الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 217 ] فصل : في التلفيق ومعناه ضم الدم إلى الدم الذين بينهما طهر وقد ذكرنا أن الطهر في أثناء الحيضة طهر صحيح ، فإذا رأت يوما طهرا ويوما دما ، ولم يجاوز أكثر الحيض ، فإنها تضم الدم إلى الدم ، فيكون حيضا ، وما بينهما من النقاء طهر على ما قررناه .

                                                                                                                                            ولا فرق بين أن يكون زمن الدم أكثر من زمن الطهر أو مثله أو أقل منه مثل أن ترى يومين دما ويوما طهرا ، أو يومين طهرا ويوما دما ، أو أقل أو أكثر فإن جميع الدم حيض إذا تكرر ولم يجاوز لمدة أكثر الحيض ، فإن كان الدم أقل من يوم مثل أن ترى نصف يوم دما ونصفه طهرا ، أو ساعة وساعة فقال أصحابنا : هو كالأيام يضم الدم إلى الدم ، فيكون حيضا ، وما بينهما طهر ، إذا بلغ المجتمع منه أقل الحيض ، فإن لم يبلغ ذلك فهو دم فساد . وفيه وجه آخر ، لا يكون الدم حيضا ، إلا أن يتقدمه حيض صحيح متصل .

                                                                                                                                            وهذا كله مذهب الشافعي ، وله قول في النقاء بين الدمين أنه حيض وقد ذكرناه ، وذكرنا أيضا وجها لنا في أن النقاء متى كان أقل من يوم لم يكن طهرا . فعلى هذا متى نقص النقاء عن يوم كان الدم وما بينه حيضا كله ، فإن جاوز الدم أكثر الحيض ، بأن يكون بين طرفيه أكثر من خمسة عشر يوما ، مثل أن ترى يوما دما ويوما طهرا إلى ثمانية عشر يوما ، فهي مستحاضة لا تخلو من أن تكون معتادة ، أو مميزة ، أو لا عادة لها ولا تمييز ، أو يوجد في حقها الأمران .

                                                                                                                                            فإن كانت معتادة ، مثل أن يكون حيضها خمسة أيام في أول كل شهر ، فهذه تجلس أول يوم ترى الدم فيه في العادة ، وتغتسل عند انقطاعه ، وما بعد ذلك مبني على الروايتين في الطهر في أثناء الحيضة ; هل يمنع ما بعده أن يكون حيضا ، أو لا ؟ فإن قلنا يمنع ، فحيضها اليوم الأول خاصة وما بعده استحاضة ، وإن قلنا لا يمنع ، فحيضها اليوم الأول ، والثالث والخامس ، فيحصل لها من عادتها ثلاثة أيام والباقي استحاضة ، وفي وجه آخر أنه يلفق لها الخمسة من أيام الدم جميعها ، فتجلس السابع والتاسع .

                                                                                                                                            والصحيح الأول ; لأن هذين اليومين ليسا من عادتها فلا . تجلسهما كغير الملفقة . وإن كانت مميزة جلست زمان الدم الأسود من الأيام ، فكان حيضها وباقيه استحاضة ، وإن كانت مبتدأة جلست اليقين في ثلاثة أشهر ، من أول دم تراه ، أو في شهرين ، ثم تنتقل بعد ذلك إلى ستة أيام أو سبعة . وهل يلفق لها السبعة من خمسة عشر يوما ، أو تجلس أربعة أيام من سبعة أيام ؟ على وجهين ، كما قلنا فيمن عادتها سبعة أيام ، فإذا قلنا تجلس زمان الدم من سبعة ، جلست الأول والثالث والخامس والسابع . وإن أجلسناها ستة أيام سقط السابع . وإن قلنا تلفق لها ، زادت التاسع والحادي عشر إن قلنا تجلس ستة ، وإن جلست سبعة زادت الثالث عشر وهكذا الحكم في الناسية .

                                                                                                                                            وهذا أحد قولي الشافعي إلا أنه لا يلفق لها [ ص: 218 ] عدد أيامها في أحد الوجهين . وقال القاضي ، في المعتادة كما ذكرنا . وفي غيرها : ما عبر الخمسة عشر استحاضة وأيام الدم من الخمسة عشر حيض كلها إذا تكرر فإن كان يوما ويوما ، فلها ثمانية أيام حيض ، وسبعة طهر وإن كانت أنصافا فلها سبعة أيام ونصف حيض ومثلها طهر وهذا قول ابن بنت الشافعي ; لأن الطهر في اليوم السادس عشر يفصل بين الحيض وما بعده ، فإنها فيما بعده في حكم الطاهرات ، نأمرها بالصلاة والصيام .

                                                                                                                                            ولنا : أن الطهر لو ميز بعد الخامس عشر لميز قبله ، كتميز اللون ، والحكم فيما إذا كان أنصافا أو مختلفا ، يوما دما وأياما طهرا أو أياما طهرا وأياما دما ، كالحكم في الأيام الصحاح المتساوية ، إلا أنه إذا كان الجزء الذي ترى الدم فيه أولا أقل من أقل الحيض ففيه وجه أنه لا يكون حيضا حتى يسبقه دم متصل يصلح أن يكون حيضا .

                                                                                                                                            وإن قلنا الطهر يمنع ما بعده من كونه حيضا قبل التكرار ، وجاء في العادة ، فإنها تضم إلى الأول ما تكمل به أقل الحيض ; فإذا كانت ترى الدم يوما ويوما ، ضمت الثالث إلى الأول .

                                                                                                                                            فكان حيضا في المرة الأولى والثانية ، ثم تنتقل إلى ما تكرر في المرة الثالثة أو الرابعة ، على اختلاف الوجهين ، وإذا رأت أقل من أقل الحيض ، ثم طهرت ثلاثة عشر يوما ، ثم رأت دما مثل ذلك ، وقلنا أقل الطهر ثلاثة عشر يوما ، فهو دم فساد ; لأنه لا يصلح أن يكون حيضة واحدة لفصل أقل الطهر بينهما ، ولا حيضتين ; لنقصان كل واحد منهما عن أقل الحيض ، وإن قلنا أقل الطهر خمسة عشر ، ضممنا الأول إلى الثاني ، فكانا حيضة واحدة ، إذا بلغا بمجموعهما أقل الحيض ، وإن كان كل واحد من الدمين يبلغ أقل الحيض ، فهما حيضتان ، إن قلنا : أقل الطهر ثلاثة عشر وإن قلنا أقله خمسة عشر ، ضممنا الثاني إلى الأول فكانا حيضا واحدا ، إذا لم يكن بين طرفيهما أكثر من خمسة عشر يوما ، فإن كان بين طرفيهما خمسة عشر يوما لم يكن جعلهما جميعا حيضا فيجعل أحدهما حيضا والآخر استحاضة وعلى هذا فقس

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية