الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين إن هو إلا ذكر للعالمين ولتعلمن نبأه بعد حين )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين إن هو إلا ذكر للعالمين ولتعلمن نبأه بعد حين )

                                                                                                                                                                                                                                            اعلم أن الله تعالى ختم هذه السورة بهذه الخاتمة الشريفة ، وذلك لأنه تعالى ذكر طرقا كثيرة دالة على وجوب الاحتياط في طلب الدين ، ثم قال عند الختم : هذا الذي أدعو الناس إليه ، يجب أن ينظر في حال الداعي ، وفي حال الدعوة ليظهر أنه حق أو باطل . أما الداعي وهو أنا ، فأنا لا أسألكم على هذه الدعوة أجرا ومالا ، ومن الظاهر أن الكذاب لا ينقطع طمعه عن طلب المال ألبتة ، وكان من الظاهر أنه - صلى الله عليه وسلم - كان بعيدا عن الدنيا عديم الرغبة فيها ، وأما كيفية الدعوة ، فقال : وما أنا من المتكلفين ، والمفسرون ذكروا فيه وجوها ، والذي يغلب على الظن أن المراد أن هذا الذي أدعوكم إليه دين ليس يحتاج في معرفة صحته إلى التكلفات [ ص: 206 ] الكثيرة ، بل هو دين يشهد صريح العقل بصحته ، فإني أدعوكم إلى الإقرار بوجود الله أولا ، ثم أدعوكم ثانيا إلى تنزيهه وتقديسه عن كل ما لا يليق به ، يقوي ذلك قوله : ( ليس كمثله شيء ) [ الشورى : 11 ] وأمثاله ، ثم أدعوكم ثالثا إلى الإقرار بكونه موصوفا بكمال العلم والقدرة والحكمة والرحمة ، ثم أدعوكم رابعا إلى الإقرار بكونه منزها عن الشركاء والأضداد ، ثم أدعوكم خامسا إلى الامتناع عن عبادة هذه الأوثان التي هي جمادات خسيسة ولا منفعة في عبادتها ولا مضرة في الإعراض عنها ، ثم أدعوكم سادسا إلى تعظيم الأرواح الطاهرة المقدسة ، وهم الملائكة والأنبياء . ثم أدعوكم سابعا إلى الإقرار بالبعث والقيامة : ( ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ) [ النجم : 31 ] ثم أدعوكم ثامنا إلى الإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة ، فهذه الأصول الثمانية هي الأصول القوية المعتبرة في دين الله تعالى ودين محمد - صلى الله عليه وسلم - وبداءة العقول ، وأوائل الأفكار شاهدة بصحة هذه الأصول الثمانية ، فثبت أني لست من المتكلفين في الشريعة التي أدعو الخلق إليها ، بل كل عقل سليم وطبع مستقيم فإنه يشهد بصحتها وجلالتها وبعدها عن الباطل والفساد ، وهو المراد من قوله : ( إن هو إلا ذكر للعالمين ) ولما بين هذه المقدمات قال : ( ولتعلمن نبأه بعد حين ) والمعنى : أنكم إن أصررتم على الجهل والتقليد وأبيتم قبول هذه البيانات التي ذكرناها ، فستعلمون بعد حين أنكم كنتم مصيبين في هذا الإعراض أو مخطئين ، وذكر مثل هذه الكلمة بعد تلك البيانات المتقدمة مما لا مزيد عليه في التخويف والترهيب ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            قال المصنف رحمة الله عليه : تم تفسير هذه السورة يوم الخميس في آخر الثلاثاء ، الثاني من شهر ذي القعدة ، سنة ثلاث وستمائة ، والحمد لله على نعمائه ، والصلاة على المطهرين من عباده في أرضه وسمائه ، والمدح والثناء كما يليق بصفاته وأسمائه ، والتعظيم التام لأنبيائه وأوليائه ، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية