الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ المسألة الثانية ]

[ ذوات الحافر الإنسية ]

وأما المسألة الثانية : وهي اختلافهم في ذوات الحافر الإنسي ( أعني : الخيل والبغال والحمير ) : فإن جمهور العلماء على تحريم لحوم الحمر الإنسية ، إلا ما روي عن ابن عباس وعائشة أنهما كانا يبيحانها ، وعن مالك أنه كان يكرهها ، ورواية ثانية مثل قول الجمهور .

وكذلك الجمهور على تحريم البغال . وقوم كرهوها ولم يحرموها ، وهو مروي عن مالك .

وأما الخيل : فذهب مالك ، وأبو حنيفة وجماعة إلى أنها محرمة . وذهب الشافعي ، وأبو يوسف ، ومحمد وجماعة إلى إباحتها .

والسبب في اختلافهم في الحمر الإنسية : معارضة الآية المذكورة للأحاديث الثابتة في ذلك من حديث [ ص: 387 ] جابر وغيره قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية ، وأذن في لحوم الخيل " .

فمن جمع بين الآية وهذا الحديث حملها على الكراهية . ومن رأى النسخ قال بتحريم الحمر ، أو قال بالزيادة دون أن يوجب عنده نسخا . وقد احتج من لم ير تحريمها بما روي عن أبي إسحاق الشيباني عن ابن أبي أوفى قال : " أصبنا حمرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر وطبخناها ، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أكفئوا القدور بما فيها " . قال ابن إسحاق : فذكرت ذلك لسعيد بن جبير فقال : إنما نهى عنها لأنها كانت تأكل الجلة .

وأما اختلافهم في البغال : فسببه معارضة دليل الخطاب في قوله تعالى : ( والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ) . وقوله مع ذلك من الأنعام ( لتركبوا منها ومنها تأكلون ) للآية الحاصرة للمحرمات ، لأنه يدل مفهوم الخطاب فيها أن المباح في البغال إنما هو الركوب ، مع قياس البغل أيضا على الحمار .

وأما سبب اختلافهم في الخيل : فمعارضة دليل الخطاب في هذه الآية لحديث جابر ، ومعارضة قياس الفرس على البغل والحمار له ، لكن إباحة لحم الخيل نص في حديث جابر فلا ينبغي أن يعارض بقياس ولا بدليل خطاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية