[ ص: 176 ] nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=161nindex.php?page=treesubj&link=28974_21374_21383_21384وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=162أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=163هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=164لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين
نزلت هذه الآية في شأن النبي - صلى الله عليه وسلم - من سياق الحكم والأحكام المتعلقة بغزوة
أحد ، ولكن أخرج
أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما -
nindex.php?page=hadith&LINKID=918979أن قوله - تعالى - : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=161وما كان لنبي أن يغل قد نزل في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر ، فقال بعض الناس : لعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذها ، وقد ضعف هذه الرواية بعض المفسرين - وإن حسنها
الترمذي - لأن السياق كله في وقعة
أحد ، ورجحوا عليها ما روي عن
الكلبي ومقاتل من
أن الرماة قالوا حين تركوا المركز الذي وضعهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه : نخشى أن يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من أخذ شيئا فهو له " وألا يقسم الغنائم كما لم يقسم يوم بدر . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أظننتم أننا نغل ولا نقسم لكم ؟ ولهذا نزلت الآية . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة في المصنف
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير مرسلا عن
الضحاك قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=918981بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلائع فغنم - صلى الله عليه وسلم - غنيمة ، فقسم بين الناس ولم يقسم للطلائع ، فلما قدمت الطلائع قالوا : قسم النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يقسم لنا ، فأنزل الله - تعالى - الآية " .
قال الأستاذ الإمام : الصواب أن هذه الآية من متعلقات هذه الوقعة كالآيات التي قبلها وكثير مما يأتي بعدها .
وأصل
nindex.php?page=treesubj&link=8482الغل : الأخذ بخفية كالسرقة ، وغلب في السرقة من الغنيمة قبل القسمة ، وتسمى غلولا . قال
الرماني وغيره : أصل الغلول من الغلل وهو دخول الماء في خلل الشجر ، وسميت الخيانة غلولا لأنها تجري في الملك على خفاء من غير الوجه الذي يحل ، ومن ذلك
[ ص: 177 ] الغل : للحقد ، والغليل : لحرارة العطش ، والغلالة : للشعار . أقول : وتغلغل في الشيء دخل فيه واختفى في باطنه . والمعنى : ما كان من شأن نبي من الأنبياء ولا من سيرته أن يغل ; لأن الله قد عصم أنبياءه من الغل والغلول فهو لا يقع منهم . وهذا التعبير أحسن من قولهم : ما صح ولا استقام لنبي أن يغل ; أي يخون في المغنم - وقد تقدم بيان ما يفيده هذا التعبير من نفي الشأن الذي هو أبلغ من نفي الفعل - لأنه عبارة عن دعوى بدليل ، كأنه يقول هنا : إن النبي لا يمكن أن يقع منه ذلك ; لأنه ليس من شأن الأنبياء ولا مما يقع منهم أو يجوز عليهم . وقرأ
نافع وابن عامر وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ويعقوب : " أن يغل " بالبناء للمفعول وهو من أغللته بمعنى وجدته غالا ; أي ما كان من شأن النبي أن يوجد غالا ، أو بمعنى نسبته إلى الغلول ; أي ما كان لنبي أن يكون متهما بالغلول ، أو من غل ; أي ما كان لنبي أن يكون بحيث يسرق من غنيمته السارقون ويخونه العاملون ، وهذا أضعف مما قبله .
وذهب بعض المفسرين إلى أن الغل أو الغلول المنفي هنا هو إخفاء شيء من الوحي وكتمانه عن الناس لا الخيانة في المغنم ، وإن كان ما يعده عاما في كل غلول أو خاصا بالغنيمة ، فإنه جيء به للمناسبة كما عهد في مناسبات القرآن ، وانتقاله من حكم إلى حكم أو خبر له حكمة . وذكروا أنه نزل ردا على من رغب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يترك النعي على المشركين . قال الأستاذ الإمام : ومن مناسبة كون الغل بمعنى الكتمان وإخفاء بعض التنزيل ما تقدم من أمر الله - تعالى - نبيه - صلى الله عليه وسلم - في الآيات السابقة بمعاتبة من كان معه في أحد وتوبيخهم على ما قصروا ، وذلك مما يصعب تبليغه عادة ; لأنه يشق على المبلغ والمبلغ ، ومن أمره - صلى الله عليه وسلم - بالعفو عنهم والاستغفار لهم ومشاورتهم في الأمر على ما كان منهم ، وفي هذا إعلاء لشأنهم ومعاملة لهم بالمساواة في مثل هذه الشئون ، وذلك مما عهد البشر أن يشق على الرئيس منهم إبلاغه للمرءوسين ويزاد على ما ذكره الأستاذ الإمام ما تقدم في هذا السياق من قوله - تعالى - له :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=128ليس لك من الأمر شيء [ 3 : 128 ] عندما لعن
أبا سفيان ومن كان معه من رءوس المشركين . كأنه - تعالى - يقول إعلاما للناس بما يجب للأنبياء - عليهم السلام - في أمر التبليغ :
nindex.php?page=treesubj&link=21380_30176ما كان من شأن نبي من الأنبياء أن يكتم شيئا مما أمر بتبليغه وإن كان مما يشق على الناس في حكم العادة ذكره وتبليغه .
ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=161nindex.php?page=treesubj&link=28974_8484ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة أي إن كل من يقع منه غل أو غلول فإنه يأتي بما غل به يوم القيامة . وذهب الجمهور إلى أن المراد بالإتيان بما يغل به الغال أنه يجيء يوم القيامة حاملا له ليفتضح به ، ويكون مزيدا في عذابه هنالك ، وقد جاء في ذلك
[ ص: 178 ] روايات مختلفة : منها أنه يكلف الإتيان به من النار لا أنه يجيء به ، ومن هذه الروايات ما لا يصح ، ولكن أخرج الشيخان عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=918982قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيبا فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره ، ثم قال : ألا لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة وعلى رقبته بعير له رغاء فيقول : يا رسول الله أغثني ، فأقول له : لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك . لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس لها حمحمة فيقول : يا رسول الله أغثني ، فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق فيقول : يا رسول الله أغثني ، فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت ، فيقول : يا رسول الله أغثني ، فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك قال بعض العلماء : لا مانع من إمضاء هذا الإتيان على ظاهره ، وإن غل الإنسان بالعدد الكثير من الإبل والغنم والبقر والخيل والبغال والحمير والأشياء الصامتة فإنها تكون يوم القيامة على رقبته مهما كثرت . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم أن رجلا استشكل على
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة حديثه ذاك فقال : أرأيت من يغل مائة بعير أو مائتي بعير كيف يصنع بها ؟ فأجاب
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة فذكر له ما معناه : إن من كان ضرسه مثل جبل
أحد فإنه يحمل مثل هذا . وهذا الحديث لا يصح ، وجعل بعض العلماء حديث حمل ما يغل به الغال على رقبته من باب التمثيل ، شبهت حال الغال بما يرهقه من أثقال ذنبه وفضيحته به مع فقد المعين والمغيث بمن يحمل ذلك عينه على عاتقه ، ويقصد أرجى الناس لإغاثته فيخذله ويتنصل من إغاثته ، ومازال الناس يشبهون الأثقال المعنوية بالأثقال الحسية ويعبرون عنها بالحمل ، يقولون فلان حامل أثقال أهله أو أثقال البلد ، وفي التنزيل
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=12اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون [ 29 : 12 ، 13 ] ومثله قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=18ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى [ 35 : 18 ] على أن حديث الشيخين لم يذكر فيه أنه تفسير للآية .
وقال الأستاذ الإمام : فسروا الإتيان بما غل به الغال بأنه يحمله ، وكأنهم جعلوا الباء للمصاحبة وليس بمتعين . وقد عدل عنه بعض المفسرين
كأبي مسلم الأصفهاني وقال : إنه على حد قوله - تعالى - حكاية عن
لقمان :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=16يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير [ 31 : 16 ] فليس معنى
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=16يأت بها الله أنه يحملها ، ولكن معناه أنه يعلم بها أتم العلم لا تخفى عليه مهما كانت مستترة ; لأن من يأتي بالشيء لا بد أن يكون عالما به ، والمعنى أن الإتيان بالشيء الذي يغله الغال هو عبارة - أو قال كناية - عن انكشافه وظهوره ; أي إن كل غلول
[ ص: 179 ] وخيانة خفية يعلمه الله - تعالى - مهما خفي ، ويظهره يوم القيامة للغال حتى يعرفه كمعرفة من أتى بالشيء لذلك الشيء على حد قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره [ 99 : 7 ، 8 ] .
أقول : ولما كان الجزاء يترتب على علم الله بالأعمال وإعلامه العاملين بها يوم الحساب .
قال بعدما مر :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=161nindex.php?page=treesubj&link=28974_29468ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون أي ثم إنه بعد أن يأتي الغال بما غل ، كما يأتي كل عامل بما يعمل ، فيتمثل لديه كأنه حاضر بين يديه ينظر إليه بعينيه
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=30يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا [ 3 : 30 ] ومثقال الذرة من الخير والشر مرئيا مبصرا ، بعد هذا تنال جزاء ما كسبت مستوفى تاما لا تنقص منه شيئا
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا [ 18 : 49 ] .
[ ص: 176 ] nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=161nindex.php?page=treesubj&link=28974_21374_21383_21384وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=162أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=163هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=164لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ
نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي شَأْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ سِيَاقِ الْحِكَمِ وَالْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِغَزْوَةِ
أُحُدٍ ، وَلَكِنْ أَخْرَجَ
أَبُو دَاوُدَ nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=16935وَابْنُ جَرِيرٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
nindex.php?page=hadith&LINKID=918979أَنَّ قَوْلَهُ - تَعَالَى - : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=161وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ قَدْ نَزَلَ فِي قَطِيفَةٍ حَمْرَاءَ فُقِدَتْ يَوْمَ بَدْرٍ ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ : لَعَلَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَهَا ، وَقَدْ ضَعَّفَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ - وَإِنْ حَسَّنَهَا
التِّرْمِذِيُّ - لِأَنَّ السِّيَاقَ كُلَّهُ فِي وَقْعَةِ
أُحُدٍ ، وَرَجَّحُوا عَلَيْهَا مَا رُوِيَ عَنِ
الْكَلْبِيِّ وَمُقَاتِلٍ مِنْ
أَنَّ الرُّمَاةَ قَالُوا حِينَ تَرَكُوا الْمَرْكَزَ الَّذِي وَضَعَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِ : نَخْشَى أَنْ يَقُولَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ " وَأَلَّا يُقَسِّمَ الْغَنَائِمَ كَمَا لَمْ يُقَسِّمْ يَوْمَ بَدْرٍ . فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَظَنَنْتُمْ أَنَّنَا نَغُلُّ وَلَا نَقْسِمُ لَكُمْ ؟ وَلِهَذَا نَزَلَتِ الْآيَةُ . وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ
nindex.php?page=showalam&ids=16935وَابْنُ جَرِيرٍ مُرْسَلًا عَنِ
الضَّحَّاكِ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=918981بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَائِعَ فَغَنِمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَنِيمَةً ، فَقَسَمَ بَيْنَ النَّاسِ وَلَمْ يَقْسِمْ لِلطَّلَائِعِ ، فَلَمَّا قَدِمَتِ الطَّلَائِعُ قَالُوا : قَسَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَقْسِمْ لَنَا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - تَعَالَى - الْآيَةَ " .
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : الصَّوَابُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتٍ هَذِهِ الْوَقْعَةِ كَالْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَهَا وَكَثِيرٍ مِمَّا يَأْتِي بَعْدَهَا .
وَأَصْلُ
nindex.php?page=treesubj&link=8482الْغُلِّ : الْأَخْذُ بِخُفْيَةٍ كَالسَّرِقَةِ ، وَغَلَبَ فِي السَّرِقَةِ مِنَ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ، وَتُسَمَّى غُلُولًا . قَالَ
الرُّمَّانِيُّ وَغَيْرُهُ : أَصْلُ الْغُلُولِ مِنَ الْغَلَلِ وَهُوَ دُخُولُ الْمَاءِ فِي خَلَلِ الشَّجَرِ ، وَسُمِّيَتِ الْخِيَانَةُ غُلُولًا لِأَنَّهَا تَجْرِي فِي الْمُلْكِ عَلَى خَفَاءٍ مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي يَحِلُّ ، وَمِنْ ذَلِكَ
[ ص: 177 ] الْغِلُّ : لِلْحِقْدِ ، وَالْغَلِيلُ : لِحَرَارَةِ الْعَطَشِ ، وَالْغِلَالَةُ : لِلشِّعَارِ . أَقُولُ : وَتَغَلْغَلَ فِي الشَّيْءِ دَخَلَ فِيهِ وَاخْتَفَى فِي بَاطِنِهِ . وَالْمَعْنَى : مَا كَانَ مِنْ شَأْنِ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا مِنْ سِيرَتِهِ أَنْ يَغُلَّ ; لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ عَصَمَ أَنْبِيَاءَهُ مِنَ الْغِلِّ وَالْغُلُولِ فَهُوَ لَا يَقَعُ مِنْهُمْ . وَهَذَا التَّعْبِيرُ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِمْ : مَا صَحَّ وَلَا اسْتَقَامَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ ; أَيْ يَخُونَ فِي الْمَغْنَمِ - وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ مَا يُفِيدُهُ هَذَا التَّعْبِيرُ مِنْ نَفْيِ الشَّأْنِ الَّذِي هُوَ أَبْلَغُ مِنْ نَفْيِ الْفِعْلِ - لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ دَعْوَى بِدَلِيلٍ ، كَأَنَّهُ يَقُولُ هُنَا : إِنَّ النَّبِيَّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا مِمَّا يَقَعُ مِنْهُمْ أَوْ يَجُوزُ عَلَيْهِمْ . وَقَرَأَ
نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ : " أَنْ يُغَلَّ " بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَهُوَ مِنْ أَغْلَلْتُهُ بِمَعْنَى وَجَدْتُهُ غَالًّا ; أَيْ مَا كَانَ مِنْ شَأْنِ النَّبِيِّ أَنْ يُوجَدَ غَالًّا ، أَوْ بِمَعْنَى نِسْبَتِهِ إِلَى الْغُلُولِ ; أَيْ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ مُتَّهَمًا بِالْغُلُولِ ، أَوْ مِنْ غَلَّ ; أَيْ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَسْرِقُ مِنْ غَنِيمَتِهِ السَّارِقُونَ وَيَخُونُهُ الْعَامِلُونَ ، وَهَذَا أَضْعَفُ مِمَّا قَبْلَهُ .
وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ الْغُلَّ أَوِ الْغُلُولَ الْمَنْفِيَّ هُنَا هُوَ إِخْفَاءُ شَيْءٍ مِنَ الْوَحْيِ وَكِتْمَانُهُ عَنِ النَّاسِ لَا الْخِيَانَةُ فِي الْمَغْنَمِ ، وَإِنْ كَانَ مَا يَعُدُّهُ عَامًّا فِي كُلِّ غُلُولٍ أَوْ خَاصًّا بِالْغَنِيمَةِ ، فَإِنَّهُ جِيءَ بِهِ لِلْمُنَاسَبَةِ كَمَا عُهِدَ فِي مُنَاسَبَاتِ الْقُرْآنِ ، وَانْتِقَالُهُ مِنْ حُكْمٍ إِلَى حُكْمٍ أَوْ خَبَرٍ لَهُ حِكْمَةٌ . وَذَكَرُوا أَنَّهُ نَزَلَ رَدًّا عَلَى مَنْ رَغِبَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتْرُكَ النَّعْيَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ . قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : وَمِنْ مُنَاسَبَةِ كَوْنِ الْغُلِّ بِمَعْنَى الْكِتْمَانِ وَإِخْفَاءِ بَعْضِ التَّنْزِيلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ بِمُعَاتَبَةِ مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي أُحُدٍ وَتَوْبِيخِهِمْ عَلَى مَا قَصَّرُوا ، وَذَلِكَ مِمَّا يَصْعُبُ تَبْلِيغُهُ عَادَةً ; لِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَى الْمُبَلِّغِ وَالْمُبَلَّغِ ، وَمِنْ أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعَفْوِ عَنْهُمْ وَالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ وَمُشَاوَرَتِهِمْ فِي الْأَمْرِ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ ، وَفِي هَذَا إِعْلَاءٌ لِشَأْنِهِمْ وَمُعَامَلَةٌ لَهُمْ بِالْمُسَاوَاةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الشُّئُونِ ، وَذَلِكَ مِمَّا عَهِدَ الْبَشَرُ أَنْ يَشُقَّ عَلَى الرَّئِيسِ مِنْهُمْ إِبْلَاغُهُ لِلْمَرْءُوسِينَ وَيُزَادُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ مَا تَقَدَّمَ فِي هَذَا السِّيَاقِ مِنْ قَوْلِهِ - تَعَالَى - لَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=128لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ [ 3 : 128 ] عِنْدَمَا لَعَنَ
أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ رُءُوسِ الْمُشْرِكِينَ . كَأَنَّهُ - تَعَالَى - يَقُولُ إِعْلَامًا لِلنَّاسِ بِمَا يَجِبُ لِلْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - فِي أَمْرِ التَّبْلِيغِ :
nindex.php?page=treesubj&link=21380_30176مَا كَانَ مِنْ شَأْنِ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَنْ يَكْتُمَ شَيْئًا مِمَّا أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَشُقُّ عَلَى النَّاسِ فِي حُكْمِ الْعَادَةِ ذِكْرُهُ وَتَبْلِيغُهُ .
ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=161nindex.php?page=treesubj&link=28974_8484وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْ إِنَّ كُلَّ مَنْ يَقَعُ مِنْهُ غُلٌّ أَوْ غُلُولٌ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِمَا غَلَّ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِتْيَانِ بِمَا يَغُلُّ بِهِ الْغَالُّ أَنَّهُ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَامِلًا لَهُ لِيُفْتَضَحَ بِهِ ، وَيَكُونُ مَزِيدًا فِي عَذَابِهِ هُنَالِكَ ، وَقَدْ جَاءَ فِي ذَلِكَ
[ ص: 178 ] رِوَايَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ : مِنْهَا أَنَّهُ يُكَلَّفُ الْإِتْيَانَ بِهِ مِنَ النَّارِ لَا أَنَّهُ يَجِيءُ بِهِ ، وَمِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ مَا لَا يَصِحُّ ، وَلَكِنْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=918982قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطِيبًا فَذَكَرَ الْغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ ، ثُمَّ قَالَ : أَلَا لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ فَيَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي ، فَأَقُولُ لَهُ : لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ . لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهَا حَمْحَمَةٌ فَيَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي ، فَأَقُولُ : لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ ، لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ فَيَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي ، فَأَقُولُ : لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ ، لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ ، فَيَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي ، فَأَقُولُ : لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : لَا مَانِعَ مِنْ إِمْضَاءِ هَذَا الْإِتْيَانِ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَإِنَّ غَلَّ الْإِنْسَانُ بِالْعَدَدِ الْكَثِيرِ مِنَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالْأَشْيَاءِ الصَّامِتَةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ مَهْمَا كَثُرَتْ . وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّ رَجُلًا اسْتَشْكَلَ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثَهُ ذَاكَ فَقَالَ : أَرَأَيْتَ مَنْ يَغُلُّ مِائَةَ بَعِيرٍ أَوْ مِائَتَيْ بَعِيرٍ كَيْفَ يَصْنَعُ بِهَا ؟ فَأَجَابَ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ فَذَكَرَ لَهُ مَا مَعْنَاهُ : إِنَّ مَنْ كَانَ ضِرْسُهُ مِثْلَ جَبَلِ
أُحُدٍ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ مِثْلَ هَذَا . وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَصِحُّ ، وَجَعَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ حَدِيثَ حَمْلِ مَا يَغُلُّ بِهِ الْغَالُّ عَلَى رَقَبَتِهِ مِنْ بَابِ التَّمْثِيلِ ، شُبِّهَتْ حَالُ الْغَالِّ بِمَا يُرْهِقُهُ مِنْ أَثْقَالِ ذَنْبِهِ وَفَضِيحَتِهِ بِهِ مَعَ فَقْدِ الْمُعِينِ وَالْمُغِيثِ بِمَنْ يَحْمِلُ ذَلِكَ عَيْنَهُ عَلَى عَاتِقِهِ ، وَيَقْصِدُ أَرْجَى النَّاسِ لِإِغَاثَتِهِ فَيَخْذُلُهُ وَيَتَنَصَّلُ مِنْ إِغَاثَتِهِ ، وَمَازَالَ النَّاسُ يُشَبِّهُونَ الْأَثْقَالَ الْمَعْنَوِيَّةَ بِالْأَثْقَالِ الْحِسِّيَّةِ وَيُعَبِّرُونَ عَنْهَا بِالْحِمْلِ ، يَقُولُونَ فُلَانٌ حَامِلُ أَثْقَالِ أَهْلِهِ أَوْ أَثْقَالِ الْبَلَدِ ، وَفِي التَّنْزِيلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=12اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ [ 29 : 12 ، 13 ] وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=18وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى [ 35 : 18 ] عَلَى أَنَّ حَدِيثَ الشَّيْخَيْنِ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْآيَةِ .
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : فَسَّرُوا الْإِتْيَانَ بِمَا غَلَّ بِهِ الْغَالُّ بِأَنَّهُ يَحْمِلُهُ ، وَكَأَنَّهُمْ جَعَلُوا الْبَاءَ لِلْمُصَاحَبَةِ وَلَيْسَ بِمُتَعَيِّنٍ . وَقَدْ عَدَلَ عَنْهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ
كَأَبِي مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيِّ وَقَالَ : إِنَّهُ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ - تَعَالَى - حِكَايَةً عَنْ
لُقْمَانَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=16يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطَيْفٌ خَبِيرٌ [ 31 : 16 ] فَلَيْسَ مَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=16يَأْتِ بِهَا اللَّهُ أَنَّهُ يَحْمِلُهَا ، وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَعْلَمُ بِهَا أَتَمَّ الْعِلْمَ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ مَهْمَا كَانَتْ مُسْتَتِرَةً ; لِأَنَّ مَنْ يَأْتِي بِالشَّيْءِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِهِ ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالشَّيْءِ الَّذِي يَغُلُّهُ الْغَالُّ هُوَ عِبَارَةٌ - أَوْ قَالَ كِنَايَةٌ - عَنِ انْكِشَافِهِ وَظُهُورِهِ ; أَيْ إِنَّ كُلَّ غُلُولٍ
[ ص: 179 ] وَخِيَانَةٍ خَفِيَّةٍ يَعْلَمُهُ اللَّهُ - تَعَالَى - مَهْمَا خَفِيَ ، وَيُظْهِرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْغَالِّ حَتَّى يَعْرِفَهُ كَمَعْرِفَةِ مَنْ أَتَى بِالشَّيْءِ لِذَلِكَ الشَّيْءِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [ 99 : 7 ، 8 ] .
أَقُولُ : وَلَمَّا كَانَ الْجَزَاءُ يَتَرَتَّبُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ بِالْأَعْمَالِ وَإِعْلَامِهِ الْعَامِلِينَ بِهَا يَوْمَ الْحِسَابِ .
قَالَ بَعْدَمَا مَرَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=161nindex.php?page=treesubj&link=28974_29468ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ أَيْ ثُمَّ إِنَّهُ بَعْدَ أَنْ يَأْتِيَ الْغَالُّ بِمَا غَلَّ ، كَمَا يَأْتِي كُلُّ عَامِلٍ بِمَا يَعْمَلُ ، فَيَتَمَثَّلُ لَدَيْهِ كَأَنَّهُ حَاضِرٌ بَيْنَ يَدَيْهِ يَنْظُرُ إِلَيْهِ بِعَيْنَيْهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=30يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا [ 3 : 30 ] وَمِثْقَالُ الذَّرَّةِ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ مَرْئِيًّا مُبْصِرًا ، بَعْدَ هَذَا تَنَالُ جَزَاءَ مَا كَسَبْتَ مُسْتَوْفًى تَامًّا لَا تُنْقَصُ مِنْهُ شَيْئًا
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [ 18 : 49 ] .