nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195nindex.php?page=treesubj&link=28974_29674_19736فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى عطف استجابته لهم بفاء السببية فدل على أن ما ذكر من شأنهم هو الذي أهلهم لقبول دعائهم ، قال الأستاذ الإمام ما مثاله مع زيادة في مسألة الرجل والمرأة : استجاب دعاءهم لصدقهم في الإيمان ، والذكر ، والفكر ، والتقديس ، والتنزيه ، والوصول إلى معرفة الحياة الآخرة ، وصدق الرسل ، وإيمانهم بهم ، وشعورهم بعد ذلك كله بأنهم ضعفاء مقصرون في الشكر لله ، محتاجون مغفرته لهم ، وفضله عليهم وإحسانه بهم بإيتائهم ما وعدهم ، ولكن هذه الاستجابة لم تكن بعين ما طلبوا كما طلبوا ; ولذلك صورها وبين كيفيتها ، وهذا التصوير لحكمة عالية ، وهي أن الاستجابة ليست إلا توفية كل عامل جزاء عمله لينبههم بذكر العمل ، والعامل إلى أن
nindex.php?page=treesubj&link=30513_18692_30416العبرة في النجاة من العذاب ، والفوز بحسن الثواب إنما هي بإحسان العمل ، والإخلاص فيه ، فإن الإنسان قد تغشه نفسه ، فيظن أنه محسن ، وهو ليس بمحسن ، وأنه مخلص ، وما هو بمخلص ، وأن حوله وقوته قد فنيا في حول الله وقوته ، وأنه لا يريد إلا وجهه - تعالى - في كل حركة وسكون ، ويكون في الواقع ونفس الأمر مغرورا مرائيا . وذكر أن
nindex.php?page=treesubj&link=30483الذكر والأنثى متساويان عند الله - تعالى - في الجزاء متى تساويا في العمل حتى لا يغتر الرجل بقوته ، ورياسته على المرأة ، فيظن أنه أقرب إلى الله منها ، ولا تسيء المرأة الظن بنفسها فتتوهم أن جعل الرجل رئيسا عليها يقتضي أن يكون أرفع منزلة عند الله - تعالى - منها . وقد بين الله - تعالى - علة هذه المساواة بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195بعضكم من بعض nindex.php?page=treesubj&link=30483_31808فالرجل مولود من المرأة ، والمرأة مولودة من الرجل ، فلا فرق في البشرية ، ولا تفاضل بينهما إلا بالأعمال ، أي وما تترتب عليه الأعمال ، ويترتب هو عليها من العلوم والأخلاق .
أقول : وفيه وجه آخر ، وهو أن كلا منهما صنو وزوج وشقيق للآخر ، وفي معنى ذلك حديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=919011النساء شقائق الرجال قالوا : أي مثلهم في الطباع ، والأخلاق كأنهن مشتقات منهم ، أو لأنهن معهم من أصل واحد . ووجه ثالث : أنه بمعنى حديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003176سلمان منا وحديث
[ ص: 251 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=918919ليس منا من دعا إلى عصبية فمعنى " منا " على طريقتنا ، وما نحن عليه لا فرق بيننا وبينه . وهذه الآية ترفع قدر النساء المسلمات في أنفسهن ، وعند الرجال المسلمين . ومن علم أن جميع الأمم كانت تهضم حق المرأة قبل الإسلام ، وتعدها كالبهيمة المسخرة لمصلحة الرجل وشهوته ، وعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=30483_29468بعض الأديان فضلت الرجل على المرأة بمجرد كونه ذكرا وكونها أنثى ، وبعض الناس عد المرأة غير أهل للتكاليف الدينية ، وزعموا أنها ليس لها روح خالدة - من علم هذا قدر هذا الإصلاح الإسلامي لعقائد الأمم ، ومعاملاتها حق قدره ، وتبين له أن ما تدعيه الإفرنج من السبق إلى الاعترافات بكرامة المرأة ، ومساواتها للرجل باطل ، بل الإسلام السابق . وأن شرائعهم وتقاليدهم الدينية والمدنية لا تزال تميز الرجل على المرأة . نعم ، إن لهم أن يحتجوا على المسلمين بالتقصير في تعليم النساء ، وتربيتهن ، وجعلهن عارفات بما لهن ، وما عليهن ، ونحن نعترف بأننا مقصرون تاركون لهداية ديننا ، صرنا حجة عليه عند الأجانب ، وفتنة لهم ، وأما ما يفضل به الرجال النساء في الجملة من العلم ، والعقل ، وما يقومون به من الأعمال الدنيوية الذي ربما كان سببه ما جرى عليه الناس من أحوال الاجتماع ، وكذا جعل حظ الرجل في الإرث مثل حظ الأنثيين ، لأنه يتحمل نفقتها ، ويكلف ما لا تكلفه ، فلا دخل لشيء من ذلك في التفاضل عند الله - تعالى - في الثواب والعقاب ، والكرامة وضدها ، بل سوى الله - تعالى - بين الزوجين حتى في الحقوق الاجتماعية إلا مسألة القيام والرياسة ، فجعل للرجال عليهن درجة كما تقدم في سورة البقرة [ ص299 وما بعدها ج 2 ط الهيئة العامة للكتاب ] .
الأستاذ الإمام : لم يكتف بربط الجزاء بالعمل حتى بين أن العمل هو الذي يستحقون به ما طلبوا من تكفير السيئات ودخول الجنة ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم ذكر الإخراج من الديار بعد الهجرة من باب التفصيل بعد الإجمال ،
nindex.php?page=treesubj&link=29468_31104_30483فالهجرة إنما كانت وتكون بالإخراج من الديار ، وتستتبع ما ذكر في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا من الإيذاء والقتال ، وقرئ ( وقتلوا ) بتشديد التاء للمبالغة ، فمن لم يحتمل القتل بل والتقتيل في سبيل الله - تعالى - ويبذل مهجته لله - عز وجل - فلا يطمعن بهذه المثوبة المؤكدة في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ومثل هذه الآيات الكبيرة الوادرة في صفات المؤمنين كقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا [ 49 : 15 ] إلخ . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=2إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم [ 8 : 2 ] إلخ ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=1قد أفلح المؤمنون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=2الذين هم في صلاتهم خاشعون [ 23 : 1 ، 2 ] الآيات ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=63وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا [ 25 : 63 ] الآيات ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=19إن الإنسان خلق هلوعا [ 70 : 19 ] الآيات ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=1والعصر [ 103 : 1 ] إلى آخر السورة ، وغير ذلك .
قال : هكذا يذكر الله - تعالى - صفات المؤمنين لينبهنا إلى أن نرجع إلى أنفسنا ونمتحنها
[ ص: 252 ] بهذه الأعمال والصفات ، فإن رأيناها تحتمل الإيذاء في سبيل الله حتى القتل فلنبشرها بالصدق منها ، والرضوان منه - تعالى - ، وإلا فعلينا أن نسعى لتحصيل هذه المرتبة التي لا ينجي عنده غيرها . وإنما كلف الله المؤمنين الصادقين الموقنين المخلصين هذا التكليف الشاق لأن قيام الحق مرتبط به ، وإنما سعادتهم - من حيث هم مؤمنون - بقيام الحق وتأييده ، والحق في كل زمان ، ومكان محتاج إلى أهله لينصروه على أهل الباطل الذين يقاومونه .
nindex.php?page=treesubj&link=32025والحق والباطل يتصارعان دائما ، ولكل منهما حزب ينصره ، فيجب على أنصار الحق ألا يفشلوا ولا ينهزموا ، بل عليهم أن يثبتوا ، ويصبروا ، حتى تكون كلمته العليا ، وكلمة الباطل هي السفلى . ( قال ) : وانظر إلى حال المؤمنين اليوم تجدهم يتعللون بأن هذه الآيات نزلت في أناس مخصوصين ، كأنهم يترقبون أن يستجيب الله لهم ، ويعطيهم ما وعد المؤمنين من غير أن يقوموا بعمل مما أمر به المؤمنين ، ولا أن يتصفوا بوصف مما وصفهم به من حيث هم مؤمنون ، وما علق عليه وعده بمثوبتهم ، بل وإن اتصفوا بضده وهو ما توعد عليه بالعذاب الشديد ، وهذا منتهى الغرور .
وأقول : إن هذه الصفات تجتمع وتفترق ، فمن المهاجرين من ترك وطنه مختارا ، ولم يخرج منه إخراجا ، بل من الصحابة من هاجر مستخفيا لئلا يمنعه المشركون . ولكن قد يقال : إنهم إذا لم يكونوا أمروهم بالهجرة أمرا ، وأخرجوهم من ديارهم قسرا ، فإنهم قد ضيقوا عليهم المسالك حتى ألجئوهم إلى ذلك . ومنهم من أوذي ولم يخرجه المشركون ، ولا مكنوه من الخروج . وراجع بعض الكلام في إيذاء مشركي
مكة للمسلمين في ص254 وما بعدها ح2 [ ط الهيئة المصرية العامة للكتاب ] وفي الحديث أن
nindex.php?page=hadith&LINKID=919012الهجرة دائمة لا تنقطع حتى تمنع التوبة أي إلى قبيل قيام الساعة .
وأما قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195وقاتلوا وقتلوا فقد قرأه
حمزة بعكس الترتيب في اللفظ " وقتلوا وقاتلوا " ، وقالوا فيه : إن الواو لا تفيد ترتيبا ، ولأن المراد أن الكفار كانوا هم البادئين ، فلما قتل من المؤمنين أناس قاتلوا الكفار . وشدد
ابن كثير ،
وابن عامر تاء " قتلوا " للمبالغة كما جاء في كلام الأستاذ الإمام ، وقد كان المشركون يقتلون كل من قدروا على قتله من المسلمين إلا أن يكون له من يمنعه من قريب وولي . وقد راجعت بعد كتابة ما تقدم تفسير
nindex.php?page=showalam&ids=16785الفخر الرازي فإذا هو يقول : والمراد من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195فالذين هاجروا الذين اختاروا المهاجرة من أوطانهم في خدمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - . والمراد من الذين أخرجوا من ديارهم الذين ألجأهم الكفار إلى الخروج . ولا شك أن رتبة الأولين أفضل ; لأنهم اختاروا خدمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وملازمته على الاختيار ، فكانوا أفضل . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195وأوذوا في سبيلي أي من أجله وسببه ،
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195وقاتلوا وقتلوا لأن المقاتلة تكون قبل القتال . قرأ
نافع وعاصم [ ص: 253 ] وأبو عمرو : " وقاتلوا " بالألف أولا " وقتلوا " مخففة ، والمعنى : أنهم قاتلوا معه حتى قتلوا .
وقرأ
ابن كثير ،
وابن عامر ( وقاتلوا ) أولا ( وقتلوا ) مشددة ، قيل : التشديد للمبالغة وتكرر القتل فيهم كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=50مفتحة لهم الأبواب [ 38 : 50 ] وقيل : قطعوا ، عن
الحسن .
وقرأ
حمزة ، و
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي ( وقتلوا ) بغير ألف أولا ، ( وقاتلوا ) بالألف بعده ، وفيه وجوه : الأول أن الواو لا توجب الترتيب كما في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=43واسجدي واركعي [ 3 : 43 ] والثاني على قولهم : قلنا ورب الكعبة . إذا ظهرت أمارات القتل أو إذا قتل قومه وعشائره ، والثالث بإضمار قد ، أي قتلوا وقد قاتلوا اهـ .
وأقول : إن كلمة وقاتلوا رسمت في المصحف الإمام بغير ألف ككلمة وقتلوا
والرازي لا يعني بقوله قرأ
نافع . . . " قاتلوا " بالألف : إن الكلمة رسمت أو ترسم بالألف في المصحف ، وإنما ذلك للتوضيح ، يعني قرءوا بالفعل المشتق من المقاتلة ; والحكمة في اختلاف القراءات هنا إفادة المعاني المختلفة باختلافها ، ومثل هذا كثير .
أما قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195ثوابا من عند الله فمعناه لأكفرن عنهم سيئاتهم وأدخلنهم الجنات ، أثيبهم بذلك ثوابا من النوع العالي الكريم الذي عند الله لا يقدر عليه غيره . والثواب : اسم من مادة ثاب يثوب ثوبا أي رجع ، يقال : تفرق عنه أصحابه ، ثم ثابوا إليه ، وفي المجاز ثاب إليه عقله وحلمه إذا كان خرج عن مقتضى العقل ، والحلم بنحو غضب شديد ثم سكت عنه غضبه ، ومنه جعل
البيت الحرام مثابة للناس ، فإنهم يعودون إليه بعد مفارقته ; ولذلك قال
الراغب :
nindex.php?page=treesubj&link=29468_30531الثواب ما يرجع إلى الإنسان من جزاء أعماله ، فيسمى الجزاء ثوابا تصورا أنه هو هو ، ألا ترى كيف جعل الله - تعالى - الجزاء نفس الفعل في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره [ 99 : 7 ] ولم يقل جزاءه . والثواب يقال في الخير والشر ، لكن الأكثر المتعارف في الخير ، وعلى هذا قوله - عز وجل - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب انتهى المراد .
