إذا طاوعته على الجماع - : فإن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة وأصحابه
ومالكا وأصحابه أوجبوا عليها الكفارة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وداود : لا كفارة عليها .
وسبب اختلافهم : معارضة ظاهر الأثر للقياس ، وذلك أنه - عليه الصلاة والسلام - لم يأمر المرأة في الحديث بالكفارة ، والقياس أنها مثل الرجل إذ كان كلاهما مكلف .
[ المسألة الرابعة ]
[ هل الكفارة مرتبة أو على التخيير ؟ ]
وأما المسألة الرابعة : وهي هل هذه
nindex.php?page=treesubj&link=2521الكفارة مرتبة ككفارة الظهار أو على التخيير ؟ - وأعني بالترتيب : أن لا ينتقل المكلف إلى واحد من الواجبات المخيرة إلا بعد العجز عن الذي قبله ، وبالتخيير : أن يفعل منها ما شاء ابتداء من غير عجز عن الآخر - فإنهم أيضا اختلفوا في ذلك ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري وسائر الكوفيين : هي مرتبة ، فالعتق أولا ، فإن لم يجد فالصيام ، فإن لم يستطع فالإطعام . وقال
مالك : هي على التخيير . وروى عنه
ابن القاسم مع ذلك أنه يستحب الإطعام أكثر من العتق ومن الصيام .
وسبب اختلافهم في وجوب الترتيب : تعارض ظواهر الآثار في ذلك والأقيسة ، وذلك أن ظاهر حديث الأعرابي المتقدم يوجب أنها على الترتيب إذ سأله النبي - عليه الصلاة والسلام - عن الاستطاعة عليها مرتبا . وظاهر ما رواه
مالك من : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006988أن رجلا أفطر في رمضان فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعتق رقبة ، أو يصوم شهرين [ ص: 255 ] متتابعين ، أو يطعم ستين مسكينا " أنها على التخيير ، إذ ( أو ) إنما تقتضي في لسان العرب التخيير ، وإن كان ذلك من لفظ الراوي الصاحب ، إذ كانوا هم أقعد بمفهوم الأحوال ودلالات الأقوال .
وأما الأقيسة المعارضة في ذلك : فتشبيهها تارة بكفارة الظهار ، وتارة بكفارة اليمين ، لكنها أشبه بكفارة الظهار منها بكفارة اليمين ، وأخذ الترتيب من حكاية لفظ الراوي .
وأما استحباب
مالك الابتداء بالإطعام فمخالف لظواهر الآثار ، وإنما ذهب إلى هذا من طريق القياس ، لأنه رأى الصيام قد وقع بدله الإطعام في مواضع شتى من الشرع ، وإنه مناسب له أكثر من غيره بدليل قراءة من قرأ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=184وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) ولذلك استحب هو وجماعة من العلماء لمن مات وعليه صوم أن يكفر بالإطعام عنه ، وهذا كأنه من باب ترجيح القياس الذي تشهد له الأصول على الأثر الذي لا تشهد له الأصول .
[ المسألة الخامسة ]
[ مقدار الإطعام في كفارة الجماع ]
وأما المسألة الخامسة - وهو اختلافهم في
nindex.php?page=treesubj&link=2521مقدار الإطعام - : فإن
مالكا nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأصحابهما قالوا : يطعم لكل مسكين مدا بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - . وقال
أبو حنيفة وأصحابه : لا يجزئ أقل من مدين بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك نصف صاع لكل مسكين .
وسبب اختلافهم : معارضة القياس للأثر .
وأما القياس : فتشبيه هذه الفدية بفدية الأذى المنصوص عليها .
وأما الأثر : فما روي في بعض طرق حديث الكفارة : أن الفرق كان فيه خمسة عشر صاعا ، لكن ليس يدل كونه فيه خمسة عشر صاعا على الواجب من ذلك لكل مسكين إلا دلالة ضعيفة ، وإنما يدل على أن بدل الصيام في هذه الكفارة هو هذا القدر .
[ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ]
[ هَلْ تَجِبُ كَفَّارَةُ الْجِمَاعِ عَلَى الْمَرْأَةِ ؟ ]
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ - وَهُوَ اخْتِلَافُهُمْ فِي وُجُوبِ
nindex.php?page=treesubj&link=2521الْكَفَّارَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ إِذَا طَاوَعَتْهُ عَلَى الْجِمَاعِ - : فَإِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ
وَمَالِكًا وَأَصْحَابَهُ أَوْجَبُوا عَلَيْهَا الْكَفَّارَةَ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ وَدَاوُدُ : لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا .
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ : مُعَارَضَةُ ظَاهِرِ الْأَثَرِ لِلْقِيَاسِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَأْمُرِ الْمَرْأَةَ فِي الْحَدِيثِ بِالْكَفَّارَةِ ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهَا مِثْلُ الرَّجُلِ إِذْ كَانَ كِلَاهُمَا مُكَلَّفٌ .
[ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ ]
[ هَلِ الْكَفَّارَةُ مُرَتَّبَةٌ أَوْ عَلَى التَّخْيِيرِ ؟ ]
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : وَهِيَ هَلْ هَذِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=2521الْكَفَّارَةُ مُرَتَّبَةٌ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ أَوْ عَلَى التَّخْيِيرِ ؟ - وَأَعْنِي بِالتَّرْتِيبِ : أَنْ لَا يَنْتَقِلَ الْمُكَلَّفُ إِلَى وَاحِدٍ مِنَ الْوَاجِبَاتِ الْمُخَيَّرَةِ إِلَّا بَعْدَ الْعَجْزِ عَنِ الَّذِي قَبْلَهُ ، وَبِالتَّخْيِيرِ : أَنْ يَفْعَلَ مِنْهَا مَا شَاءَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ عَجْزٍ عَنِ الْآخَرِ - فَإِنَّهُمْ أَيْضًا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيُّ وَسَائِرُ الْكُوفِيِّينَ : هِيَ مُرَتَّبَةٌ ، فَالْعِتْقُ أَوَّلًا ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَالصِّيَامُ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَالْإِطْعَامُ . وَقَالَ
مَالِكٌ : هِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ . وَرَوَى عَنْهُ
ابْنُ الْقَاسِمِ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْإِطْعَامُ أَكْثَرُ مِنَ الْعِتْقِ وَمِنَ الصِّيَامِ .
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي وُجُوبِ التَّرْتِيبِ : تَعَارُضُ ظَوَاهِرِ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ وَالْأَقْيِسَةِ ، وَذَلِكَ أَنَّ ظَاهِرَ حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ الْمُتَقَدِّمِ يُوجِبُ أَنَّهَا عَلَى التَّرْتِيبِ إِذْ سَأَلَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنِ الِاسْتِطَاعَةِ عَلَيْهَا مُرَتَّبًا . وَظَاهِرُ مَا رَوَاهُ
مَالِكٌ مِنْ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006988أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً ، أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ [ ص: 255 ] مُتَتَابِعِينَ ، أَوْ يُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا " أَنَّهَا عَلَى التَّخْيِيرِ ، إِذْ ( أَوْ ) إِنَّمَا تَقْتَضِي فِي لِسَانِ الْعَرَبِ التَّخْيِيرَ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ لَفْظِ الرَّاوِي الصَّاحِبِ ، إِذْ كَانُوا هُمْ أَقْعَدَ بِمَفْهُومِ الْأَحْوَالِ وَدَلَالَاتِ الْأَقْوَالِ .
وَأَمَّا الْأَقْيِسَةُ الْمُعَارِضَةُ فِي ذَلِكَ : فَتَشْبِيهُهَا تَارَةً بِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ ، وَتَارَةً بِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ ، لَكِنَّهَا أَشْبَهُ بِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ مِنْهَا بِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ ، وَأَخْذُ التَّرْتِيبِ مِنْ حِكَايَةِ لَفْظِ الرَّاوِي .
وَأَمَّا اسْتِحْبَابُ
مَالِكٍ الِابْتِدَاءَ بِالْإِطْعَامِ فَمُخَالِفٌ لِظَوَاهِرِ الْآثَارِ ، وَإِنَّمَا ذَهَبَ إِلَى هَذَا مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ ، لِأَنَّهُ رَأَى الصِّيَامَ قَدْ وَقَعَ بَدَلَهُ الْإِطْعَامُ فِي مَوَاضِعَ شَتَّى مِنَ الشَّرْعِ ، وَإِنَّهُ مُنَاسِبٌ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ بِدَلِيلِ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=184وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) وَلِذَلِكَ اسْتَحَبَّ هُوَ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ لِمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ أَنْ يُكَفَّرَ بِالْإِطْعَامِ عَنْهُ ، وَهَذَا كَأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَرْجِيحِ الْقِيَاسِ الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ الْأُصُولُ عَلَى الْأَثَرِ الَّذِي لَا تَشْهَدُ لَهُ الْأُصُولُ .
[ الْمَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ ]
[ مِقْدَارُ الْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ ]
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ - وَهُوَ اخْتِلَافُهُمْ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=2521مِقْدَارِ الْإِطْعَامِ - : فَإِنَّ
مَالِكًا nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيَّ وَأَصْحَابَهُمَا قَالُوا : يُطْعِمُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدًّا بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ : لَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ مُدَّيْنِ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ نِصْفُ صَاعٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ .
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ : مُعَارَضَةُ الْقِيَاسِ لِلْأَثَرِ .
وَأَمَّا الْقِيَاسُ : فَتَشْبِيهُ هَذِهِ الْفِدْيَةِ بِفِدْيَةِ الْأَذَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا .
وَأَمَّا الْأَثَرُ : فَمَا رُوِيَ فِي بَعْضِ طَرْقِ حَدِيثِ الْكَفَّارَةِ : أَنَّ الْفَرْقَ كَانَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا ، لَكِنْ لَيْسَ يَدُلُّ كَوْنُهُ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا عَلَى الْوَاجِبِ مِنْ ذَلِكَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ إِلَّا دَلَالَةً ضَعِيفَةً ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَدَلَ الصِّيَامِ فِي هَذِهِ الْكَفَّارَةِ هُوَ هَذَا الْقَدْرُ .