الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو أعار الراهن الرهن من المرتهن أو أذن له بالانتفاع به فجاء يفتك الرهن وهو ثوب وبه خرق فاختلفا ، فقال الراهن : حدث هذا في يدك قبل اللبس أو بعد ما لبسته ورددته إلى الرهن ، وقال المرتهن لا بل حدث هذا في حال اللبس ، فالقول قول المرتهن ; لأنهما لما اتفقا على اللبس ; فقد اتفقا على خروجه من الضمان ، فالراهن يدعي عوده إلى الضمان ، والمرتهن ينكر ; فكان القول قوله ، هذا إذا اتفقا على اللبس واختلفا في وقته ، فأما إذا اختلفا في أصل اللبس فقال الراهن : لم ألبسه ولكنه تخرق ، وقال المرتهن : لبسته فتخرق ، فالقول قول الراهن ; لأنهما اتفقا على دخوله في الضمان ، فالمرتهن بدعواه اللبس يدعي الخروج من الضمان والراهن ينكر ; فكان القول قوله ، وإن أقام الراهن البينة أنه تخرق في ضمان المرتهن ، وأقام المرتهن البينة أنه تخرق بعد خروجه من الضمان فالبينة بينة الراهن ; لأن بينته مثبتة ; لأنها تثبت الاستيفاء ، وبينة المرتهن تنفي الاستيفاء ، فالمثبتة أولى .

                                                                                                                                ( ومنها ) أن يكون المرهون مقصودا فلا تكون الزيادة المتولدة من الرهن - أو ما هو في حكم المتولد كالولد والثمر واللبن والصوف والعقر ونحوها - مضمونا إلا الأرش خاصة حتى [ ص: 157 ] لو هلك شيء من ذلك لا يسقط شيء من الدين إلا الأرش فإنه إذا هلك ، تسقط حصته من الدين وإنما كان كذلك ; لأن الولد ليس بمرهون مقصودا بل تبعا للأصل كولد المبيع على أصل أصحابنا أنه مبيع تبعا لا مقصودا ، والمرهون تبعا لا حصة له من الضمان إلا إذا صار مقصودا بالفكاك كما أن المبيع تبعا لا حصة له من الثمن إلا إذا صار مقصودا بالقبض بخلاف الأرش ; لأنه بدل المرهون ; لأن كل جزء من أجزاء الرهن مرهون ، وبدل الشيء قائم مقامه كأنه هو ، فكان حكمه حكم الأصل ، والأصل مضمون فكذا بدله ، بخلاف الولد ونحوه ، وبخلاف الزيادة على الرهن أنها مضمونة لأنها مرهونة مقصودا لا تبعا ; لأن الزيادة إذا صحت التحقت بأصل العقد كأن العقد ورد على الزيادة والمزيد عليه ، على ما نذكر في موضعه إن شاء الله تعالى ولو هلك الأصل وبقيت الزيادة ، يقسم الدين على الأصل ، والزيادة على قدر قيمتهما ، وتعتبر قيمة الأصل وقت القبض وإن شئت قلت وقت العقد ، وهو اختلاف عبارة ، والمعنى واحد ; لأن الإيجاب والقبول لا يصير عقدا شرعا إلا عند القبض ، وتعتبر قيمة الزيادة وقت الفكاك ; لأن الأصل إنما صار مضمونا بالقبض ; فتعتبر قيمة يوم القبض ، والزيادة إنما يصير لها حصة من الضمان بالفكاك ، فتعتبر قيمتها حينئذ ، إلا أن هذه القسمة للحال ليست قسمة حقيقية بل من حيث الظاهر ، حتى تتغير بتغير قيمة الزيادة والنقصان من حيث السعر والبدن والقسمة الحقيقية وقت الفكاك ، ولا تتغير القسمة بتغير قيمة الأصل بالزيادة والنقصان في السعر أو في البدن ; لأن الأصل دخل في الضمان بالقبض ، والقبض لم يتغير فلا يتغير الضمان ، والولد إنما يأخذ قسطا من الضمان بالفكاك فتعتبر قيمته يوم الفكاك .

