ثم بين - تعالى - في مقابلة ذلك مأوى المؤمنين ليعلموا أنهم في القسمة غير مغبونين ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=198nindex.php?page=treesubj&link=28974_29680_30531_29468لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله قالوا : إن النزل ما يهيأ للضيف النازل ، وقيل : أول ما يهيأ به ، وخصه
الراغب بالزاد . قال
الفراء : نصب نزلا على التفسير كما تقول : هو لك هبة وبيعا وصدقة . وإذا كانت الجنات نزلا - وهي النعيم الجسماني - فلا جرم أن يكون النعيم الروحاني برضوان الله الأكبر أعظم من الجنة ، ونعيما أضعافا مضاعفة ، وقد وعدهم هذا الجزاء على التقوى التي يتضمن معناها ترك المعاصي ، وفعل الطاعات ، ثم أشار إلى أن
nindex.php?page=treesubj&link=30404النعيم الروحاني يكون بمحض الفضل ، والإحسان للأبرار ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=198وما عند الله من الكرامة الزائدة على هذا النزل الذي هو بعض ما عنده
[ ص: 258 ] وأول ما يقدمه لعباده المتقين
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=198خير للأبرار وأفضل مما يتقلب فيه الذين كفروا من متاع فان ، بل ومما يحظى به المتقون من نزل الجنان . وهذا الذي قلناه أولى من القول بأن ما عند الله للأبرار هو عين ذلك النزل الذي قال إنه من عنده ; لأن نكتة وضع المظهر وهو قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=198وما عند الله موضع المضمر الذي كان ينبغي أن يعبر به - لو كان هذا عين ذاك - تظهر على هذا ظهورا لا تكلف فيه ، وبه ينجلي الفرق بين الذين اتقوا ، وبين الأبرار ، فإن الأبرار جمع بار أو بر ، وهو المتصف بالبر الذي بينه الله - تعالى - في سورة البقرة بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر [ 2 : 177 ] إلخ . وقد أشرنا إليه في آيات الدعاء القريبة [ راجعه ثانية في ص89 ج 2 تفسير - ط الهيئة المصرية العامة للكتاب ] فشرح البر بما ذكر في تلك الآية يؤيدها ما ذكره
الراغب من أنه مشتق من البر - بالفتح - المقابل للبحر ، وأنه يفيد التوسع في فعل الخير ، فهو إذا أدل على الكمال من التقوى التي هي عبارة عن ترك أسباب السخط ، والعقوبة ، وتحصل بترك المحرمات ، وفعل الفرائض من غير توسع في نوافل الخيرات ، وذكر جزاء المؤمنين بقسميهم - الذين اتقوا ، والأبرار - بلفظ الاستدراك للتنصيص على ما ذكرنا من المقابلة بينهم وبين الذين كفروا كما قلنا .
ثُمَّ بَيَّنَ - تَعَالَى - فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ مَأْوَى الْمُؤْمِنِينَ لِيَعْلَمُوا أَنَّهُمْ فِي الْقِسْمَةِ غَيْرُ مَغْبُونِينَ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=198nindex.php?page=treesubj&link=28974_29680_30531_29468لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ قَالُوا : إِنَّ النُّزُلَ مَا يُهَيَّأُ لِلضَّيْفِ النَّازِلِ ، وَقِيلَ : أَوَّلُ مَا يُهَيَّأُ بِهِ ، وَخَصَّهُ
الرَّاغِبُ بِالزَّادِ . قَالَ
الْفَرَّاءُ : نُصِبَ نُزُلًا عَلَى التَّفْسِيرِ كَمَا تَقُولُ : هُوَ لَكَ هِبَةً وَبَيْعًا وَصَدَقَةً . وَإِذَا كَانَتِ الْجَنَّاتُ نُزُلًا - وَهِيَ النَّعِيمُ الْجُسْمَانِيُّ - فَلَا جَرَمَ أَنْ يَكُونَ النَّعِيمُ الرُّوحَانِيُّ بِرِضْوَانِ اللَّهِ الْأَكْبَرِ أَعْظَمَ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَنَعِيمًا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ، وَقَدْ وَعَدَهُمْ هَذَا الْجَزَاءَ عَلَى التَّقْوَى الَّتِي يَتَضَمَّنُ مَعْنَاهَا تَرْكَ الْمَعَاصِي ، وَفِعْلَ الطَّاعَاتِ ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30404النَّعِيمَ الرُّوحَانِيَّ يَكُونُ بِمَحْضِ الْفَضْلِ ، وَالْإِحْسَانِ لِلْأَبْرَارِ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=198وَمَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْكَرَامَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى هَذَا النُّزُلِ الَّذِي هُوَ بَعْضُ مَا عِنْدَهُ
[ ص: 258 ] وَأَوَّلُ مَا يُقَدِّمُهُ لِعِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=198خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ وَأَفْضَلُ مِمَّا يَتَقَلَّبُ فِيهِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَتَاعٍ فَانٍ ، بَلْ وَمِمَّا يَحْظَى بِهِ الْمُتَّقُونَ مِنْ نُزُلِ الْجِنَانِ . وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ أَوْلَى مِنَ الْقَوْلِ بِأَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ لِلْأَبْرَارِ هُوَ عَيْنُ ذَلِكَ النُّزُلِ الَّذِي قَالَ إِنَّهُ مِنْ عِنْدِهِ ; لِأَنَّ نُكْتَةَ وَضْعِ الْمُظْهَرِ وَهُوَ قَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=198وَمَا عِنْدَ اللَّهِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ الَّذِي كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَبَّرَ بِهِ - لَوْ كَانَ هَذَا عَيْنَ ذَاكَ - تَظْهَرُ عَلَى هَذَا ظُهُورًا لَا تَكَلُّفَ فِيهِ ، وَبِهِ يَنْجَلِي الْفَرْقُ بَيْنَ الَّذِينَ اتَّقَوْا ، وَبَيْنَ الْأَبْرَارِ ، فَإِنَّ الْأَبْرَارَ جَمْعُ بَارٍّ أَوْ بَرٍّ ، وَهُوَ الْمُتَّصِفُ بِالْبِرِّ الَّذِي بَيَّنَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177وَلَكِنَّ الْبِرَّ مِنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [ 2 : 177 ] إلخ . وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِي آيَاتِ الدُّعَاءِ الْقَرِيبَةِ [ رَاجِعْهُ ثَانِيَةً فِي ص89 ج 2 تَفْسِيرِ - ط الْهَيْئَةِ الْمِصْرِيَّةِ الْعَامَّةِ لِلْكِتَابِ ] فَشَرَحَ الْبِرَّ بِمَا ذَكَرَ فِي تِلْكَ الْآيَةِ يُؤَيِّدُهَا مَا ذَكَرَهُ
الرَّاغِبُ مِنْ أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْبَرِّ - بِالْفَتْحِ - الْمُقَابِلِ لِلْبَحْرِ ، وَأَنَّهُ يُفِيدُ التَّوَسُّعَ فِي فِعْلِ الْخَيْرِ ، فَهُوَ إذًا أَدَلُّ عَلَى الْكَمَالِ مِنَ التَّقْوَى الَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ تَرْكِ أَسْبَابِ السُّخْطِ ، وَالْعُقُوبَةِ ، وَتَحْصُلُ بِتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ ، وَفِعْلِ الْفَرَائِضِ مِنْ غَيْرِ تَوَسُّعٍ فِي نَوَافِلِ الْخَيْرَاتِ ، وَذَكَرَ جَزَاءَ الْمُؤْمِنِينَ بِقِسْمَيْهِمُ - الَّذِينَ اتَّقَوْا ، وَالْأَبْرَارِ - بِلَفْظِ الِاسْتِدْرَاكِ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْمُقَابَلَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَا قُلْنَا .