الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            الفائدة الأولى : وجوب النظر والاستدلال ، وذلك لأنه تعالى بين أن الهداية والفلاح مرتبطان بما إذا سمع الإنسان أشياء كثيرة ، فإنه يختار منها ما هو الأحسن الأصوب ، ومن المعلوم أن تمييز الأحسن الأصوب عما سواه لا يحصل بالسماع ، لأن السماع صار قدرا مشتركا بين الكل ، لأن قوله : ( الذين يستمعون القول ) يدل على أن السماع قدر مشترك فيه ، فثبت أن تمييز الأحسن عما سواه لا يتأتى بالسماع ، وإنما يتأتى بحجة العقل ، وهذا يدل على أن الموجب لاستحقاق المدح والثناء متابعة حجة العقل ، وبناء الأمر على النظر والاستدلال .

                                                                                                                                                                                                                                            الفائدة الثانية : أن الطريق إلى تصحيح المذاهب والأديان قسمان :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : إقامة الحجة والبينة على صحته على سبيل التحصيل ، وذلك أمر لا يمكن تحصيله إلا بالخوض في كل واحد من المسائل على التفصيل .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أنا قبل البحث عن الدلائل وتقريرها والشبهات وتزييفها نعرض تلك المذاهب وأضدادها على عقولنا ، فكل ما حكم أول العقل بأنه أفضل وأكمل ، كان أولى بالقبول . مثاله : أن صريح العقل شاهد بأن الإقرار بأن إله العالم حي عالم قادر حليم ، حكيم رحيم أولى من إنكار ذلك ، فكان ذلك المذهب أولى ، والإقرار بأن الله تعالى لا يجري في ملكه وسلطانه إلا ما كان على وفق مشيئته أولى من القول بأن أكثر ما يجري في سلطان الله على خلاف إرادته ، وأيضا الإقرار بأن الله فرد أحد صمد منزه عن التركيب والأعضاء أولى من القول بكونه متبعضا مؤلفا ، وأيضا القول باستغنائه عن الزمان والمكان أولى من القول باحتياجه إليهما ، وأيضا القول بأن الله رحيم كريم قد يعفو عن العقاب أولى من القول بأنه لا يعفو عنه ألبتة ، وكل هذه [ ص: 228 ] الأبواب تدخل تحت قوله : ( الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ) فهذا ما يتعلق باختيار الأحسن في أبواب الاعتقادات .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما ما يتعلق بأبواب التكاليف فهو على قسمين : منها ما يكون من أبواب العبادات ، ومنها ما يكون من أبواب المعاملات ، فأما العبادات فمثل قولنا : الصلاة التي يذكر في تحريمها الله أكبر ، وتكون النية فيها مقارنة للتكبير ، ويقرأ فيها سورة الفاتحة ، ويؤتى فيها بالطمأنينة في المواقف الخمسة ، ويقرأ فيها التشهد ، ويخرج منها بقوله السلام عليكم ، فلا شك أنها أحسن من الصلاة التي لا يراعى فيها شيء من هذه الأحوال ، وتوجب على العاقل أن يختار هذه الصلاة ، وأن يترك ما سواها ، وكذلك القول في جميع أبواب العبادات .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما المعاملات فكذلك ، مثل أنه تعالى شرع القصاص والدية والعفو ، ولكنه ندب إلى العفو ، فقال : ( وأن تعفوا أقرب للتقوى ) [ البقرة : 237 ] وعن ابن عباس : أن المراد منه الرجل يجلس مع القوم ، ويسمع الحديث ، فيه محاسن ومساوئ ، فيحدث بأحسن ما سمع ويترك ما سواه .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية