الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة أولئك أصحاب الميمنة الذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة عليهم نار مؤصدة

قوله تعالى : ثم كان من الذين آمنوا يعني : أنه لا يقتحم العقبة من فك رقبة ، أو أطعم في يوم ذا مسغبة ، حتي يكون من الذين آمنوا أي صدقوا ، فإن شرط قبول الطاعات الإيمان بالله . فالإيمان بالله بعد الإنفاق لا ينفع ، بل يجب أن تكون الطاعة مصحوبة بالإيمان ، قال الله تعالى في المنافقين : وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله . وقالت عائشة : يا رسول الله ، إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ، ويطعم الطعام ، ويفك العاني ، ويعتق الرقاب ، ويحمل على إبله لله ، فهل ينفعه ذلك شيئا ؟ قال : " لا ، إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين " . وقيل : ثم كان من الذين آمنوا أي فعل هذه الأشياء وهو مؤمن ، ثم بقي على إيمانه حتى الوفاة نظيره قوله تعالى : وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى . وقيل : المعنى ثم كان من الذين [ ص: 64 ] يؤمنون بأن هذا نافع لهم عند الله تعالى . وقيل : أتى بهذه القرب لوجه الله ، ثم آمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وقد قال حكيم بن حزام بعدما أسلم ، يا رسول الله ، إنا كنا نتحنث بأعمال في الجاهلية ، فهل لنا منها شيء ؟ فقال - عليه السلام - : " أسلمت على ما أسلفت من الخير " . وقيل : إن ثم بمعنى الواو أي وكان هذا المعتق الرقبة ، والمطعم في المسغبة ، من الذين آمنوا .

وتواصوا أي أوصى بعضهم بعضا .

بالصبر أي بالصبر على طاعة الله ، وعن معاصيه وعلى ما أصابهم من البلاء والمصائب .

وتواصوا بالمرحمة بالرحمة على الخلق فإنهم إذا فعلوا ذلك رحموا اليتيم والمسكين .

أولئك أصحاب الميمنة أي الذين يؤتون كتبهم بأيمانهم قاله محمد بن كعب القرظي وغيره . وقال يحيى بن سلام : لأنهم ميامين على أنفسهم . ابن زيد : لأنهم أخذوا من شق آدم الأيمن . وقيل : لأن منزلتهم عن اليمين قاله ميمون بن مهران .

والذين كفروا بآياتنا أي كفروا بالقرآن .

هم أصحاب المشأمة أي يأخذون كتبهم بشمائلهم قاله محمد بن كعب . يحيى بن سلام : لأنهم مشائيم على أنفسهم . ابن زيد : لأنهم أخذوا من شق آدم الأيسر . ميمون : لأن منزلتهم عن اليسار .

قلت : ويجمع هذه الأقوال أن يقال : إن أصحاب الميمنة أصحاب الجنة ، وأصحاب المشأمة أصحاب النار قال الله تعالى : وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود ، وقال : وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم . وما كان مثله .

ومعنى مؤصدة أي مطبقة مغلقة . قال :


تحن إلى أجبال مكة ناقتي ومن دونها أبواب صنعاء مؤصده

وقيل : مبهمة ، لا يدرى ما داخلها . وأهل اللغة يقولون : أوصدت الباب وآصدته أي أغلقته . فمن قال أوصدت ، فالاسم الوصاد ، ومن قال آصدته ، فالاسم الإصاد . وقرأ أبو عمرو وحفص وحمزة ويعقوب والشيزري عن الكسائي مؤصدة بالهمز هنا ، وفي ( الهمزة ) . الباقون بلا همز . وهما لغتان . وعن أبي بكر بن عياش قال : لنا إمام يهمز مؤصدة فأشتهي أن أسد أذني إذا سمعته .

التالي السابق


الخدمات العلمية