الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ المسألة الثانية ]

[ في انتباذ الخليطين ]

وأما المسألة الثانية ( وهي انتباذ الخليطين ) : فإن الجمهور قالوا بتحريم الخليطين من الأشياء التي من شأنها أن تقبل الانتباذ . وقال قوم : بل الانتباذ مكروه . وقال قوم : هو مباح . وقال قوم : كل خليطين فهما حرام وإن لم يكونا مما يقبلان الانتباذ فيما أحسب الآن .

والسبب في اختلافهم : ترددهم في هل النهي الوارد في ذلك هو على الكراهة أو على الحظر ؟ وإذا قلنا : إنه على الحظر ; فهل يدل على فساد المنهي عنه أم لا ؟ وذلك أنه ثبت عنه عليه الصلاة والسلام : " أنه نهى عن أن يخلط التمر والزبيب ، والزهو والرطب ، والبسر والزبيب " وفي بعضها : أنه قال عليه الصلاة والسلام : " لا تنتبذوا الزهو والزبيب جميعا ، ولا التمر والزبيب جميعا ، وانتبذوا كل واحد منهما على حدة " . فيخرج في ذلك بحسب التأويل الأقاويل الثلاثة : قول بتحريمه ، وقول بتحليله مع الإثم في الانتباذ ، وقول بكراهية ذلك .

وأما من قال : إنه مباح ، فلعله اعتمد في ذلك عموم الأثر بالانتباذ في حديث أبي سعيد الخدري .

وأما من منع كل خليطين : فإما أن يكون ذهب إلى أن علة المنع هو الاختلاط لا ما يحدث عن الاختلاط من الشدة في النبيذ ، وإما أن يكون قد تمسك بعموم ما ورد أنه نهى عن الخليطين .

وأجمعوا على أن الخمر إذا تخللت من ذاتها جاز أكلها . واختلفوا إذا قصد تخليلها على ثلاثة أقوال : التحريم ، والكراهية ، والإباحة .

[ ص: 392 ] وسبب اختلافهم : معارضة القياس للأثر ، واختلافهم في مفهوم الأثر . وذلك أن أبا داود خرج من حديث أنس بن مالك أن أبا طلحة سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن أيتام ورثوا خمرا ، فقال : " أهرقها ، قال : أفلا أجعلها خلا ؟ قال : لا " .

فمن فهم من المنع سد ذريعة حمل ذلك على الكراهية . ومن فهم النهي لغير علة قال بالتحريم . ويخرج على هذا أن لا تحريم أيضا على مذهب من يرى أن النهي لا يعود بفساد المنهي .

والقياس المعارض لحمل الخل على التحريم : أنه قد علم من ضرورة الشرع أن الأحكام المختلفة إنما هي للذوات المختلفة ، وأن الخمر غير ذات الخل ، والخل بإجماع حلال ، فإذا انتقلت ذات الخمر إلى ذات الخل وجب أن يكون حلالا كيفما انتقل .

التالي السابق


الخدمات العلمية