nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=190nindex.php?page=treesubj&link=28974_32266إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=192ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=193ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=194ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب
قال الأستاذ الإمام في بيان وجه اتصال الآية الأولى بما قبلها : إنها جاءت بعد أفاعيل
أهل الكتاب ، وغيرهم مع المؤمنين ، فهي تدل على أن أولئك المجاهدين لو كانوا يتفكرون في خلق السماوات والأرض لكفوا من غرورهم ، ولعلموا أنه يليق بحكمته - تعالى - أن يرسل إلى الناس رسولا من أنفسهم ، ولكنه جعل الآية مطلقة موجهة إلى أولي الألباب ليطلق النظر
[ ص: 244 ] وقال
الرازي : اعلم أن المقصود من هذا الكتاب الكريم جذب القلوب ، والأرواح من الاشتغال بالخلق إلى الاستغراق في معرفة الحق ، فلما طال الكلام في تقرير الأحكام ، والجواب عن شبهات المبطلين عاد إلى إنارة القلوب بذكر ما يدل على التوحيد ، والإلهية ، والكبرياء ، والجلال ، فذكر هذه الآية . اهـ .
أقول : وقد بينا في وجه اتصال هذه السورة بما قبلها عند الابتداء بتفسيرها أن كلا منهما مفتتحة بذكر الكتاب وشئون الناس فيه ، ومختتمة بالثناء على الله - عز وجل - ودعائه .
وقد ذكروا سببا لنزول هذه الآيات على عدم تعلقها بالحوادث ، فقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : " أتت
قريش اليهود ، فقالوا : بم جاءكم
موسى من الآيات ؟ فقالوا : عصاه ، ويده بيضاء للناظرين ، وأتوا
النصارى ، فقالوا : كيف كان
عيسى ؟ قالوا : كان يبرئ الأكمه والأبرص ، ويحيي الموتى ، فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبا ، فدعا ربه ، فنزلت هذه الآية
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=190إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب فليتفكروا فيها . انتهى من لباب النقول . وأنت لا ترى المناسبة قوية بين الاقتراح وبين الآية إلا من حيث إن مراد القرآن
nindex.php?page=treesubj&link=28900_28899_31756_28974الاستدلال بآيات الله في الكائنات على حقيقة ما يدعو إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من عبادة الله وحده دون الخوارق ، والآيات الكونية ، وقد ورد الرد على هؤلاء المقترحين في كثير من السور المكية ، وسيأتي تفسيرها في مواضعه إن شاء الله - تعالى - .
وقد تقدم تفسير ما في خلق السماوات والأرض ،
nindex.php?page=treesubj&link=28874واختلاف الليل والنهار من الآيات على وحدانية الله - تعالى - بوحدة النظام في ذلك ، وعلى رحمته بما فيها من المنافع والمرافق للعباد ، فليراجع في تفسير آية
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=190إن في خلق السماوات [ 2 : 164 ] إلخ [ ص4 ج 2 ط الهيئة العامة للكتاب ] .
وقال الأستاذ الإمام هنا : السماوات : ماعلاك مما تراه فوقك ، والأرض : ما تعيش عليه ، والخلق : التقدير والترتيب لا الإيجاد من العدم ، كما اصطلح عليه في علم الكلام ، فذلك لا يتضمن معنى النظام والإتقان وهو ما هي عليه في الواقع ، ونفس الأمر ، وبعد ما ذكر خلق السماوات والأرض لفت العقول إلى أمر مما يكون في الأرض وهو اختلاف الليل والنهار; فإن هذا الاختلاف قائم بنظام في طول الليل والنهار ، وقصرهما ، وتعاقبهما ، وهذا أمر عظيم سواء كان سببه ما كانوا يعتقدون من أنه حادث من حركة الشمس ، أو ما يعتقدون الآن من أن سببه حركة الأرض تحت الشمس ، ومن الحكم في ذلك ما نراه في أجسامنا وعقولنا من تأثير حرارة الشمس ، ورطوبة الليل ، وكذا في تربية الحيوان والنبات ، وغير ذلك ، ولو كان الليل سرمدا والنهار سرمدا لفاتت .
وهذه الآيات تظهر لكل أحد على قدر علمه وفهمه وجودة فكره ، فأما علماء الهيئة
[ ص: 245 ] فإنهم يعرفون من نظامها ما يدهش العقل ، وأما سائر الناس فحسبهم هذه المناظر البديعة ، والأجرام الرفيعة ، وما فيها من الحسن ، والروعة ، وخص أولي الألباب بالذكر مع أن كل الناس أولو ألباب ; لأن من اللب ما لا فائدة فيه ، كلب الجوز ونحوه إذا كان عفنا ، وكذا تفسد ألباب بعض الناس وتعفن ، فهي لا تهتدي إلى
nindex.php?page=treesubj&link=28900_28899_28974الاستفادة من آيات الله في خلق السماوات والأرض وغيرهما .
وإنما سمي العقل لبا ; لأن اللب هو محل الحياة من الشيء ، وخاصته وفائدته ، وإنما حياة الإنسان الخاصة به هي حياته العقلية ، وكل عقل متمكن من الاستفادة من النظر في هذه الآيات والاستدلال بها على قدرة الله ، وحكمته ، ولكن بعضهم لا ينظر ، ولا يتفكر ، وإنما العقل الذي ينظر ، ويستفيد ، ويهتدي هو الذي وصف أصحابه بقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم والذكر في الآية على عمومه لا يخص بالصلاة ، والمراد به ذكر القلوب ، وهو إحضار الله - تعالى - في النفس وتذكر حكمه ، وفضله ، ونعمه في حال القيام ، والقعود ، والاضطجاع ، وهذه الحالات الثلاث التي لا يخلو العبد عنها تكون فيها السماوات ، والأرض معه لا يتفارقان ،
nindex.php?page=treesubj&link=19785_19786_19787_19788والآيات الإلهية لا تظهر من السماوات والأرض إلا لأهل الذكر ، فكأين من عالم يقضي ليله في رصد الكواكب فيعرف منها ما لا يعرف الناس ، ويعرف من نظامها ، وسننها ، وشرائعها ما لا يعرف الناس ، وهو يتلذذ بذلك العلم ولكنه مع هذا لا تظهر له هذه الآيات ; لأنه منصرف عنها بالكلية .
ثم إن ذكر الله - تعالى - لا يكفي في الاهتداء إلى الآيات ، ولكن يشترط مع الذكر التفكر فيها ، فلا بد من الجمع بين الذكر ، والفكر ، فقد يذكر المؤمن بالله ربه ، ولا يتفكر في بديع صنعه ، وأسرار خليقته ; ولذلك قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191ويتفكرون في خلق السماوات والأرض .
أقول : قد يتفكر المرء في عجائب السماوات والأرض ، وأسرار ما فيهما من الإتقان ، والإبداع ، والمنافع الدالة على العلم المحيط ، والحكمة البالغة ، والنعم السابغة ، والقدرة التامة ، وهو غافل عن العليم الحكيم القادر الرحيم الذي خلق ذلك في أبدع نظام ، وكم من ناظر إلى صنعة بديعة لا يخطر في باله صانعها اشتغالا بها عنه ، فالذين يشتغلون بعلم ما في السماوات والأرض هم غافلون عن خالقهما ، ذاهلون عن ذكره ، يمتعون عقولهم بلذة العلم ، ولكن أرواحهم تبقى محرومة من لذة الذكر ومعرفة الله - عز وجل - ، فمثلهم كما قال الأستاذ الإمام : كمثل من يطبخ طعاما شهيا يغذي به جسده ، ولكنه لا يرقى به عقله ، يعني أن الفكر وحده وإن كان مفيدا لا تكون فائدته نافعة في الآخرة إلا بالذكر ،
nindex.php?page=treesubj&link=19778_24582والذكر وإن أفاد في الدنيا والآخرة لا تكمل فائدته إلا بالفكر ، فيا طوبى لمن جمع بين الأمرين واستمتع بهاتين اللذتين ، فكان من الذين أوتوا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، ونجوا من عذاب النار في الآخرة ، فتلك النعمة التي لا تفضلها نعمة ، واللذة التي لا تعلوها لذة ; لأنها هي التي يهون معها كل كرب ، ويسلس كل صعب ، وتعظم كل نعمة ، وتتضاءل كل نقمة ، تلك اللذة التي تتجلى مع الذكر
[ ص: 246 ] في كل شيء فيكون في عين ناظره جميلا ، وفي كل صوت فيكون في سمع سامعه مطربا ، فلسان حال الذاكر ينشد في هذا التجلي قول الشاعر الذاكر :
من كل معنى لطيف أجتلي قدحا وكل حادثة في الكون تطربني
فإذا تحول التجلي عن جمال الأكوان ، وتفكر الذاكر في تقصيره من حيث هو إنسان عن شكر المنعم عليه بكل شيء يتمتع به ، وعن القيام بما يصل إليه استعداده من معرفته استولى عليه سلطان الجلال فتعلو همته في طلب الكمال فينطلق لسانه بالدعاء ، والثناء ، وقلبه بين الخوف والرجاء
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=190nindex.php?page=treesubj&link=28974_32266إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=192رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=193رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=194رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي بَيَانِ وَجْهِ اتِّصَالِ الْآيَةِ الْأُولَى بِمَا قَبْلَهَا : إِنَّهَا جَاءَتْ بَعْدَ أَفَاعِيلِ
أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَغَيْرِهِمْ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَهِيَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ أُولَئِكَ الْمُجَاهِدِينَ لَوْ كَانُوا يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَكَفُّوا مِنْ غُرُورِهِمْ ، وَلَعَلِمُوا أَنَّهُ يَلِيقُ بِحِكْمَتِهِ - تَعَالَى - أَنْ يُرْسِلَ إِلَى النَّاسِ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، وَلَكِنَّهُ جَعَلَ الْآيَةَ مُطْلَقَةً مُوَجَّهَةً إِلَى أُولِي الْأَلْبَابِ لِيُطْلِقَ النَّظَرَ
[ ص: 244 ] وَقَالَ
الرَّازِيُّ : اعْلَمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ الْكَرِيمِ جَذْبُ الْقُلُوبِ ، وَالْأَرْوَاحِ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِالْخَلْقِ إِلَى الِاسْتِغْرَاقِ فِي مَعْرِفَةِ الْحَقِّ ، فَلَمَّا طَالَ الْكَلَامُ فِي تَقْرِيرِ الْأَحْكَامِ ، وَالْجَوَابِ عَنْ شُبَهَاتِ الْمُبْطِلِينَ عَادَ إِلَى إِنَارَةِ الْقُلُوبِ بِذِكْرِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّوْحِيدِ ، وَالْإِلَهِيَّةِ ، وَالْكِبْرِيَاءِ ، وَالْجَلَالِ ، فَذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ . اهـ .
أَقُولُ : وَقَدْ بَيَّنَّا فِي وَجْهِ اتِّصَالِ هَذِهِ السُّورَةِ بِمَا قَبْلَهَا عِنْدَ الِابْتِدَاءِ بِتَفْسِيرِهَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُفْتَتَحَةٌ بِذِكْرِ الْكِتَابِ وَشُئُونِ النَّاسِ فِيهِ ، وَمُخْتَتَمَةٌ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَدُعَائِهِ .
وَقَدْ ذَكَرُوا سَبَبًا لِنُزُولِ هَذِهِ الْآيَاتِ عَلَى عَدَمِ تَعَلُّقِهَا بِالْحَوَادِثِ ، فَقَدْ أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطَّبَرَانِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : " أَتَتْ
قُرَيْشٌ الْيَهُودَ ، فَقَالُوا : بِمَ جَاءَكُمْ
مُوسَى مِنَ الْآيَاتِ ؟ فَقَالُوا : عَصَاهُ ، وَيَدُهُ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ ، وَأَتَوُا
النَّصَارَى ، فَقَالُوا : كَيْفَ كَانَ
عِيسَى ؟ قَالُوا : كَانَ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ ، وَيُحْيِي الْمَوْتَى ، فَأَتَوُا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا : ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَجْعَلْ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا ، فَدَعَا رَبَّهُ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=190إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ فَلْيَتَفَكَّرُوا فِيهَا . انْتَهَى مِنْ لُبَابِ النُّقُولِ . وَأَنْتَ لَا تَرَى الْمُنَاسَبَةَ قَوِيَّةً بَيْنَ الِاقْتِرَاحِ وَبَيْنَ الْآيَةِ إِلَّا مِنْ حَيْثُ إِنَّ مُرَادَ الْقُرْآنِ
nindex.php?page=treesubj&link=28900_28899_31756_28974الِاسْتِدْلَالُ بِآيَاتِ اللَّهِ فِي الْكَائِنَاتِ عَلَى حَقِيقَةِ مَا يَدْعُو إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ دُونَ الْخَوَارِقِ ، وَالْآيَاتِ الْكَوْنِيَّةِ ، وَقَدْ وَرَدَ الرَّدُّ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُقْتَرِحِينَ فِي كَثِيرٍ مِنَ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ ، وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهَا فِي مَوَاضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - .
وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ مَا فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28874وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الْآيَاتِ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ - تَعَالَى - بِوَحْدَةِ النِّظَامِ فِي ذَلِكَ ، وَعَلَى رَحْمَتِهِ بِمَا فِيهَا مِنَ الْمَنَافِعِ وَالْمَرَافِقِ لِلْعِبَادِ ، فَلْيُرَاجَعْ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=190إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ [ 2 : 164 ] إلخ [ ص4 ج 2 ط الْهَيْئَةِ الْعَامَّةِ لِلْكِتَابِ ] .
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ هُنَا : السَّمَاوَاتُ : مَاعَلَاكَ مِمَّا تَرَاهُ فَوْقَكَ ، وَالْأَرْضُ : مَا تَعِيشُ عَلَيْهِ ، وَالْخَلْقُ : التَّقْدِيرُ وَالتَّرْتِيبُ لَا الْإِيجَادُ مِنَ الْعَدَمِ ، كَمَا اصْطُلِحَ عَلَيْهِ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ ، فَذَلِكَ لَا يَتَضَمَّنُ مَعْنَى النِّظَامِ وَالْإِتْقَانِ وَهُوَ مَا هِيَ عَلَيْهِ فِي الْوَاقِعِ ، وَنَفْسِ الْأَمْرِ ، وَبَعْدَ مَا ذَكَرَ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَفَتَ الْعُقُولَ إِلَى أَمْرٍ مِمَّا يَكُونُ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ; فَإِنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ قَائِمٌ بِنِظَامٍ فِي طُولِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَقَصَرِهِمَا ، وَتَعَاقُبِهِمَا ، وَهَذَا أَمْرٌ عَظِيمٌ سَوَاءٌ كَانَ سَبَبُهُ مَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَ مِنْ أَنَّهُ حَادِثٌ مِنْ حَرَكَةِ الشَّمْسِ ، أَوْ مَا يَعْتَقِدُونَ الْآنَ مِنْ أَنَّ سَبَبَهُ حَرَكَةُ الْأَرْضِ تَحْتَ الشَّمْسِ ، وَمِنَ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ مَا نَرَاهُ فِي أَجْسَامِنَا وَعُقُولِنَا مِنْ تَأْثِيرِ حَرَارَةِ الشَّمْسِ ، وَرُطُوبَةِ اللَّيْلِ ، وَكَذَا فِي تَرْبِيَةِ الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَلَوْ كَانَ اللَّيْلُ سَرْمَدًا وَالنَّهَارُ سَرْمَدًا لَفَاتَتْ .
وَهَذِهِ الْآيَاتُ تَظْهَرُ لِكُلِّ أَحَدٍ عَلَى قَدْرِ عِلْمِهِ وَفَهْمِهِ وَجَوْدَةِ فِكْرِهِ ، فَأَمَّا عُلَمَاءُ الْهَيْئَةِ
[ ص: 245 ] فَإِنَّهُمْ يَعْرِفُونَ مِنْ نِظَامِهَا مَا يُدْهِشُ الْعَقْلَ ، وَأَمَّا سَائِرُ النَّاسِ فَحَسْبُهُمْ هَذِهِ الْمَنَاظِرُ الْبَدِيعَةُ ، وَالْأَجْرَامُ الرَّفِيعَةُ ، وَمَا فِيهَا مِنَ الْحُسْنِ ، وَالرَّوْعَةِ ، وَخَصَّ أُولِي الْأَلْبَابِ بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّ كُلَّ النَّاسِ أُولُو أَلْبَابٍ ; لِأَنَّ مِنَ اللُّبِّ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ ، كَلُبِّ الْجَوْزِ وَنَحْوِهِ إِذَا كَانَ عَفِنًا ، وَكَذَا تَفْسَدُ أَلْبَابُ بَعْضِ النَّاسِ وَتَعْفَنُ ، فَهِيَ لَا تَهْتَدِي إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28900_28899_28974الِاسْتِفَادَةِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَغَيْرِهِمَا .
وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْعَقْلُ لُبًّا ; لِأَنَّ اللُّبَّ هُوَ مَحَلُّ الْحَيَاةِ مِنَ الشَّيْءِ ، وَخَاصَّتُهُ وَفَائِدَتُهُ ، وَإِنَّمَا حَيَاةُ الْإِنْسَانِ الْخَاصَّةُ بِهِ هِيَ حَيَاتُهُ الْعَقْلِيَّةُ ، وَكُلُّ عَقْلٍ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الِاسْتِفَادَةِ مِنَ النَّظَرِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ ، وَحِكْمَتِهِ ، وَلَكِنَّ بَعْضَهُمْ لَا يَنْظُرُ ، وَلَا يَتَفَكَّرُ ، وَإِنَّمَا الْعَقْلُ الَّذِي يَنْظُرُ ، وَيَسْتَفِيدُ ، وَيَهْتَدِي هُوَ الَّذِي وَصَفَ أَصْحَابَهُ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَالذِّكْرُ فِي الْآيَةِ عَلَى عُمُومِهِ لَا يُخَصُّ بِالصَّلَاةِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ ذِكْرُ الْقُلُوبِ ، وَهُوَ إِحْضَارُ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي النَّفْسِ وَتَذَكُّرُ حُكْمِهِ ، وَفَضْلِهِ ، وَنِعَمِهِ فِي حَالِ الْقِيَامِ ، وَالْقُعُودِ ، وَالِاضْطِجَاعِ ، وَهَذِهِ الْحَالَاتُ الثَّلَاثُ الَّتِي لَا يَخْلُو الْعَبْدُ عَنْهَا تَكُونُ فِيهَا السَّمَاوَاتُ ، وَالْأَرْضُ مَعَهُ لَا يَتَفَارَقَانِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=19785_19786_19787_19788وَالْآيَاتُ الْإِلَهِيَّةُ لَا تَظْهَرُ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا لِأَهْلِ الذِّكْرِ ، فَكَأَيِّنْ مِنْ عَالَمٍ يَقْضِي لَيْلَهُ فِي رَصْدِ الْكَوَاكِبِ فَيَعْرِفُ مِنْهَا مَا لَا يَعْرِفُ النَّاسُ ، وَيَعْرِفُ مِنْ نِظَامِهَا ، وَسُنَنِهَا ، وَشَرَائِعِهَا مَا لَا يَعْرِفُ النَّاسُ ، وَهُوَ يَتَلَذَّذُ بِذَلِكَ الْعِلْمِ وَلَكِنَّهُ مَعَ هَذَا لَا تَظْهَرُ لَهُ هَذِهِ الْآيَاتُ ; لِأَنَّهُ مُنْصَرِفٌ عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ .
ثُمَّ إِنَّ ذِكْرَ اللَّهِ - تَعَالَى - لَا يَكْفِي فِي الِاهْتِدَاءِ إِلَى الْآيَاتِ ، وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ مَعَ الذِّكْرِ التَّفَكُّرُ فِيهَا ، فَلَا بُدَّ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الذِّكْرِ ، وَالْفِكْرِ ، فَقَدْ يُذَكَّرُ الْمُؤْمِنُ بِاللَّهِ رَبَّهُ ، وَلَا يَتَفَكَّرُ فِي بَدِيعِ صُنْعِهِ ، وَأَسْرَارِ خَلِيقَتِهِ ; وَلِذَلِكَ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .
أَقُولُ : قَدْ يَتَفَكَّرُ الْمَرْءُ فِي عَجَائِبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَأَسْرَارِ مَا فِيهِمَا مِنَ الْإِتْقَانِ ، وَالْإِبْدَاعِ ، وَالْمَنَافِعِ الدَّالَّةِ عَلَى الْعِلْمِ الْمُحِيطِ ، وَالْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ ، وَالنِّعَمِ السَّابِغَةِ ، وَالْقُدْرَةِ التَّامَّةِ ، وَهُوَ غَافِلٌ عَنِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ الْقَادِرِ الرَّحِيمِ الَّذِي خَلَقَ ذَلِكَ فِي أَبْدَعِ نِظَامٍ ، وَكَمْ مِنْ نَاظِرٍ إِلَى صَنْعَةٍ بَدِيعَةٍ لَا يَخْطُرُ فِي بَالِهِ صَانِعُهَا اشْتِغَالًا بِهَا عَنْهُ ، فَالَّذِينَ يَشْتَغِلُونَ بِعِلْمِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ هُمْ غَافِلُونَ عَنْ خَالِقِهِمَا ، ذَاهِلُونَ عَنْ ذِكْرِهِ ، يُمَتِّعُونَ عُقُولَهُمْ بِلَذَّةِ الْعِلْمِ ، وَلَكِنَّ أَرْوَاحَهُمْ تَبْقَى مَحْرُومَةً مِنْ لَذَّةِ الذِّكْرِ وَمَعْرِفَةِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ، فَمَثَلُهُمْ كَمَا قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : كَمَثَلِ مَنْ يَطْبُخُ طَعَامًا شَهِيًّا يُغَذِّي بِهِ جَسَدَهُ ، وَلَكِنَّهُ لَا يَرْقَى بِهِ عَقْلُهُ ، يَعْنِي أَنَّ الْفِكْرَ وَحْدَهُ وَإِنْ كَانَ مُفِيدًا لَا تَكُونُ فَائِدَتُهُ نَافِعَةً فِي الْآخِرَةِ إِلَّا بِالذِّكْرِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=19778_24582وَالذِّكْرُ وَإِنْ أَفَادَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَا تَكْمُلُ فَائِدَتُهُ إِلَّا بِالْفِكْرِ ، فَيَا طُوبَى لِمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَاسْتَمْتَعَ بِهَاتَيْنِ اللَّذَّتَيْنِ ، فَكَانَ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَنَجَوْا مِنْ عَذَابِ النَّارِ فِي الْآخِرَةِ ، فَتِلْكَ النِّعْمَةُ الَّتِي لَا تَفْضُلُهَا نِعْمَةٌ ، وَاللَّذَّةُ الَّتِي لَا تَعْلُوهَا لَذَّةٌ ; لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي يَهُونُ مَعَهَا كُلُّ كَرْبٍ ، وَيَسْلُسُ كُلُّ صَعْبٍ ، وَتَعْظُمُ كُلُّ نِعْمَةٍ ، وَتَتَضَاءَلُ كُلُّ نِقْمَةٍ ، تِلْكَ اللَّذَّةُ الَّتِي تَتَجَلَّى مَعَ الذِّكْرِ
[ ص: 246 ] فِي كُلِّ شَيْءٍ فَيَكُونُ فِي عَيْنِ نَاظِرِهِ جَمِيلًا ، وَفِي كُلِّ صَوْتٍ فَيَكُونُ فِي سَمْعِ سَامِعِهِ مُطْرِبًا ، فَلِسَانُ حَالِ الذَّاكِرِ يُنْشِدُ فِي هَذَا التَّجَلِّي قَوْلَ الشَّاعِرِ الذَّاكِرِ :
مِنْ كُلِّ مَعْنًى لَطِيفٍ أَجْتَلِي قَدَحًا وَكُلُّ حَادِثَةٍ فِي الْكَوْنِ تُطْرِبُنِي
فَإِذَا تَحَوَّلَ التَّجَلِّي عَنْ جَمَالِ الْأَكْوَانِ ، وَتَفَكُّرِ الذَّاكِرِ فِي تَقْصِيرِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ إِنْسَانٌ عَنْ شُكْرِ الْمُنْعِمِ عَلَيْهِ بِكُلِّ شَيْءٍ يَتَمَتَّعُ بِهِ ، وَعَنِ الْقِيَامِ بِمَا يَصِلُ إِلَيْهِ اسْتِعْدَادُهُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ سُلْطَانُ الْجَلَالِ فَتَعْلُو هِمَّتُهُ فِي طَلَبِ الْكَمَالِ فَيَنْطَلِقُ لِسَانُهُ بِالدُّعَاءِ ، وَالثَّنَاءِ ، وَقَلْبُهُ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