وأقول : إن لفظ الثواب والمثوبة حيث وقع ، وما في معناه من ذكر الجزاء بالعبارات التي تدل على أنه عين العمل ، كل ذلك يؤيد المسألة التي أخذنا على أنفسنا إيضاحها ، وإثباتها ، وكررنا القول فيها بعبارات ، وأساليب كثيرة ، وهي أن الجزاء أثر طبيعي للعمل ، أي إن للأعمال تأثيرا في نفس العامل تزكيها فتكون بها منعمة في الآخرة ، أو تدسيها فتكون معذبة فيها بحسب سنة الله - تعالى - ، فكأن الأعمال نفسها تثوب وتعود ، وليس - أي الجزاء - أمرا وضيعا كجزاء الحكام بحسب قوانينهم ، وشرائعهم . وقد أشار إلى هذا المعنى بعض المدققين من العلماء - لاسيما
الصوفية -
nindex.php?page=showalam&ids=14847كالغزالي nindex.php?page=showalam&ids=12816ومحيي الدين بن عربي ، وإذا فقه الناس هذا المعنى زال غرورهم ، ولم يعتمدوا في أمر ما يرجون من نعيم الآخرة ويخشون من عذابها إلا على
[ ص: 254 ] ما أرشدهم إليه كتاب الله - تعالى - من العمل الصالح دون أشخاص الصالحين ، وتسمية أنفسهم " محاسيب عليهم " ، ودعائهم ، والاستغاثة بهم .
وقال الإمام
الرازي في المسألة الأولى من المسائل المتعلقة بالآية : " في الآية تنبيه على أن
nindex.php?page=treesubj&link=30495_30514_29468_30531_19767استجابة الدعاء مشروطة بهذه الأمور ( أي العمل الصالح مع المهاجرة ، واحتمال الإخراج من الوطن ، والإيذاء في سبيل الحق ، والخير ، والقتل والقتال فيه ) فلما كان حصول هذا الشرط عزيزا كان الشخص المجاب الدعاء عزيزا " .
وقال في المسألة الخامسة : اعلم أنه ليس المراد أنه لا يضيع نفس العمل ; لأن العمل كلما وجد تلاشى وفني ، بل المراد أنه لا يضيع ثواب العمل ، والإضاعة عبارة عن ترك الإثابة ، فقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195لا أضيع نفي للنفي فيكون إثباتا ، فيصير المعنى : إني أوصل ثواب جميع أعمالكم إليكم ، إذا ثبت ما قلنا فالآية دالة على
nindex.php?page=treesubj&link=30444أن أحدا من المؤمنين لا يبقى في النار مخلدا ، والدليل عليه أنه بإيمانه استحق ثوابا ، وبمعصيته استحق عقابا ، فلا بد من وصولهما إليه بحكم هذه الآية ، والجمع بينهما محال . فإما أن يقدم الثواب ثم ينقله إلى العقاب ، وهو باطل بالإجماع ، أو يقدم العقاب ، ثم ينقله إلى الثواب وهو المطلوب اهـ . وفي قوله : إن العمل تلاشى وفني ما علمت من قاعدتنا التي نبهنا عليها آنفا ، فنقول : إن حركة الأعضاء به فنيت ، ولكن صورته في النفس بقيت ، فكانت منشأ الجزاء ، وأورد
الرازي نفسه وجها آخر في عدم إضاعة العمل ، وهو عدم إضاعة الدعاء ، وقال بعد مباحث : ثم إنه - تعالى - وعد من فعل هذا بأمور ثلاثة :
أولها : محو السيئات ، وغفران الذنوب ، وهو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195لأكفرن عنهم سيئاتهم وذلك هو الذي طلبوه بقولهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=193فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا .
وثانيهما : إعطاء الثواب العظيم وهو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار وهو الذي طلبوه بقولهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=194وآتنا ما وعدتنا على رسلك .
وثالثها : أن يكون هذا الثواب ثوابا عظيما مقرونا بالتعظيم ، والإجلال ، وهو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=198من عند الله وهو الذي قالوه :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=194ولا تخزنا يوم القيامة ; لأنه - سبحانه - هو العظيم الذي لا نهاية لعظمته ، وإذا قال السلطان العظيم لعبده : إني أخلع عليك خلعة من عندي دل ذلك على كون تلك الخلعة في نهاية الشرف اهـ . وقد علمت أن عدم الخزي لا يدل على ما قاله في النعيم الروحاني ، وكذلك لا يدل على ما قاله هنا ، وما قرره في الاستجابة من أنها بعين ما طلبوا مخالف لما قاله الأستاذ الإمام وقد رأيته .
ثم قال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195والله عنده حسن الثواب .
[ ص: 255 ] قال الأستاذ الإمام كغيره : إن هذا تأكيد لما قبله من كون الثواب من عند الله ، ليبين أن هذا الجزاء بمحض الفضل ، والكرم الإلهي ، وأنه يقع بإرادته ، واختياره - تعالى - ، وإن كان جزاء على عمل .
وأقول : إن كون الجزاء بفضل الله ورحمته لا ينافي ما قلناه في معنى الجزاء والثواب ; لأن
nindex.php?page=treesubj&link=29703كل ما يصيب العباد من خير في الدنيا فهو من فضله - تعالى - ورحمته ، وإن كان قد جعل له أسبابا هو أثر طبيعي لها كالمطر ، والنبات ، والصحة ، وغير ذلك ، والله أكرم ، وأرحم ، وأعلم ، وأحكم .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195nindex.php?page=treesubj&link=28974_29674_19736فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى عَطَفَ اسْتِجَابَتَهُ لَهُمْ بِفَاءِ السَّبَبِيَّةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ هُوَ الَّذِي أَهَّلَهُمْ لِقَبُولِ دُعَائِهِمْ ، قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ مَا مِثَالُهُ مَعَ زِيَادَةٍ فِي مَسْأَلَةِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ : اسْتَجَابَ دُعَاءَهُمْ لِصِدْقِهِمْ فِي الْإِيمَانِ ، وَالذِّكْرِ ، وَالْفِكْرِ ، وَالتَّقْدِيسِ ، وَالتَّنْزِيهِ ، وَالْوُصُولِ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَيَاةِ الْآخِرَةِ ، وَصِدْقِ الرُّسُلِ ، وَإِيمَانِهِمْ بِهِمْ ، وَشُعُورِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ بِأَنَّهُمْ ضُعَفَاءُ مُقَصِّرُونَ فِي الشُّكْرِ لِلَّهِ ، مُحْتَاجُونَ مَغْفِرَتَهُ لَهُمْ ، وَفَضْلَهُ عَلَيْهِمْ وَإِحْسَانَهُ بِهِمْ بِإِيتَائِهِمْ مَا وَعَدَهُمْ ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الِاسْتِجَابَةَ لَمْ تَكُنْ بِعَيْنِ مَا طَلَبُوا كَمَا طَلَبُوا ; وَلِذَلِكَ صَوَّرَهَا وَبَيَّنَ كَيْفِيَّتَهَا ، وَهَذَا التَّصْوِيرُ لِحِكْمَةٍ عَالِيَةٍ ، وَهِيَ أَنَّ الِاسْتِجَابَةَ لَيْسَتْ إِلَّا تَوْفِيَةَ كُلِّ عَامِلٍ جَزَاءَ عَمَلِهِ لِيُنَبِّهَهُمْ بِذِكْرِ الْعَمَلِ ، وَالْعَامِلِ إِلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30513_18692_30416الْعِبْرَةَ فِي النَّجَاةِ مِنَ الْعَذَابِ ، وَالْفَوْزِ بِحُسْنِ الثَّوَابِ إِنَّمَا هِيَ بِإِحْسَانِ الْعَمَلِ ، وَالْإِخْلَاصِ فِيهِ ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ تَغُشُّهُ نَفْسُهُ ، فَيَظُنُّ أَنَّهُ مُحْسِنٌ ، وَهُوَ لَيْسَ بِمُحْسِنٍ ، وَأَنَّهُ مُخْلِصٌ ، وَمَا هُوَ بِمُخْلِصٍ ، وَأَنَّ حَوْلَهُ وَقُوَّتَهُ قَدْ فَنِيَا فِي حَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ ، وَأَنَّهُ لَا يُرِيدُ إِلَّا وَجْهَهُ - تَعَالَى - فِي كُلِّ حَرَكَةٍ وَسُكُونٍ ، وَيَكُونُ فِي الْوَاقِعِ وَنَفْسِ الْأَمْرِ مَغْرُورًا مُرَائِيًا . وَذَكَرَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30483الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مُتَسَاوِيَانِ عِنْدَ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي الْجَزَاءِ مَتَى تَسَاوَيَا فِي الْعَمَلِ حَتَّى لَا يَغْتَرَّ الرَّجُلُ بِقُوَّتِهِ ، وَرِيَاسَتِهِ عَلَى الْمَرْأَةِ ، فَيَظُنَّ أَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى اللَّهِ مِنْهَا ، وَلَا تُسِيءَ الْمَرْأَةُ الظَّنَّ بِنَفْسِهَا فَتَتَوَهَّمَ أَنَّ جَعْلَ الرَّجُلِ رَئِيسًا عَلَيْهَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ أَرْفَعَ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ - تَعَالَى - مِنْهَا . وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ - تَعَالَى - عِلَّةَ هَذِهِ الْمُسَاوَاةِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ nindex.php?page=treesubj&link=30483_31808فَالرَّجُلُ مَوْلُودٌ مِنَ الْمَرْأَةِ ، وَالْمَرْأَةُ مَوْلُودَةٌ مِنَ الرَّجُلِ ، فَلَا فَرْقَ فِي الْبَشَرِيَّةِ ، وَلَا تَفَاضُلَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْأَعْمَالِ ، أَيْ وَمَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَعْمَالُ ، وَيَتَرَتَّبُ هُوَ عَلَيْهَا مِنَ الْعُلُومِ وَالْأَخْلَاقِ .
أَقُولُ : وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ ، وَهُوَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صِنْوٌ وَزَوْجٌ وَشَقِيقٌ لِلْآخَرِ ، وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ حَدِيثُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=919011النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ قَالُوا : أَيْ مِثْلُهُمْ فِي الطِّبَاعِ ، وَالْأَخْلَاقِ كَأَنَّهُنَّ مُشْتَقَّاتٌ مِنْهُمْ ، أَوْ لِأَنَّهُنَّ مَعَهُمْ مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ . وَوَجْهٌ ثَالِثٌ : أَنَّهُ بِمَعْنَى حَدِيثِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003176سَلْمَانُ مِنَّا وَحَدِيثِ
[ ص: 251 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=918919لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ فَمَعْنَى " مِنَّا " عَلَى طَرِيقَتِنَا ، وَمَا نَحْنُ عَلَيْهِ لَا فَرْقَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ . وَهَذِهِ الْآيَةُ تَرْفَعُ قَدْرَ النِّسَاءِ الْمُسْلِمَاتِ فِي أَنْفُسِهِنَّ ، وَعِنْدَ الرِّجَالِ الْمُسْلِمِينَ . وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ جَمِيعَ الْأُمَمِ كَانَتْ تَهْضِمُ حَقَّ الْمَرْأَةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ، وَتَعُدُّهَا كَالْبَهِيمَةِ الْمُسَخَّرَةِ لِمَصْلَحَةِ الرَّجُلِ وَشَهْوَتِهِ ، وَعَلِمَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30483_29468بَعْضَ الْأَدْيَانِ فَضَّلَتِ الرَّجُلَ عَلَى الْمَرْأَةِ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ ذَكَرًا وَكَوْنِهَا أُنْثَى ، وَبَعْضُ النَّاسِ عَدَّ الْمَرْأَةَ غَيْرَ أَهْلٍ لِلتَّكَالِيفِ الدِّينِيَّةِ ، وَزَعَمُوا أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا رُوحٌ خَالِدَةٌ - مَنْ عَلِمَ هَذَا قَدَّرَ هَذَا الْإِصْلَاحَ الْإِسْلَامِيَّ لِعَقَائِدِ الْأُمَمِ ، وَمُعَامَلَاتِهَا حَقَّ قَدْرِهِ ، وَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ مَا تَدَّعِيهِ الْإِفْرِنْجُ مِنَ السَّبْقِ إِلَى الِاعْتِرَافَاتِ بِكَرَامَةِ الْمَرْأَةِ ، وَمُسَاوَاتِهَا لِلرَّجُلِ بَاطِلٌ ، بَلِ الْإِسْلَامُ السَّابِقُ . وَأَنَّ شَرَائِعَهُمْ وَتَقَالِيدَهُمُ الدِّينِيَّةَ وَالْمَدَنِيَّةَ لَا تَزَالُ تُمَيِّزُ الرَّجُلَ عَلَى الْمَرْأَةِ . نَعَمْ ، إِنَّ لَهُمْ أَنْ يَحْتَجُّوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالتَّقْصِيرِ فِي تَعْلِيمِ النِّسَاءِ ، وَتَرْبِيَتِهِنَّ ، وَجَعْلِهِنَّ عَارِفَاتٍ بِمَا لَهُنَّ ، وَمَا عَلَيْهِنَّ ، وَنَحْنُ نَعْتَرِفُ بِأَنَّنَا مُقَصِّرُونَ تَارِكُونَ لِهِدَايَةِ دِينِنَا ، صِرْنَا حُجَّةً عَلَيْهِ عِنْدَ الْأَجَانِبِ ، وَفِتْنَةً لَهُمْ ، وَأَمَّا مَا يَفْضُلُ بِهِ الرِّجَالُ النِّسَاءَ فِي الْجُمْلَةِ مِنَ الْعِلْمِ ، وَالْعَقْلِ ، وَمَا يَقُومُونَ بِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الدُّنْيَوِيَّةِ الَّذِي رُبَّمَا كَانَ سَبَبُهُ مَا جَرَى عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ أَحْوَالِ الِاجْتِمَاعِ ، وَكَذَا جُعِلَ حَظُّ الرَّجُلِ فِي الْإِرْثِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، لِأَنَّهُ يَتَحَمَّلُ نَفَقَتَهَا ، وَيُكَلَّفُ مَا لَا تُكَلَّفُهُ ، فَلَا دَخْلَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي التَّفَاضُلِ عِنْدَ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ ، وَالْكَرَامَةِ وَضِدِّهَا ، بَلْ سَوَّى اللَّهُ - تَعَالَى - بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ حَتَّى فِي الْحُقُوقِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ إِلَّا مَسْأَلَةَ الْقِيَامِ وَالرِّيَاسَةِ ، فَجَعَلَ لِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةً كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [ ص299 وَمَا بَعْدَهَا ج 2 ط الْهَيْئَةِ الْعَامَّةِ لِلْكِتَابِ ] .
الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : لَمْ يَكْتَفِ بِرَبْطِ الْجَزَاءِ بِالْعَمَلِ حَتَّى بَيَّنَ أَنَّ الْعَمَلَ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّونَ بِهِ مَا طَلَبُوا مِنْ تَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ وَدُخُولِ الْجَنَّةِ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ ذَكَرَ الْإِخْرَاجَ مِنَ الدِّيَارِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ مِنْ بَابِ التَّفْصِيلِ بَعْدَ الْإِجْمَالِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=29468_31104_30483فَالْهِجْرَةُ إِنَّمَا كَانَتْ وَتَكُونُ بِالْإِخْرَاجِ مِنَ الدِّيَارِ ، وَتَسْتَتْبِعُ مَا ذُكِرَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا مِنَ الْإِيذَاءِ وَالْقِتَالِ ، وَقُرِئَ ( وَقُتِّلُوا ) بِتَشْدِيدِ التَّاءِ لِلْمُبَالَغَةِ ، فَمَنْ لَمْ يَحْتَمِلِ الْقَتْلَ بَلْ وَالتَّقْتِيلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَيَبْذُلْ مُهْجَتَهُ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَلَا يَطْمَعَنَّ بِهَذِهِ الْمَثُوبَةِ الْمُؤَكَّدَةِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمِثْلُ هَذِهِ الْآيَاتِ الْكَبِيرَةِ الْوَادِرَةِ فِي صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا [ 49 : 15 ] إلخ . وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=2إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [ 8 : 2 ] إلخ ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=1قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=2الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [ 23 : 1 ، 2 ] الْآيَاتِ ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=63وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا [ 25 : 63 ] الْآيَاتِ ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=19إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا [ 70 : 19 ] الْآيَاتِ ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=1وَالْعَصْرِ [ 103 : 1 ] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ .
قَالَ : هَكَذَا يَذْكُرُ اللَّهُ - تَعَالَى - صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ لِيُنَبِّهَنَا إِلَى أَنْ نَرْجِعَ إِلَى أَنْفُسِنَا وَنَمْتَحِنَهَا
[ ص: 252 ] بِهَذِهِ الْأَعْمَالِ وَالصِّفَاتِ ، فَإِنْ رَأَيْنَاهَا تَحْتَمِلُ الْإِيذَاءَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى الْقَتْلَ فَلْنُبَشِّرْهَا بِالصِّدْقِ مِنْهَا ، وَالرِّضْوَانِ مِنْهُ - تَعَالَى - ، وَإِلَّا فَعَلَيْنَا أَنْ نَسْعَى لِتَحْصِيلِ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ الَّتِي لَا يُنْجِي عِنْدَهُ غَيْرُهَا . وَإِنَّمَا كَلَّفَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ الْمُوقِنِينَ الْمُخْلِصِينَ هَذَا التَّكْلِيفَ الشَّاقَّ لِأَنَّ قِيَامَ الْحَقِّ مُرْتَبِطٌ بِهِ ، وَإِنَّمَا سَعَادَتُهُمْ - مِنْ حَيْثُ هُمْ مُؤْمِنُونَ - بِقِيَامِ الْحَقِّ وَتَأْيِيدِهِ ، وَالْحَقُّ فِي كُلِّ زَمَانٍ ، وَمَكَانٍ مُحْتَاجٌ إِلَى أَهْلِهِ لِيَنْصُرُوهُ عَلَى أَهْلِ الْبَاطِلِ الَّذِينَ يُقَاوِمُونَهُ .
nindex.php?page=treesubj&link=32025وَالْحَقُّ وَالْبَاطِلُ يَتَصَارَعَانِ دَائِمًا ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا حِزْبٌ يَنْصُرُهُ ، فَيَجِبُ عَلَى أَنْصَارِ الْحَقِّ أَلَّا يَفْشَلُوا وَلَا يَنْهَزِمُوا ، بَلْ عَلَيْهِمْ أَنْ يَثْبُتُوا ، وَيَصْبِرُوا ، حَتَّى تَكُونَ كَلِمَتُهُ الْعُلْيَا ، وَكَلِمَةُ الْبَاطِلِ هِيَ السُّفْلَى . ( قَالَ ) : وَانْظُرْ إِلَى حَالِ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمَ تَجِدُهُمْ يَتَعَلَّلُونَ بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ نَزَلَتْ فِي أُنَاسٍ مَخْصُوصِينَ ، كَأَنَّهُمْ يَتَرَقَّبُونَ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُمْ ، وَيُعْطِيَهُمْ مَا وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُومُوا بِعَمَلٍ مِمَّا أَمَرَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَلَا أَنْ يَتَّصِفُوا بِوَصْفٍ مِمَّا وَصَفَهُمْ بِهِ مِنْ حَيْثُ هُمْ مُؤْمِنُونَ ، وَمَا عَلَّقَ عَلَيْهِ وَعْدَهُ بِمَثُوبَتِهِمْ ، بَلْ وَإِنِ اتَّصَفُوا بِضِدِّهِ وَهُوَ مَا تَوَعَّدَ عَلَيْهِ بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ ، وَهَذَا مُنْتَهَى الْغُرُورِ .
وَأَقُولُ : إِنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ تَجْتَمِعُ وَتَفْتَرِقُ ، فَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَنْ تَرَكَ وَطَنَهُ مُخْتَارًا ، وَلَمْ يُخْرَجْ مِنْهُ إِخْرَاجًا ، بَلْ مِنَ الصَّحَابَةِ مَنْ هَاجَرَ مُسْتَخْفِيًا لِئَلَّا يَمْنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ . وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ : إِنَّهُمْ إِذَا لَمْ يَكُونُوا أَمَرُوهُمْ بِالْهِجْرَةِ أَمْرًا ، وَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ قَسْرًا ، فَإِنَّهُمْ قَدْ ضَيَّقُوا عَلَيْهِمُ الْمَسَالِكَ حَتَّى أَلْجَئُوهُمْ إِلَى ذَلِكَ . وَمِنْهُمْ مَنْ أُوذِيَ وَلَمْ يُخْرِجْهُ الْمُشْرِكُونَ ، وَلَا مَكَّنُوهُ مِنَ الْخُرُوجِ . وَرَاجِعْ بَعْضَ الْكَلَامِ فِي إِيذَاءِ مُشْرِكِي
مَكَّةَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي ص254 وَمَا بَعْدَهَا ح2 [ ط الْهَيْئَةِ الْمِصْرِيَّةِ الْعَامَّةِ لِلْكِتَابِ ] وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ
nindex.php?page=hadith&LINKID=919012الْهِجْرَةَ دَائِمَةٌ لَا تَنْقَطِعُ حَتَّى تُمْنَعَ التَّوْبَةُ أَيْ إِلَى قُبَيْلِ قِيَامِ السَّاعَةِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا فَقَدْ قَرَأَهُ
حَمْزَةُ بِعَكْسِ التَّرْتِيبِ فِي اللَّفْظِ " وَقُتِلُوا وَقَاتَلُوا " ، وَقَالُوا فِيهِ : إِنَّ الْوَاوَ لَا تُفِيدُ تَرْتِيبًا ، وَلِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا هُمُ الْبَادِئِينَ ، فَلَمَّا قُتِلَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أُنَاسٌ قَاتَلُوا الْكُفَّارَ . وَشَدَّدَ
ابْنُ كَثِيرٍ ،
وَابْنُ عَامِرٍ تَاءَ " قُتِّلُوا " لِلْمُبَالَغَةِ كَمَا جَاءَ فِي كَلَامِ الْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ ، وَقَدْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقْتُلُونَ كُلَّ مَنْ قَدَرُوا عَلَى قَتْلِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَنْ يَمْنَعُهُ مِنْ قَرِيبٍ وَوَلِيٍّ . وَقَدْ رَاجَعْتُ بَعْدَ كِتَابَةِ مَا تَقَدَّمَ تَفْسِيرَ
nindex.php?page=showalam&ids=16785الْفَخْرِ الرَّازِيِّ فَإِذَا هُوَ يَقُولُ : وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195فَالَّذِينَ هَاجَرُوا الَّذِينَ اخْتَارُوا الْمُهَاجَرَةَ مِنْ أَوْطَانِهِمْ فِي خِدْمَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَالْمُرَادُ مِنَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمُ الَّذِينَ أَلْجَأَهُمُ الْكُفَّارُ إِلَى الْخُرُوجِ . وَلَا شَكَّ أَنْ رُتْبَةَ الْأَوَّلِينَ أَفْضَلُ ; لِأَنَّهُمُ اخْتَارُوا خِدْمَةَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُلَازَمَتَهُ عَلَى الِاخْتِيَارِ ، فَكَانُوا أَفْضَلَ . وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي أَيْ مِنْ أَجْلِهِ وَسَبَبِهِ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لِأَنَّ الْمُقَاتَلَةَ تَكُونُ قَبْلَ الْقِتَالِ . قَرَأَ
نَافِعٌ وَعَاصِمٌ [ ص: 253 ] وَأَبُو عَمْرٍو : " وَقَاتَلُوا " بِالْأَلِفِ أَوَّلًا " وَقُتِلُوا " مُخَفَّفَةً ، وَالْمَعْنَى : أَنَّهُمْ قَاتَلُوا مَعَهُ حَتَّى قُتِلُوا .
وَقَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ ،
وَابْنُ عَامِرٍ ( وَقَاتَلُوا ) أَوَّلًا ( وَقُتِّلُوا ) مُشَدَّدَةً ، قِيلَ : التَّشْدِيدُ لِلْمُبَالَغَةِ وَتَكَرُّرِ الْقَتْلِ فِيهِمْ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=50مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ [ 38 : 50 ] وَقِيلَ : قُطِّعُوا ، عَنِ
الْحَسَنِ .
وَقَرَأَ
حَمْزَةُ ، و
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيُّ ( وَقُتِلُوا ) بِغَيْرِ أَلِفٍ أَوَّلًا ، ( وَقَاتَلُوا ) بِالْأَلِفِ بَعْدَهُ ، وَفِيهِ وُجُوهٌ : الْأَوَّلُ أَنَّ الْوَاوَ لَا تُوجِبُ التَّرْتِيبَ كَمَا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=43وَاسْجُدِي وَارْكَعِي [ 3 : 43 ] وَالثَّانِي عَلَى قَوْلِهِمْ : قُلْنَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ . إِذَا ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ الْقَتْلِ أَوْ إِذَا قَتَلَ قَوْمَهُ وَعَشَائِرَهُ ، وَالثَّالِثُ بِإِضْمَارِ قَدْ ، أَيْ قُتِلُوا وَقَدْ قَاتَلُوا اهـ .
وَأَقُولُ : إِنَّ كَلِمَةَ وَقَاتَلُوا رُسِمَتْ فِي الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ بِغَيْرِ أَلِفٍ كَكَلِمَةِ وَقُتِلُوا
وَالرَّازِيُّ لَا يَعْنِي بِقَوْلِهِ قَرَأَ
نَافِعٌ . . . " قَاتَلُوا " بِالْأَلِفِ : إِنَّ الْكَلِمَةَ رُسِمَتْ أَوْ تُرْسَمُ بِالْأَلِفِ فِي الْمُصْحَفِ ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلتَّوْضِيحِ ، يَعْنِي قَرَءُوا بِالْفِعْلِ الْمُشْتَقِّ مِنَ الْمُقَاتَلَةِ ; وَالْحِكْمَةُ فِي اخْتِلَافِ الْقِرَاءَاتِ هُنَا إِفَادَةُ الْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةِ بِاخْتِلَافِهَا ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ .
أَمَّا قَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَعْنَاهُ لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأُدْخِلَنَّهُمُ الْجَنَّاتِ ، أُثِيبُهُمْ بِذَلِكَ ثَوَابًا مِنَ النَّوْعِ الْعَالِي الْكَرِيمِ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ . وَالثَّوَابُ : اسْمٌ مِنْ مَادَّةِ ثَابَ يَثُوبُ ثَوْبًا أَيْ رَجَعَ ، يُقَالُ : تَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ ، ثُمَّ ثَابُوا إِلَيْهِ ، وَفِي الْمَجَازِ ثَابَ إِلَيْهِ عَقْلُهُ وَحِلْمُهُ إِذَا كَانَ خَرَجَ عَنْ مُقْتَضَى الْعَقْلِ ، وَالْحِلْمِ بِنَحْوِ غَضَبٍ شَدِيدٍ ثُمَّ سَكَتَ عَنْهُ غَضَبُهُ ، وَمِنْهُ جَعْلُ
الْبَيْتِ الْحَرَامِ مَثَابَةً لِلنَّاسِ ، فَإِنَّهُمْ يَعُودُونَ إِلَيْهِ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ ; وَلِذَلِكَ قَالَ
الرَّاغِبُ :
nindex.php?page=treesubj&link=29468_30531الثَّوَابُ مَا يَرْجِعُ إِلَى الْإِنْسَانِ مِنْ جَزَاءِ أَعْمَالِهِ ، فَيُسَمَّى الْجَزَاءُ ثَوَابًا تَصَوُّرًا أَنَّهُ هُوَ هُوَ ، أَلَا تَرَى كَيْفَ جَعَلَ اللَّهُ - تَعَالَى - الْجَزَاءَ نَفْسَ الْفِعْلِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ [ 99 : 7 ] وَلَمْ يَقُلْ جَزَاءَهُ . وَالثَّوَابُ يُقَالُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ، لَكِنَّ الْأَكْثَرَ الْمُتَعَارَفَ فِي الْخَيْرِ ، وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ انْتَهَى الْمُرَادُ .
وَأَقُولُ : إِنَّ لَفْظَ الثَّوَابِ وَالْمَثُوبَةِ حَيْثُ وَقَعَ ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ ذِكْرِ الْجَزَاءِ بِالْعِبَارَاتِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَيَّنَ الْعَمَلَ ، كُلُّ ذَلِكَ يُؤَيِّدُ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي أَخَذْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا إِيضَاحَهَا ، وَإِثْبَاتَهَا ، وَكَرَّرْنَا الْقَوْلَ فِيهَا بِعِبَارَاتٍ ، وَأَسَالِيبَ كَثِيرَةٍ ، وَهِيَ أَنَّ الْجَزَاءَ أَثَرٌ طَبِيعِيٌّ لِلْعَمَلِ ، أَيْ إِنَّ لِلْأَعْمَالِ تَأْثِيرًا فِي نَفْسِ الْعَامِلِ تُزَكِّيهَا فَتَكُونُ بِهَا مُنَعَّمَةً فِي الْآخِرَةِ ، أَوْ تُدَسِّيهَا فَتَكُونُ مُعَذَّبَةً فِيهَا بِحَسَبِ سُنَّةِ اللَّهِ - تَعَالَى - ، فَكَأَنَّ الْأَعْمَالَ نَفْسَهَا تَثُوبُ وَتَعُودُ ، وَلَيْسَ - أَيِ الْجَزَاءُ - أَمْرًا وَضِيعًا كَجَزَاءِ الْحُكَّامِ بِحَسَبِ قَوَانِينِهِمْ ، وَشَرَائِعِهِمْ . وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى بَعْضُ الْمُدَقِّقِينَ مِنَ الْعُلَمَاءِ - لَاسِيَّمَا
الصُّوفِيَّةُ -
nindex.php?page=showalam&ids=14847كَالْغَزَالِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=12816وَمُحْيِي الدِّينِ بْنِ عَرَبِيٍّ ، وَإِذَا فَقِهَ النَّاسُ هَذَا الْمَعْنَى زَالَ غُرُورُهُمْ ، وَلَمْ يَعْتَمِدُوا فِي أَمْرِ مَا يَرْجُونَ مِنْ نَعِيمِ الْآخِرَةِ وَيَخْشَوْنَ مِنْ عَذَابِهَا إِلَّا عَلَى
[ ص: 254 ] مَا أَرْشَدَهُمْ إِلَيْهِ كِتَابُ اللَّهِ - تَعَالَى - مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ دُونَ أَشْخَاصِ الصَّالِحِينَ ، وَتَسْمِيَةِ أَنْفُسِهِمْ " مَحَاسِيبَ عَلَيْهِمْ " ، وَدُعَائِهِمْ ، وَالِاسْتِغَاثَةِ بِهِمْ .
وَقَالَ الْإِمَامُ
الرَّازِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنَ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْآيَةِ : " فِي الْآيَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30495_30514_29468_30531_19767اسْتِجَابَةَ الدُّعَاءِ مَشْرُوطَةٌ بِهَذِهِ الْأُمُورِ ( أَيِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ مَعَ الْمُهَاجَرَةِ ، وَاحْتِمَالِ الْإِخْرَاجِ مِنَ الْوَطَنِ ، وَالْإِيذَاءِ فِي سَبِيلِ الْحَقِّ ، وَالْخَيْرِ ، وَالْقَتْلِ وَالْقِتَالِ فِيهِ ) فَلَمَّا كَانَ حُصُولُ هَذَا الشَّرْطِ عَزِيزًا كَانَ الشَّخْصُ الْمُجَابُ الدُّعَاءِ عَزِيزًا " .
وَقَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ : اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَضِيعُ نَفْسُ الْعَمَلِ ; لِأَنَّ الْعَمَلَ كُلَّمَا وُجِدَ تَلَاشَى وَفَنِيَ ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَضِيعُ ثَوَابُ الْعَمَلِ ، وَالْإِضَاعَةُ عِبَارَةٌ عَنْ تَرْكِ الْإِثَابَةِ ، فَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195لَا أُضِيعُ نَفْيٌ لِلنَّفْيِ فَيَكُونُ إِثْبَاتًا ، فَيَصِيرُ الْمَعْنَى : إِنِّي أُوصِلُ ثَوَابَ جَمِيعِ أَعْمَالِكُمْ إِلَيْكُمْ ، إِذَا ثَبَتَ مَا قُلْنَا فَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=30444أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَبْقَى فِي النَّارِ مُخَلَّدًا ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ بِإِيمَانِهِ اسْتَحَقَّ ثَوَابًا ، وَبِمَعْصِيَتِهِ اسْتَحَقَّ عِقَابًا ، فَلَا بُدَّ مِنْ وُصُولِهِمَا إِلَيْهِ بِحُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَالٌ . فَإِمَّا أَنْ يُقَدِّمَ الثَّوَابَ ثُمَّ يَنْقُلَهُ إِلَى الْعِقَابِ ، وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ ، أَوْ يُقَدِّمَ الْعِقَابَ ، ثُمَّ يَنْقُلَهُ إِلَى الثَّوَابِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ اهـ . وَفِي قَوْلِهِ : إِنَّ الْعَمَلَ تَلَاشَى وَفَنِيَ مَا عَلِمْتُ مِنْ قَاعِدَتِنَا الَّتِي نَبَّهْنَا عَلَيْهَا آنِفًا ، فَنَقُولُ : إِنَّ حَرَكَةَ الْأَعْضَاءِ بِهِ فَنِيَتْ ، وَلَكِنَّ صُورَتَهُ فِي النَّفْسِ بَقِيَتْ ، فَكَانَتْ مَنْشَأَ الْجَزَاءِ ، وَأَوْرَدَ
الرَّازِيُّ نَفْسُهُ وَجْهًا آخَرَ فِي عَدَمِ إِضَاعَةِ الْعَمَلِ ، وَهُوَ عَدَمُ إِضَاعَةِ الدُّعَاءِ ، وَقَالَ بَعْدَ مَبَاحِثَ : ثُمَّ إِنَّهُ - تَعَالَى - وَعَدَ مَنْ فَعَلَ هَذَا بِأُمُورٍ ثَلَاثَةٍ :
أَوَّلُهَا : مَحْوُ السَّيِّئَاتِ ، وَغُفْرَانُ الذُّنُوبِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي طَلَبُوهُ بِقَوْلِهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=193فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا .
وَثَانِيهِمَا : إِعْطَاءُ الثَّوَابِ الْعَظِيمِ وَهُوَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَهُوَ الَّذِي طَلَبُوهُ بِقَوْلِهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=194وَآتِنًا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ .
وَثَالِثُهَا : أَنْ يَكُونَ هَذَا الثَّوَابُ ثَوَابًا عَظِيمًا مَقْرُونًا بِالتَّعْظِيمِ ، وَالْإِجْلَالِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=198مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَهُوَ الَّذِي قَالُوهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=194وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ; لِأَنَّهُ - سُبْحَانَهُ - هُوَ الْعَظِيمُ الَّذِي لَا نِهَايَةَ لِعَظَمَتِهِ ، وَإِذَا قَالَ السُّلْطَانُ الْعَظِيمُ لِعَبْدِهِ : إِنِّي أَخْلَعُ عَلَيْكَ خِلْعَةً مِنْ عِنْدِي دَلَّ ذَلِكَ عَلَى كَوْنِ تِلْكَ الْخِلْعَةِ فِي نِهَايَةِ الشَّرَفِ اهـ . وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ عَدَمَ الْخِزْيِ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَهُ فِي النَّعِيمِ الرُّوحَانِيِّ ، وَكَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَهُ هُنَا ، وَمَا قَرَّرَهُ فِي الِاسْتِجَابَةِ مِنْ أَنَّهَا بِعَيْنِ مَا طَلَبُوا مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ وَقَدْ رَأَيْتَهُ .
ثُمَّ قَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ .
[ ص: 255 ] قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ كَغَيْرِهِ : إِنَّ هَذَا تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ كَوْنِ الثَّوَابِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، لِيُبَيِّنَ أَنَّ هَذَا الْجَزَاءَ بِمَحْضِ الْفَضْلِ ، وَالْكَرَمِ الْإِلَهِيِّ ، وَأَنَّهُ يَقَعُ بِإِرَادَتِهِ ، وَاخْتِيَارِهِ - تَعَالَى - ، وَإِنْ كَانَ جَزَاءً عَلَى عَمَلٍ .
وَأَقُولُ : إِنَّ كَوْنَ الْجَزَاءِ بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ لَا يُنَافِي مَا قُلْنَاهُ فِي مَعْنَى الْجَزَاءِ وَالثَّوَابِ ; لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29703كُلَّ مَا يُصِيبُ الْعِبَادَ مِنْ خَيْرٍ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ مِنْ فَضْلِهِ - تَعَالَى - وَرَحْمَتِهِ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ جَعَلَ لَهُ أَسْبَابًا هُوَ أَثَرٌ طَبِيعِيٌّ لَهَا كَالْمَطَرِ ، وَالنَّبَاتِ ، وَالصِّحَّةِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَاللَّهُ أَكْرَمُ ، وَأَرْحَمُ ، وَأَعْلَمُ ، وَأَحْكَمُ .