                                                                                                                                وشرح هذه الجملة : إذا رهن جارية قيمتها ألف بألف فولدت ولدا يساوي ألفا ، فإن الدين يقسم على قيمة الأم والولد نصفين ، فيكون في كل واحد منهما خمسمائة ، حتى لو هلكت الأم ، سقط نصف الدين وبقي الولد رهنا بالنصف الباقي ، يفتكه الراهن به إن بقي إلى وقت الافتكاك ، وإن هلك قبل ذلك ، هلك بغير شيء وجعل كأن لم يكن وعادت حصته من الدين إلى الأم ، وتبين أن الأم هلكت بجميع الدين ، وإن لم يهلك لكن تغيرت قيمته إلى الزيادة فصار يساوي ألفين بطلت قسمة الإنصاف وصارت القسمة أثلاثا ، ثلثا الدين في الولد ، والثلث في الأم ، وتبين أن الأم هلكت بثلث الدين وبقي الولد رهنا بالثلثين ، فإن ازدادت قيمته وصار يساوي ثلاثة آلاف بطلت قسمة الأثلاث وصارت القسمة أرباعا ، ثلاثة أرباع الدين في الولد ، وربع في الأم ، وتبين أن الأم هلكت بربع الدين ، وبقي الولد رهنا بثلاثة أرباعه .

                                                                                                                                ولو تغيرت قيمته إلى النقصان فصار يساوي خمسمائة بطلت قسمة الأرباع وصارت القسمة أثلاثا ، ثلثا الدين في الأم ، والثلث في الولد ، وتبين أن الأم هلكت بثلثي الدين ، وبقي الولد رهنا بالثلث هكذا على هذا الاعتبار ، وسواء كان الولد واحدا أو أكثر ولدوا معا أو متفرقا ; يقسم الدين على الأم وعلى الأولاد على قدر قيمتهم ، لكن تعتبر قيمة الأم يوم العقد ، وقيمة الأولاد يوم الفكاك ; لما ذكرنا وولد الولد في القسمة حكمه حكم الولد ، حتى لو ولدت الجارية بنتا ، وولدت بنتها ولدا فهما بمنزلة الولدين ، حتى يقسم الدين على الجارية وعليهما على قدر قيمتهم ، ولا يقسم على الجارية وعلى الولد الأصلي ، ثم يقسم باقيه عليه وعلى ولده ; لأن ولد الرهن ليس بمضمون حتى يتبعه ولده ، فكأنهما في الحكم ولدان .

                                                                                                                                ولو ولدت الجارية ولدا ثم نقصت قيمة الأم في السعر أو في البدن فصارت تساوي خمسمائة ، أو زادت قيمتها فصارت تساوي ألفين ، والولد على حاله يساوي ألفا فالدين بينهما نصفان لا يتغير عما كان ، وإن كانت الأم على حالها وانتقصت قيمة الولد بعيب دخله أو لسعر فصار يساوي خمسمائة صار الدين فيهما أثلاثا ، الثلثان في الأم ، والثلث في الولد .

                                                                                                                                ولو زادت قيمة الولد فصار يساوي ألفين فثلثا الدين في الولد ، والثلث في الأم ، حتى لو هلكت الأم ، يبقى الولد رهنا بالثلثين ; لما ذكرنا أن الأصل إنما دخل تحت الضمان بالقبض ، والقبض لم يتغير فلا تتغير القسمة والولد إنما يصير له حصة من الضمان بالفكاك ، فتعتبر قيمته يوم الفكاك .

                                                                                                                                ولو اعورت الأم بعد الولادة أو كانت اعورت قبلها ، ذهب من الدين بعورها ربعه وذلك مائتان وخمسون ، وبقي الولد رهنا بثلاثة أرباع الدين وذلك سبعمائة وخمسون ، وهذا الجواب فيما إذا ولدت ثم اعورت ظاهر ; لأن الدين قبل الاعورار كان فيهما نصفين في كل واحد منهما خمسمائة ، فإذا اعورت والعين من [ ص: 158 ] الآدمي نصفه فذهب قدر ما فيها من الدين وهو نصف نصف الدين وهو ربع الكل ، وبقي الولد رهنا ببقية الدين وهو ثلاثة الأرباع ، ( فأما ) إذا اعورت ثم ولدت ، ففيه إشكال من حيث الظاهر : وهو أن قبل الاعورار كان كأن كل الدين فيها ، وبالاعورار ذهب النصف وبقي النصف ، فإذا ولدت ولدا ، فينبغي أن يقسم النصف الباقي من الدين على الجارية العوراء وعلى ولدها أثلاثا ، الثلثان على الولد ، والثلث على الأم .

                                                                                                                                ( والجواب ) أن ذهاب نصف الدين بالاعورار لم يكن حتما بل على التوقف على تقدير عدم الولادة ، فإذا ولدت ، تبين أنه لم يكن ذهب بالاعورار إلا ربع الدين ; لأن الزيادة تجعل كأنها موجودة لدى العقد ، فصار كأنها ولدت ثم اعورت .

                                                                                                                                ولو هلك الولد وقد اعورت الأم قبل الولادة أو بعدها ذهب نصف الدين بالاعورار ; لأن الولد لما هلك التحق بالعدم وجعل كأن لم يكن ، وعادت حصته إلى الأم ، وتبين أن الأم كانت رهنا بجميع الدين ، فإذا اعورت ذهب بالاعورار نصفه وبقي النصف الآخر .

                                                                                                                                ولو لم يهلك ولكنه اعور ولم يسقط باعوراره شيء من الدين ; لأنه لو هلك ، لا يسقط ، فإذا اعور أولى ، لكن تلك القسمة التي كانت من حيث الظاهر تتغير ; لأنها تحتمل التغيير بتغير قيمة الولد إلى الزيادة والنقصان ; لما ذكرنا فيما تقدم وعلى هذا تخرج الزيادة في الرهن أنها مضمونة على أصل أصحابنا الثلاثة بأن رهن جارية ثم زاد عبدا ; لأن هذه زيادة مقصودة ; لورود فعل الرهن عليها مقصودا ، فكانت مرهونة أصلا لا تبعا فكانت مضمونة ، ويقسم الدين على المزيد عليه والزيادة ، وجملة الكلام في كيفية الانقسام أن الراهن لا يخلو ( إما ) أن زاد في الرهن وليس في الرهن نماء ، ( وإما ) أن كان فيه نماء ، فإن لم يكن فيه نماء ، يقسم الدين على المزيد عليه ، والزيادة على قدر قيمتها حتى لو كانت قيمة الجارية ألفا وقيمة العبد ألف والدين ألف كان الدين فيهما نصفين في كل واحد منهما خمسمائة .

                                                                                                                                ولو كانت قيمة العبد الزيادة خمسمائة ، كان الدين فيهما أثلاثا ، الثلثان في العبد والثلث في الجارية ، وأيهما هلك يهلك بحصته من الدين ; لأن كل واحد منهما مرهون مقصودا لا تبعا ، إلا أنه تعتبر قيمة المزيد عليه يوم العقد وهو يوم قبضه ، وقيمة الزيادة يوم الزيادة وهو يوم قبضها ، ولا يعتبر تغير قيمتها بعد ذلك ; لأن الزيادة والنقصان كل واحد منهما إنما دخل في الضمان بالقبض ، فتعتبر قيمته يوم القبض ، والقبض لم يتغير بتغير القيمة فلا تتغير القسمة ، بخلاف زيادة الرهن وهي نماؤه أن القسمة تتغير بتغير قيمتها ; لأنها مرهونة تبعا لا أصلا ، والمرهون تبعا لا يأخذ حصة من الضمان إلا بالفكاك ، فتعتبر قيمتها يوم الفكاك فكانت القسمة قبله محتملة للتغير .

                                                                                                                                ولو نقص الرهن الأصلي في يده حتى ذهب قدره من الدين ثم زاده الراهن بعد ذلك رهنا آخر يقسم ما بقي من الدين على قيمة الباقي وعلى قيمة الزيادة يوم قبضت ، نحو ما إذا رهن جارية قيمتها ألف بألف فاعورت ، حتى ذهب نصف الدين وبقي النصف ثم زاد الراهن عبدا قيمته ألف ; يقسم النصف الباقي على قيمة الجارية عوراء ، وعلى قيمة العبد الزيادة أثلاثا ، فيكون ثلثا هذا النصف وذلك ثلثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث ، في العبد الزيادة والثلث وذلك مائة وستة وستون وثلثان في الجارية ، فرق بين الزيادة في الرهن وزيادة الرهن وهي نماؤه بأن اعورت الجارية ثم ولدت ولدا قيمته ألف ; أن الدين يقسم على قيمة الجارية يوم القبض صحيحة ، وعلى قيمة الولد يوم الفكاك نصفين ، فيكون في كل واحد منهما خمسمائة ، ثم ما أصاب الأم وهو النصف ذهب بالاعورار نصفه وهو مائتان وخمسون وبقي ثلاثة أرباع الدين وذلك سبعمائة وخمسون في الأم والولد ثلثا ذلك خمسمائة في الولد ، وثلث ذلك مائتان وخمسون في الأم ، وفي الزيادة على الرهن يبقى الأصل والزيادة بنصف الدين .

                                                                                                                                ( ووجه ) الفرق بين الزيادتين أن حكم الرهن في هذه الزيادة وهي الزيادة على الرهن ثبت بطريق الأصالة لا بطريق التبعية ; لكونها زيادة مقصودة ; لورود فعل العقد عليها مقصودا فيعتبر في القسمة ما بقي من الدين وقت الزيادة ، ولم يبق وقت الزيادة إلا النصف فيقسم ذلك النصف عليهما على قدر قيمتهما ، بخلاف زيادة الرهن ; لأنها ليست بمرهونة مقصودا ; لانعدام وجود الرهن فيها مقصودا بل تبعا للأصل ; لكونها متولدة منه فيثبت حكم الرهن فيها تبعا للأصل ، كأنها متصلة به فتصير كأنها موجودة عند العقد ، فكان الثابت في الولد غير ما كان ثابتا في الأم ، فيعتبر في القسمة قيمة الأم يوم القبض ، وكذلك لو قضى الراهن للمرتهن من الدين خمسمائة ثم زاده في الرهن [ ص: 159 ] عبدا قيمته ألف أن هذه الزيادة تلحق الخمسمائة الباقية فيقسم على نصفه قيمة الجارية وهي خمسمائة ، وعلى قيمة العبد الزيادة ، وبقي ألف أثلاثا ثلثاها في العبد وثلثها في الجارية ، حتى لو هلك العبد ، هلك بثلثي الخمسمائة وذلك ثلثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث ولو هلكت الجارية هلكت بالثلث ، وذلك مائة وستة وستون وثلثان ; لأن الزيادة زيادة على المرهون ، والمرهون محبوس بالدين ، والمحبوس بالدين هو نصف الجارية لا كلها ، ولم يبق نصف الدين ; لصيرورته مقضيا فالزيادة تدخل في الباقي وينقسم الباقي على قيمة نصف الجارية وعلى قيمة الزيادة أثلاثا .

                                                                                                                                ولو قضى خمسمائة ثم اعورت الجارية قبل أن يزيد الرهن ثم زاد عبدا قيمته ألف درهم قسم مائتان وخمسون على نصف الجارية العوراء وعلى الزيادة على خمسة أسهم ، أربعة من ذلك في الزيادة ، وسهم في الجارية العوراء ; لأنه لما قضى الراهن خمسمائة ; فرغ نصف الجارية شائعا من الدين وبقي النصف الباقي في نصفها شائعا وذلك خمسمائة ، فإذا اعورت ، فقد ذهب نصف ذلك النصف بما فيه من الدين وذلك مائتان وخمسون ، وبقي مائتان وخمسون من الدين فيما لم يذهب من نصف الجارية ، فإذا هذه الزيادة تلحق هذا القدر فيقسم هذا القدر في الأصل والزيادة أخماسا أربعة أخماسه ، وذلك مائتان في الزيادة وخمسه وذلك خمسون في الأصل ، هذا إذا زاد وليس في الرهن نماء ، فأما إذا زاد وفيه نماء بأن رهن جارية قيمتها ألف بألف فولدت ولدا يساوي ألفا ، ثم زاده عبدا قيمته ألف فالراهن لا يخلو إما أن زاد والأم قائمة .

                                                                                                                                وأما أن زاد بعد ما هلكت الأم فإن كانت قائمة فزاد ، لا يخلو إما أن جعله زيادة على الولد أو على الأم أو عليهما جميعا ، أو أطلق الزيادة ولم يسم المزيد عليه أنه الأم أو الولد ، فإن جعله زيادة على الولد فهو رهن مع الولد خاصة ولا يدخل في حصة الأم ; لأن الأصل وقوع تصرف العاقل على الوجه الذي أوقعه ، وقد جعله زيادة على الولد فيكون زيادة معه فيقسم الدين أولا على الأم والولد على قدر قيمتهما ، تعتبر قيمة الأم يوم العقد وقيمة الولد يوم الفكاك ، ثم ما أصاب الولد يقسم عليه ، وعلى العبد الزيادة على قدر قيمتهما وتعتبر قيمة الولد يوم الفكاك ; لما بينا فيما تقدم ، وقيمة الزيادة وقت الزيادة وهي وقت قبضها ; لأنها إنما جعلت في الضمان بالقبض فتعتبر قيمتها يوم القبض .

                                                                                                                                ولو هلك الولد بعد الزيادة ، بطلت الزيادة ; لأنه إذا هلك ، جعل كأن لم يكن أصلا ورأسا فلم تتحقق الزيادة عليه ; لأن الزيادة لا بد لها من مزيد عليه ، فتبين أن الزيادة لم تقع رهنا ، وإن جعله زيادة على الأم ، فهو على ما جعل ; لما ذكرنا أن الأصل اعتبار تصرف العاقل على الوجه الذي باشره ; ولأنه لو أطلق الزيادة لوقعت على الأم فعند التقييد والتنصيص أولى ، وإذا وقعت زيادة على الأم جعل كأنها كانت موجودة وقت العقد فيقسم الدين عليهما على قدر قيمتهما تعتبر قيمة الأصل يوم العقد وقيمة الزيادة يوم القبض ، ثم ما أصاب الأم يقسم عليها وعلى ولدها على اعتبار قيمة الأم يوم العقد وقيمة الولد يوم الفكاك .

                                                                                                                                ولو مات الولد أو زادت قيمته أو ولدت ولدا ، فالحكم في حق العبد الزيادة لا تتغير ، ويقسم الدين أولا على الجارية والعبد نصفين ، ثم ما أصاب الأم يقسم عليها وعلى ولدها فتعتبر زيادة الولد في حق الأم ولا تعتبر في حق العبد ، سواء زاد بعد حدوث الولد أو قبله ; لأن الولد في حق الزيادة وجوده وعدمه بمنزلة واحدة .

                                                                                                                                ولو هلكت الأم بعد الزيادة ، ذهب ما كان فيها من الدين وبقي الولد والزيادة بما فيهما ، بخلاف ما إذا هلك الولد أنها تبطل الزيادة ; لأن بهلاك الأم لا يتبين أن العقد لم يكن بل يتناهى ويتقرر حكمه ، فهلاكه لا يوجب بطلان الزيادة بخلاف الولد ; لأنه إذا هلك ، التحق بالعدم من الأصل وجعل كأن لم يكن ، فتبين أن الزيادة لم تصح رهنا .

                                                                                                                                ولو هلك الولد بعد الزيادة ، ذهب بغير شيء ; لأن الولد غير مضمون بالهلاك فإذا هلك ، جعل كأن لم يكن وجعل كأن الزيادة حدثت ولا بد للجارية ، كذلك وإن جعله زيادة على الأم والولد جميعا فالعبد زيادة على الأم خاصة ، ولا عبرة للولد في حق الزيادة ولا يدخل في حصتها وإنما يعتبر في حق الأم ويدخل في حصة الأم ، والولد في حق الزيادة حال وجود الأم كالعدم فلا تصلح الزيادة عليه في حال قيام الأم فيقسم الدين على الأصل والعبد الزيادة باعتبار قيمتهما قيمة الأصل يوم العقد ، وقيمة الزيادة يوم الزيادة ، ثم يقسم ما أصاب الأم قسمة أخرى بينها وبين ولدها على اعتبار قيمتهما يوم العقد ويوم الفكاك ، كذلك وإن أطلق الزيادة ولم يسم الأم [ ص: 160 ] ولا الولد فالزيادة رهن مع الأم خاصة ; لأن الزيادة لا بد لها من مزيد عليه ، وكل واحد منهما على الانفراد يصلح مزيدا عليه ، إلا أن الأم أصل في الرهن والولد تابع ، فعند الإطلاق جعلها زيادة على الأصل أولى ، وإذا صارت الزيادة رهنا مع الاسم ، يقسم الدين قسمين على نحو ما بينا ، هذا إذا كانت الأم قائمة وقت الزيادة .

                                                                                                                                ( فأما ) إذا هلكت الأم ثم زادوا العبد زيادة على الولد فكانا جميعا رهنا بخمسمائة يفتك الرهن كل واحد منهما بمائتين وخمسين ; لأن الزيادة تستدعي مزيدا عليه ، والهالك خرج عن احتمال ذلك فتعين الولد مزيدا عليه ، وقد ذهب نصف الدين بهلاك الأم وبقي النصف وذلك خمسمائة ، فينقسم ذلك على الزيادة والولد على قدر قيمتهما ولو هلك الولد أخذ الراهن العبد بغير شيء ; لأنه لما هلك فقد التحق بالعدم وجعل كأنه لم يكن وعادت حصته إلى الأم ، فتبين أنها هلكت بجميع الدين فتبين أن الزيادة حصلت بعد سقوط الدين ; فلم تصح .

                                                                                                                                ولو هلك العبد الزيادة بعد هلاك الولد في يد المرتهن هلك أمانة ، إلا إذا منعه بعد الطلب ; لأنه تبين أنه لم يكن رهنا في الحقيقة ; لما بينا فصار كما إذا رهن بدين ثم تصادقا على أنه لا دين ، ثم هلك الرهن أنه يهلك أمانة ; لما قلنا .

                                                                                                                                كذا هذا ، إلا إذا منع بعد الطلب ; لأنه صار غاصبا بالمنع فيلزمه ضمان الغصب .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية